كانت إسرائيل تفاخر، زوراً أو بهتاناً، بأنها «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، وها هي تُجري أربعة انتخابات عامة في سنتين ولا تقدر على تشكيل حكومة جديدة لو لم ننجدها بروحنا وتقاليدنا الديمقراطية، بالسيد منصور عباس، يصوّب البوصلة ويعزز حرية الاختيار، والعزة للعرب.
سبحان الله، كيف استعرب الإسرائيليون واستشرقوا وتناسوا ما حملوه معهم من الغرب. وكم صدق أمير الشعراء حين قال في تحفته الدمشقية: «كلنا في الهمّ شرق». ولم يرتَح لسوريا بال إلا بعدما أجرت انتخاباتها الرئاسية الثالثة منذ بداية الألفية الثالثة، فيما الديمقراطية اللبنانية، في ظل جنرالها الثالث، تؤلف ولا تؤلفان، بسبب الحرص على معاني الدستور والميثاق ورمزية جبران باسيل في خلود النظم الجماهيرية، وعاش لبنان.
ويا أمير الشعراء، سلام من صبا بردى أرق – وكلنا في الهم شرق. بلد المفاجآت الديمقراطية الجمهورية العربية السورية، بشهادة إيران وروسيا وفوقهما بيلاروسيا، بلد القرصان الجوي المجيد. ولماذا ينتخب أهل الشرق، «فإني لست أدري» كما قال أمير شعرائهم في المهجر، مردداً بعد كل سؤال جواباً واحداً: أني لست أدري.
يتحدث اللبنانيون عن زوال بلدهم وكأنهم يتحدثون عن موسم البطيخ. وأبلغهم الجنرال عون بشارة جهنم، وهم يعرفون أن الرجل صادق الوعد، جندياً وسياسياً. أما لماذا جهنم، فلأنها خيارهم. وهذا الطريق يؤدّي إلى هذا الجدار. بيت بيت. شارع شارع. زنقة زنقة. عقيد عقيد. مشير مشير. بشير بشير.
أقسم بأن السجع ليس من عندي. إنها عفوية الوقائع وتوالي الأقدار والولع العربي بالديمقراطية. كان في صف الخلافة للحبيب بورقيبة رجال مثل أحمد المستيري، الذي فقدناه مؤخراً، ومحمد المصمودي، والشاذلي القليبي. لكن طبيعة الخيار العربي اتجهت إلى آمر الشرطة، زين العابدين بن علي. الطريق المفضي إلى الزنقة. إلى فتى عربة الفواكه والخضراوات محمد البوعزيزي يشعل ثوب الربيع العربي، لكن هل للعرب ربيع؟
في لبنان أحرق رب عائلة نفسه لأنه عجز عن تسديد أقساط أولاده في المدرسة. ماذا حدث؟ أخذت تماسيح السياسة علماً بالأمر. وقتل 210 وشرد 300 ألف وأصيب آلاف وما من برقية تعزية حتى الآن، ولا حتى دمعة من الدموع التي تذرفها التماسيح وهي تمضغ ضحاياها.