في أثناء الرحلة، مصاعب كثيرة اعترت الرجال الستّة. فثيابهم السميكة المصنوعة من الصوف والقطن كانت مصممة للطقس البارد الجاف، ولم تكن مجهّزة لحماية مرتديها من رذاذ البحر ورطوبته الباردة، فكانت تمتصّ المياه وتبلّل الرجال، وغالباً ما كانت تؤدّي إلى إصابتهم بقضمات الصقيع والنفطات والتشققات في جلدهم. ولم يكن لديهم مصدر تدفئة، إلا أن شاكلتون حرص على حصولهم على الحساء والحليب الساخن أكثر من مرة يومياً، كان يتم تسخينها بصعوبة في ظل تحرّك الأمواج المستمر. وبالطبع، كان من المستحيل على الرجال أن يقفوا منتصبين طيلة الرحلة، وكان من الصعب أيضاً عليهم أن ينالوا قسطاً كافياً من النوم.
من جهة أخرى، كان على هؤلاء المغامرين أن يعتمدوا على بوصلتهم وأدواتهم البدائية لتحديد الاتجاهات، فيما أي خطأ من نصف درجة في تحديد الزوايا كان قادراً على تضليلهم إلى حد 48 كلم عن وجهتهم. ولكن خبرة الرجال ومثابرتهم دفعت بهم إلى عدم الاستسلام، وإلى تكثيف محاولات تحديد الوجهة ليلاً ونهاراً، متحدّين تجلد المياه الذي وصل إلى داخل قاربهم واضطرّوا إلى إخراجه من دون الوقوع في البحر.
وفي ليلة من الليالي، رصد شاكلتون اقتراب موجة عاتية، فصرخ داعياً رفاقه إلى التمسك قبل أن تهزهم الموجة وظلوا يصارعون للخروج منها بقارب نصف غارق، وكادوا يفقدون الأمل، إلى أن هدأت الأجواء وعاد القارب إلى وضعيته الطبيعية. ورغم المخاطر التي تخللت هذه الرحلة المستحيلة، استطاع الرجال أن يحافظوا على الروح المرحة، واثقين أنهم سيصلون إلى وجهتهم في نهاية المطاف. وفي اليوم الرابع عشر، أطلّت جبال جنوب جورجيا عليهم، ولكنهم، بسبب عاصفة أصابت قاربهم وهزّته ولوّثت مياههم، اضطروا أن يرسوا على شاطئها الغربي، بعد أن أمضوا 16يوماً في المياه. ولو لم يتخطّوا هذه العاصفة، لكان أحد لم يعرف كم كانوا قد اقتربوا من هدفهم!
ارتاح الرجال المنهكون بضعة أيام، وبعد أن استعادوا قواهم، انطلق شاكلتون، وورسلي وكرين في مسار 48 كلم على الأقدام باتجاه المحطة النرويجية، عابرين الجبال الجليديةً، من دون أي خريطة، كون أحد لم يكن قد اجتاز هذا الجزء من الجزيرة من قبل. ولم يكن الرجال الثلاثة يملكون أي معدات ولا الخبرة الكافية لاجتياز تلك الجبال في فصل الشتاء، ولكن ذلك كان خيارهم الوحيد. حاول الرجال الثلاثة أن يسرعوا في اجتياز المسافة من خلال الانزلاق على حبل وحيد يملكونه وطوله 15 متراً فيصيحون فرحاً كلما وصلوا بأمان إلى أسفل متحدر بسرعات مخيفة. وأخيراً، وصلوا إلى محطة اصطياد الحيتان في الليلة عينها وكانت مفاجأة كبيرة للنرويجيين. عاد وورسلي في سفينة صيد الحيتان ليصطحب الرجال الثلاثة وقارب جايمز كيرد الشهير. أما الرجال الاثنان والعشرون الباقون، فلم يستطع شاكلتون أن يصل إليهم في جزيرة الفيل إلا بعد أربع محاولات، وذلك بسبب تكّون الجليد، لكنه استطاع أن ينقذهم جميعاً.
ويمكن اعتبار رحلة الخلاص هذه أعظم الرحلات في عالم الاستكشافات القطبية. ولم يكن نجاحها إلا بفضل قوة الرجال وإيمانهم بهدفهم، من دون شك، بفضل سمات قائدهم الاستثنائي: إرنست شاكلتون.