وكان يذكّر ابن ماجد مستمعيه باستمرار بأن تقاليد الإبحار الإسلامية قد امتدت إلى مياههم المحلية. فالمراكب العربية جابت البحر الأبيض المتوسط، والأميرال طارق بن زياد هو من أعطى اسمه إلى مضيق جبل طارق. كما أن أميرالاً عربياً آخر اسمه أسد بن الفرات أنزل جيشه الغازي في صقلية ووصل إلى الجزيرة الإيطالية الرئيسية على نهر بو.
ولكن أكثر ما يركز عليه ابن ماجد في حديثه هو غزو العرب للمحيط الهندي، فيشدد على ثلاثي البحارة الذين صوبوا مقدمات سفنهم باتجاه المخرج من الخليج في القرن العاشر وانطلقوا، فساهموا في رسم المسار الساحلي الذي يصل نهر أندوس، وهم محمد بن شاد – هان، ليث بن كحلان وسهل بن أبان. وأشار أيضاً إلى القباطنة الجريئين الذين خاضوا المحيط الهندي وفق المسار الأقصر إلى كاليكوت في هندستان، ثم تحولوا إلى مؤلفين ينقلون خبراتهم في كتب ومنهم: المقدسي، المروزي، وأحمد بن ماجد. وبفضل هؤلاء الكُتّاب استطاع المهتمون بدراسة التجارة أن يعرفوا كل ما يحتاجون إليه، انطلاقاً من مواقع النجوم فوق المحيط الهندي إلى ظروف رصيف الميناء في كاليكوت.
وفي إحدى المناسبات، علق ابن ماجد قائلاً: «هل تعلمون أننا نبحر أبعد من سيلان، وصولاً إلى الصين؟ فأنا بنفسي قمت بهذه الرحلة مرات عدة، حتى إني أسمح لنفسي بأن أخبر، بعيداً عن التبجح، أنني ألفت عنها بضعة كتب. لكن تقاليد رحلاتنا البعيدة الأقدم تربطنا بأرض النمر والفيل».
ونصح ابن ماجد دا غاما بقراءة كتاب «عجائب الهند بره وبحره وجزره» لبزرك بن شهريار، وكانت خير نصيحة، لأن الكتاب كان يزخر بالرحلات الدراماتيكية إلى شبه القارة وسط العواصف، وحوادث تحطم السفن وهي في طريقها، في خضم المياه المالحة. ويعتبر بعض النقاد أنه من المحتمل أن تكون كتابات ابن شهريار قد أثرت على الأديب العبقري المجهول الذي ألف قصص السندباد البحري.
ولم يكن على ابن ماجد أن يشرح أسباب اهتمام العرب بالهند: فالبرتغاليون كانوا مدركين هذه الأسباب، وكانوا بأنفسهم قد وجدوها أسبابا كافية تدفعهم للإبحار بعيداً عن بلدهم. ونصف العالم في حينها كان يرغب في الاستيلاء على حصة من التجارة الهندية الغنية.
ويخبر تاريخ العرب الأقدم أن القاطنين منهم على شاطئ المحيط الهندي وبحر العرب تعلموا أنه بإمكانهم جني الأرباح عبر المخاطرة بحياتهم في عمق البحار وما وراء الأفق. واغتنت عائلات البحارة بفضل أرباح التجارة العابرة للمحيط، وبنيت الأسواق الباهرة في كل مكان ترسو فيه السفن التجارية مثل عدن، وزنجبار، ومدغشقر. وفي المقابل، ازدهرت مرافئ ساحل مالابار، بالأخص كاليكوت، بفضل المقايضة مع الزوار العرب. وكانت المراكب الشراعية العربية تحمل البخور، والذهب، واللآلئ، والزجاج، والحلى على أنواعه، وتعود مزودة بالعطور، والبهارات، والحرير، والقطن، والألماس، وخشب الساج. كما كان يتم تبادل الحيوانات كالفهود مقابل الطواويس، وغيرها من هذا القبيل.