عندما دخل لبنان الحرب الأهلية عام 1975 كنت رئيس تحرير «الأسبوع العربي» براتب يعادل الراتب الرسمي لرئيس الجمهورية. لكنني لم أتردد لحظة في ترك «حقول القتل» والسفر إلى كندا بداعي الهجرة الدائمة. كانت كندا يومها بالنسبة إلي النموذج البشري النادر: بلد للبسطاء، والعدالة، والمساواة، والأمن، والضمانة الاجتماعية، والهناء الخالي من المشكلات والعنصريات والحقد. وكانت تتشارك في كل حدودها مع الولايات المتحدة؛ لكن باختلاف عظيم في الرقي البشري على جميع أنواعه. جنّة السكينة والهناء إلا قليلاً. وبلد السعادة لولا عذاب الثلج وطول الشتاء الأبيض.
فيما مضى اللبنانيون يتذابحون، بسبب الهوية الطائفية أو الاجتماعية، أو الطبقية… كانت كندا تقدم للعالم، في رسوخ وثبات ورقي، نموذج التعايش والانصهار والانتصار على غرائز التوحش. ورغم ظروفي المادية القاسية، فإنني كنت سعيداً لأنني لست في لبنان، وأكثر سعادة لأنني في كندا. لم تعش تجربتي طويلاً، لكنها لم تُمحَ في ذاكرتي… بلد بسيط لدرجة أن في إمكانك الادّعاء بأنك صديق رئيس الوزراء، ورئيس الوزراء هو الرجل التاريخي بيار إليوت ترودو.
رئيس الوزراء اليوم هو ابنه، جاستن ترودو. وقبل أيام كانت كندا مسرحاً لأكثر الجرائم بشاعة: مجرم عنصري يدهس عائلة مسلمة من خمسة أنفار ويقتلهم جميعاً. مَن تغيّر؛ ما بين الأب والابن؟ ليست كندا؛ بل العالم. وليس الإسلام في صفائه ورسالته، بل التشوّه الذي طرأ على بعض أدعيائه. فهذا الكاره الكريه لا يعرف عن الإسلام إلا ما قرأه في يوميات «داعش» وأحقاد فلاسفتها. لم يكن يخيّل إلي يوماً أن الحقد سوف يصل إلى كندا، وإلى هذا المستوى الرهيب. قبل عامين شغلت العاصمة الكندية؛ أوتاوا، طوال عشرة أيام بمحاولة إنقاذ سنجاب علق في الحديقة العامة: المحافظ، والبلدية، وفرقة الإطفاء، وجمعية الرفق بالحيوان، شاركت جميعها في محاولة الإنقاذ، مع الحرص على ألا يتعرض السنجاب العالق بين الغصون للخوف أو للأذى.
لكي تصدق أن في إمكان كندي أن يدهس عائلة مسلمة، يجب أن تتذكر أن مجموعة عربية أحرقت طياراً أردنياً في قفص حديدي، ومجموعة أخرى قتلت 20 مصرياً على الشاطئ الليبي، ومجموعة ثالثة افتتحت هذا القرن بدكّ برجي نيويورك بأربعة آلاف قتيل مدني. عندما يتساوى مواطن كندي في النظرة إلى الحياة مع محمد عطا، فيجب أن نخاف حقاً.