محزن وكئيب وحزين ومحبط توصيف ما حصل مع جيسيكا عازار، أليس كذلك؟
وجهٌ إعلامي ناجح وطموح وموجود بقوة، كغيره، على السوشيل ميديا، كتتمة لهذا النجاح، أو كتسويق بدهي له، وفي سياق تقليدي لعالم الآن.
وكما تسوّق لمقابلاتها، وما يكتب عنها، سوّقت لما نفترض به أحلى خبر لرجل وامرأة. الخبر الذي نعجز عن الامتناع عن التفاعل معه: الارتباط بالنصف الآخر (الوصف الأوحد حتى اختراع بديل عنه، على رغم ما يحمله من كليشيه).
قصة حب توجت بارتباط. لا دخل لنا، نحن العامة المشاهدين، بالنيات. بل عيب علينا، ومشين، أن نقرأ بين سطور ارتباط شخصين، مهما كان فارق العمر بينهما، أو الطبقة، أو المكانة الاجتماعية، أو العرق…
لا دخل لنا. نضع قلباً أحمر كبيراً، نقول “ألف ألف مبروك”، ونتابع حياتنا الافتراضية اليومية. لكن، لبنانياً، جيسيكا المعروفة جداً، النجمة، ارتبطت بشيعي. هذا حرّك وتراً في شخص أعترف أنني ألتقي باسمه أحياناً على “فايسبوك”، وأفهم أن آراءه عنصرية مشينة واسمه على الأرجح ناجي حايك، ولا يثير في أي فضول لأبحث عنه على “غوغل” كي أعرف إلى أي فريق سياسي ينتمي، أو أتعمق أكثر في ما يشبه “فكره” السياسي. هو مجرد موجود آخر من الموجودين اللبنانيين على الشاشات والسوشيل ميديا، يثيرون ضجيجاً لا يذكر إلا بضوضاء تصدر عن مخلوقات، ليست بالضرورة طيوراً، على الأشجار، في مواسم التزاوج.
هذا المخلوق الخاص من بين المخلوقات ارتأى أن ينبش كلمات مثل “النبعة” في لغته التي انقرضت (حقاً؟) ليقرع مسيحية (أجهل مذهبها) قررت الارتباط بشيعي (هل هو شيعي؟ هو مسلم في أسوأ الأحوال وإلا لما قُرعت هذه الطبول كلها).
لم يوقظ ناجي الحرب الأهلية فحسب. أيقظ فصيلاً محدداً مجهولاً في هذه الحرب لم يسمع به أحد من كل الأجيال التي عاصرت ناجي ولحقته بكثير (نحن في عام 2021، وقد انتهت الحرب قبل 31 سنة تقريباً). مع أن أبناءكم ليسوا لكم كما قال النبي جبران، فإن ناجي عاير العريس بوالده الذي تبين أنه ليس هو المقصود بل غيره بدليل الاسم الأول. لكن لا فرق. كلهم عند ناجي سواء. كلهم “محمودات”.
مع ناجي، هجم جيش من المتطفلات والمتطفلين على الحياة الشخصية لوجه معروف ومحبب لبنانياً. فهي ترتبط بالشيعي لثرائه، لجنسية ثانية يحملها، لأنها تحلم بالنيابة (مع أنه ليس من آل برّي). كل الأسباب الأخرى غير أن جيسكيا، الشابة الجميلة الناجحة في آن، وقعت في الحب. ما دخل هذا الجيش من الحكماء الإعرابيين بها؟ يسدون نصائح مجانية يكتبونها بالعامية اللبنانية بأحرف وأرقام لاتينية عصية على الفهم: رح يتزوج عليكي يا حجة. بكرا رح يحجبك يا حجة. أخدك من دينك…
أعني، ما هذه اللغة الذكورية المقززة؟ أن ابنتنا المسيحية المشهورة خسرت خط الدفاع الأخير وسقطت بين يدي مسلم؟ هل صادف المنتقدون والمنتقدات لتصرف خاص وحميمي إلى هذه الدرجة، كتاباً في حياتهم؟ هل صادفوا مقالاً أو أغنية أو مسرحية لزياد الرحباني؟ هل حقاً ما زال لبنان على هذه الذكورية التي تعتبر ارتباط ابنة الطائفة بابن طائفة أخرى حدثاً ملعونا؟ سادوم وعامورا؟ هزيمة نكراء لا قيامة بعدها لهرمونات الذكورة الطائفية؟
ما هذا؟
قد نبرر أنها السوشيل ميديا التي تلمّ ممن هب ودب. وحرية الرأي المستجدة باتت تبرر تقيؤ الآراء. يتقيأ واحدهم بضعة سطور على تغريدة لوجهين مغتبطين بقصتهما، ثم يتابع يومه. يتقيأ مذهبيته وعنصريته وذكوريته وتقليدية خطابه (لا أسف على التكرار المقصود) ثم يتابع حياته متقيأ من المواقف ما لا يمكن عده ولا حصره. وعلى الإعلامية المشهورة آن تتقبله بصفتها شخصية عامة، وبصفتها، قبل ذلك، مسيحية. من أعطى هؤلاء هذا الحق بالتدخل في حياة جيسيكا مطلقة الخصوصية؟ الأب؟ الابن الذي لا يختلف اثنان (حرفياً) على جماله؟ الروح القدس؟ الأرزة؟ من؟
لا أحد يا جيسيكا يقرر عنك. ارتبطي بمن شئت، بغض النظر عن كائن يحف طرفيه ببعضهما كي يصدر صوتاً من أعلى الشجرة كناجي، وبغض النظر عن جيوش التافهين خلفه. أحبِّي وتزوجي وجربي. شأنك يا امرأة. شأنك وحدك. لا شأن لنا، كلنا، بك.
وفي المقابل، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، احتفل “فايسبوك” بزواج يارا وكريس. يارا الشيعية وكريس صديقي المسيحي من عائلة قواتية، ولا أعلم طائفته، ولم أسأله. احتفلوا بفستان يارا، وجمالها، وابتسامة كريس النادرة. أم يارا وصديقاتها وأهل كريس غردوا للعروس. لا أحد يحتفل بالعريس في يوم كهذا، لأنه يومها وحدها. ملأت صور عرسها الأميركي المدني الصفحات، ضحكتها واسعة، كذلك عريسها. لا أحد اتهم مسيحياً بخطف شيعية. ربما هما أكثر حظاً لأنهما أقل شهرة من جيسيكا. لا أحد من المدنيين اعترض. هذان حبيبان تعاهدا على الحب. “المبروووك” بالمديد من حروف الواو تكفي. لا دخل لنا.
لكن كريس ليس بريئاً. بعد العرس عاد مع عروسه إلى البيت ليلتهم صحناً عامراً من الفراكة، حتى اتهمناه، أنا وحسن، أنه لم يتزوج يارا حباً بها، بل طمعاً بالفراكة الجنوبية.
وبغض النظر عن ناجي وأمثاله من الكائنات التي على الشجرة، وكائناً ما كان سبب ارتباطكما بمن تحبان مما لا دخل لنا به، ألف ألف مبروووك يا جيسيكا ويا يارا.