يقول المثل الإنجليزي: «العادات القديمة تموت في صعوبة». الطريقة التي يعامل بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تشبه إلى حد بعيد معاملتهم أيام الحقبة السوفياتية. ومعظم دول أوروبا الشرقية تخلّت عن الأساليب القديمة، إلا نظام رئيس بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، فما زال متمسكاً بأسلوب القمع المطلق، ولكنه تجاوز جميع أنداده ومنافسيه عندما أمر في 23 مايو (أيار) الحالي بهبوط طائرة آيرلندية مدنية إرغاماً في مطار عاصمته مينسك، لكي يعتقل أحد ركابها؛ المدوّن المعارض رومان بروتاسيفيتش ورفيقته.
احتجت أوروبا. وزادت العقوبات على المنظومة الحاكمة في بيلاروسيا. ومنعت طائراتها من استخدام أجواء روسيا البيضاء بعد اليوم. وماذا بعد؟ مجموعة استنكارات من رؤساء الجوار وبلاد البلطيق. ومجموعة مواقف مماثلة لتلك التي صدرت يوم اعتقل المعارض الروسي أليكسي نافالني لحظة عودته إلى موسكو.
المهم في كل ذلك أنه لا يحق للرئيس ألكسندر لوكاشينكو أن يدعي الريادة في هذا السلوك الأخلاقي: إجبار طائرة مدنية، مسافرة من بلد إلى آخر، على الهبوط في عاصمته تحت التهديد بالقصف، وإرسال طائرة «ميغ29» «لمرافقتها». جديد؛ أخونا ألكسندر على هذه الصنعة.
نحن، في عام 1971، منذ نصف قرن على وجه الضبط، سجلنا اختراع الفكرة النبيلة. كانت آنذاك حقبة الضباط من رتبة ملازم. وما لبث الملازم أن أصبح عقيداً وزعيماً وقائداً ملهماً، وحاكماً مطلقاً لاثنين وأربعين عاماً. وكان طبيعياً أن تقوم «أخوية» طبيعية بين الضباط القادمين. فما لبث الضابط جعفر نميري أن ظهر في الخرطوم. وخطر للرائد هاشم عطا سؤال وجيه: ولماذا ليس أنا؟ فانتظر إلى الثالثة بعد الظهر، حيث تخلو شوارع الخرطوم من حرّ المدينة، وتقدم. كان عطا سيئ الحظ. وكان من مؤيدي انقلابه ضابطان يقيمان في لندن؛ النور وحمد الله، قررا الانضمام إليه. وعندما دخلت الطائرة البريطانية أجواء الجماهيرية الاشتراكية الليبية العظمى، أرسل القائد في أثرها طائرتين حربيتين من طراز «ميغ»، وأرغمها على الهبوط في مطار بنغازي. ودخلت قوة عسكرية إلى الطائرة وركابها المرتعدين، واختطفت الضابطين، ومضت بهما، ولم يظهرا إلا على منصة الإعدام في الخرطوم، حيث أُعدما مع عطا وضباطه.
استنكر العالم أجمع السابقة، فيما كان القائدان المفديان يرسمان شارة النصر.