مَن الذي خرج رابحاً من جولة القتال الأخيرة بين غزة وإسرائيل؟ على الأرض لا يصح القياس بمعيار الربح والخسارة. من ناحية استطاعت «حماس» أن تطلق 4 آلاف صاروخ على الداخل الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى، ألحقت الآلة الجوية الإسرائيلية دماراً هائلاً بالقطاع وأهله. لكن على الصعيد السياسي ربحت «حماس» معركة الإعلام والتعاطف الدولي.
هناك رابحون وخاسرون أيضاً في الميدان الدبلوماسي: عادت مصر إلى مقامها العربي التاريخي بعد الدور الذي لعبه الرئيس السيسي في ترتيب وقف إطلاق النار بعد 11 يوماً من العنف، وهو الدور الذي شكره عليه الرئيس جو بايدن. وجو بايدن خرج رابحاً بالضغط على إسرائيل من أجل الهدنة التي تحققت من خارج مجلس الأمن، أي من دون الحاجة إلى روسيا والصين.
عادت مصر من خلال أدائها السياسي، وواجبها العربي، في إسعاف ضحايا غزة، وموقعها الأخوي في تخصيص 500 مليون دولار مساعدات للقطاع. والجميع يعرف أن الاقتصاد المصري ليس اقتصاد تبرع ومساعدات.
كانت عودة الدور المصري قد بدأت تدريجياً منذ فترة، لكن حرب الصواريخ حسمت العودة مرة واحدة، وأعادت الأشياء إلى مواقعها، وذكّرت العرب بحجم الخطأ السياسي والاستراتيجي والقومي عندما قرروا «طرد» مصر، ليس فقط من الجامعة بل من حياتهم، غير مدركين مدى الأثر على مدى أهمية وفاعلية الدور المصري في وجودهم المعنوي والقومي.
من أعداد الصواريخ يبدو بلا أي شك أن إيران قدّمت لـ«حماس» مساعدات من نفس النوعية التي تقدمها للحوثيين. لكن ليس هذا دور مصر. دور القاهرة الجمع بين الضفّة والقطاع، ودعم السلطة سياسياً إلى أقصى الحدود، وتقديم شتى أنواع المساعدات عبر الحدود مع غزة.
ثمة عمل جبار آخر لا بدّ أن يبدأ الآن: إعادة الإعمار. ما من أحد يستطيع أن يقدِّر الكلفة الحقيقية الآن، ومن أين سوف تتوافر الأموال لرفع الأنقاض العربية في كل مكان. وقد تشابهت مناظر الردم على نحو فائق الرثاثة. وكذلك مشاهد النزوح المرير من المنازل إلى الملاجئ. لكن لم يعد في إمكان نتنياهو بعد الآن الاعتماد على تفتت العرب. غزة أعادت توحيدهم. ويبقى أن يتصالح الفلسطينيون، وأن ترى «حماس» أنها انتصرت على إسرائيل، لا على العرب.