تختصر «الموند» في عنوان افتتاحيتها أمس، جوهر المسألة: «عودة القضية التي يريد تجاهلها العالم أجمع»،
وتضيف «خصوصاً جو بايدن».
وإذا كان العالم المرهق قد استسلم منذ شهر لمشاهد الانتفاضة في المسجد الأقصى والشيخ جراح، فإنه فتّح عينيه غير مصدّق وهو يشاهد الصواريخ تقصف تل أبيب وتضع وسط إسرائيل برمّته في دائرة الخطر، ربما للمرة الأولى منذ عقود.
في اعتقادي أن هذا هو التطور الأهم في الصراع منذ 1948. أي هشاشة الداخل الإسرائيلي نفسه بعدما ساد الانطباع لسنوات طويلة أنه محصّن، وأن نقاط الضعف هي فقط في الأطراف، مثل الجليل.
صحيح أن الرد على صواريخ غزة كان مضاعفاً، كما هو متوقع. لكن ما لم يكن متوقعاً هو اهتزاز صورة الدرع الإسرائيلي مهما كانت نسبته محدودة: 10 في المائة مقابل 90 في المائة من الصواريخ التي تم تفجيرها. ما من مرة شاهد العالم من قبل صور حرائق عربية في مدينة إسرائيل الأولى. وإن كان قد شاهد معها في الوقت نفسه، صور مدينة مشعّة بالأضواء أكثر من باريس، فيما بيروت مدينة معتمة تتقاتل على علبة حليب مجفف.
سجلت الصواريخ مرحلة جديدة في الصراع العربي – الإسرائيلي. لم تعد حرباً تُخسر على الحدود، ولا تسللاً عبرها، ولا طائرات مدنية تخطف، بل صواريخ تطال الداخل الإسرائيلي. وهي حتى الآن «غير ذكية» تماماً، أي من النوع الذي تستخدمه إسرائيل في الاغتيالات الفردية ودكّ المباني العالية، لكنها صواريخ، في أي حال. والأهم هو الأثر النفسي والمعنوي على المجتمع الإسرائيلي الذي كان يعتقد أنه يزدهر في أمان، بينما تجري الحرب في أماكن أخرى.
الوجه الآخر لصواريخ «حماس» هو كالعادة التوقيت. فقد كان العالم مأخوذا بما يجري من قمع واضطهاد وتعدٍ، في الأقصى والشيخ جرّاح، عندما حوّلت الصواريخ إلى مكان آخر. وكانت أميركا وأوروبا ترى نفسها مرغمة على استنكار الحملة الإسرائيلية، عندما حوّلت إسرائيل المسألة إلى تعرّض مدنييها وطائراتها المدنية للخطر. وسواء تعمدت «حماس» ذلك أم لا، فقد أظهرت وكأنها الوحيدة المدافعة عن القدس حيال سلطة فلسطينية متلكئة وخائفة من امتحان الانتخابات.
والانتخابات في كل مكان. وليس في الجانب الفلسطيني وحده. بنيامين نتنياهو يخوض آخر معاركه السياسية لزعامة إسرائيل. وهو منهك ووحيد، ويفاوض نائباً عربياً من «الإخوان المسلمين» من أجل تأمين ائتلاف حكومي. وليس معروفاً الآن بعد أحداث القدس وبنايات غزة، أي ائتلاف سوف يختار السيد منصور عباس.