إن امتلاك الشيء لا يعني امتلاك بهجته، لذلك حتى بائعة الورد تفرح عندما نهديها وردة، وهكذا نحن السوريين تتعاقب أعيادُنا وتمر بنا عبر المفكرات وعبر أورق الرزنامة دونما بهجة ولا رونق ولا ألق، فمنذ أيام قليلة مضت قد زارنا عيد القيامة أو الفصح بتقويميه الشرقي والغربي، واليوم نحن على أعتاب زائر كريم هو عيد الفطر السعيد.
تعطلت بهجة أعيادنا، وترافق استقبالها بكثير من الغصات لدى السوريين في كل مكان
جرت العادة بأن يستقبل الناسُ العيدَ بالفرح والسرور والتوجه إلى الأسواق التي تكون مشتعلة بكل فنون الترويج والتسويق لجذب الزبائن، ومكتظة بالناس المبتهجين والفرحين بقدوم العيد، يحرصون على شراء الورود والزينة والثياب الجديدة وأنواع الحلوى التي من المعتاد حضورها في موائد العيد، ويتعمدون اصطحاب أطفالهم ليشعروا بهذا الطقس الجميل المهيب ليعيشوا هذا الفرح، ويقومون بإعادة تنظيف البيوت وترتيبها لاستقبال الزوار والمهنئين، وغالباً ما يتم تنسيق بعض مناسبات الفرح الأخرى لكي تتزامن مع قدوم الأعياد، كحفلات الخطوبة أو الأعراس أو افتتاح محال وأعمال جديدة فيكون العيد عيدين كما يقال، والعنوان الأهم في جميع الأعياد هو لمة الأحباب واجتماع العائلة الكبيرة في جلسات تغمرها السعادة ويعمها الفرح.
أما اليوم، فقد تعطلت بهجة أعيادنا، وترافق استقبالها بكثير من الغصات لدى السوريين في كل مكان، وأولها كان ضيق ذات اليد وعدم القدرة على الاحتفاء بقدوم العيد كما يليق به، فالأسرة السورية بالكاد تحصل على قوت يومها في ظل وضع معاشي معقد وصعب، حيث أصبح التفاوت بين متوسطات دخول الناس ومتطلبات معيشتهم كبيراً جداً، وأصبح قدوم العيد يمثل لرب الأسرة مزيداً من الالتزامات والانفاق وبالتالي همّاً إضافياً وقلقاً يخنق البهجة ويغيبها، ومن جانب آخر تحضرُ مع العيد لوعة فراق الأحباب، فقد تناثرت الأسرة السورية بين الهجرة واللجوء والنزوح والسجون والقبور وأي بهجة تجدها في شتات، لم تبقَ إلا وسائل التواصل الإلكترونية عبر الإنترنت وهي دون سقف كفاية التعبير، فهي لا تجيد الضم والعناق ولا الشم ولا تشفي صدور آباء وأمهات هدّهم الشوق لفلذات أكبادهم وإخوتهم وأخواتهم وتخنقهم عبرات الفراق.
هذا هو عيدنا الذي تأخر، سواء كان عيد الفطر أو عيد الفصح أو عيد النيروز، أو عيد التحرير أو عيد الاستقلال، فمن يعيد للسوريين بهجة عيدهم؟
ولعل الذي يشترك فيه السوريون، قبل العيد وبعد العيد هو الشعور بالمرارة والخذلان وفقدان الأمل بمناصرة قضيتهم الإنسانية العادلة، والتي تفرعت إلى قضايا ووجهات نظر في المصالح الدولية ومحافلها، وأي انكسار بعد هذا الانكسار وفقدان الأمل؟ ولعل الغصة الكبرى هي عجز هذا العيد عن توحيد السوريين الذين انقسموا على ضفتي وطن، حتى التهاني والمباركات أصبحت تصل بحذر وفيها رائحة الانقسام وسموم السياسة.
وعلى الضفة الأخرى تبدو معاناة السوريين خارج الحدود بصور مختلفة وحسب مسافات ابتعادهم وظروف هجرتهم غير المستقرة، وأوجعُ هذه الصور هي صورة الحنين الذي لا ينقطع ولا يرحم، ويتكاثف بشدة في مواسم العيد وتضيق به صدور الهائمين على أحلامهم، يتزاحمون على مكاتب الحوالات لإرسال ما يستطيعون إليه سبيلاً إلى أهليهم وذويهم بمناسبة قدوم هذا الزائر وما يرتبه من التزامات، وما يقومون بإرساله لا يمثل فقط مبلغاً من المال، فهو مساندة والتزام ومشاركة، لا سيما بعد أن فقد كثير منهم فرصة عمله ومصدر دخله وضاقت بهم السبل وعزت عنهم الفرص في ظل انتشار وباء كورونا الذي لم يعرف خصوصية السوريين، فهم الحلقة الأضعف في سوق العمل التي لا تؤمن بالأعياد وبهجتها ولا تدرك التزاماتها ولا تدري ماذا تعني حوالة شهرية لأسرة سورية نازحة على الحدود، تستقبل العيد بخيمة مشرعة للرياح ومنقوش عليها باللون الأزرق – الأمم المتحدة مفوضية شؤون اللاجئين – وهل هناك صورة أشدُ إيلاماً من لاجئ في أرضه يخجل من استقبال العيد بسبب ضعفه وهشاشة وضعه؟
إذاً هذا هو عيدنا الذي تأخر، سواء كان عيد الفطر أو عيد الفصح أو عيد النيروز، أو عيد التحرير أو عيد الاستقلال، فمن يعيد للسوريين بهجة عيدهم؟ وبعد عقد من الصراع والدمار الاقتصادي والاجتماعي، أما آن الأوان كي يأتي عيد السوريين إليهم هو وبهجته؟ ومن سيهدي لهم قيامتهم وفطرهم وفرحهم وجبر خواطرهم، واجتماعهم في مساحة وطن لهم جميعهم بكل ألوانهم وأطيافهم وكرامتهم؟