اعتبرت صحيفة «وول ستريت جورنال» وصول رجل أكثر تشدداً للرئاسة رسالة أخرى لإدارة جو بايدن بأنَّ إيران لا تنوي التحول للأفضل، حتى بإحياء الاتفاق النووي الشامل. نحن، سكان المنطقة، نعلم أنَّ هذا استمرارية للواقع منذ قيام الثورة، والاعتقاد بأنَّ نظام طهران سيتغير مجرد سراب. النظام منذ 40 عاماً لم يتغير فيه شيء، الرئيس الجديد قديم، إبراهيم رئيسي، من قياداته منذ عقد الثمانينات. رؤية النظام الدينية المتطرفة لنفسه وللعالم لم تتغير. ومشروعات النظام العسكرية لم تتغير.
لا يتطلب الأمر كثيراً من الثقافة السياسية عن إيران لمعرفة أن أي رئيس لن يترشح وينتخب وينصب إلا برغبة المرشد الأعلى، ومحسومة سلفاً.
المهم في الانتخابات أنها تظهر علانية الصراع بين رجال الدين، وتحديداً رجال المرشد الأعلى.
خامنئي هو السلطة السياسية العليا، صاحب الكلمة الأخيرة. يعود إليه الرئيس قبل أن يتخذَ قراراتِه.
الصراعات بينهم ليست سراً. فمعظم الرؤساء أجبروا على دفع الثمن بعد مغادرتهم نتيجة خلافات مع القوى في الحكم. فقد اعتقل شقيق الرئيس محمد خاتمي، مع 100 من رفاقه، بعد خروجه وفوز محمود أحمدي نجاد بالرئاسة في 2009. ثم اعتقل رحيم مشائي قريب نجاد وأقوى وزرائه، بعد فوز حسن روحاني. ورداً على انتقادات نجاد، نقل مشائي من السجن ووضع في مصحة للأمراض العقلية. وبعد أن سعى هاشمي رفسنجاني للترشح في 2013 تم التآمر لإبعاده، واعتقل ابنه مهدي وحكم عليه بالسجن 10 سنوات. روحاني وهو يستعد لمغادرة مقر الرئاسة، هدد «الحرس الثوري» وزير خارجيته محمد جواد ظريف بتهمة الإساءة لذكرى قاسم سليماني. الصراعات لا تهدد وجود النظام بعد، بل الأرجح أن تعجل بحسم الحكم لصالح إحدى القوى المتحفزة، والأرجح أن تكون «الحرس الثوري».
أما موقع الرئيس وصلاحياته فقد ازدادت ضعفاً وتهميشاً أكثر من ذي قبل، مع بروز وسطوة مجتبى، ابن المرشد الأعلى، ومع اتساع نفوذ «الحرس الثوري» الذي يوشك أن يطبق، وينهي منظومة حكم حوزة قم الدينية التي تشكلت ملامحها وسلطاتها في السنوات الأولى مع وصول الخميني، مؤسس النظام. وربما الذي أبطأ عجلة التغيير هذه اغتيال سليماني، من قبل الأميركيين، لكنه لم يوقفها؛ حيث ان «الحرس الثوري» يمسك بمفاصل الاقتصاد، ويقبض على مراكز الأمن العليا، ويفرض رأيه في الشؤون الخارجية، ويدير الحروب في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
لا نتوقع بعد «انتخاب» إبراهيم رئيسي تبدلات مهمة في السياسة الخارجية، على اعتبار أنها في دائرة اختصاص المرشد الأعلى، وسيمرّ الاتفاق الشامل الذي فاوض عليه فريق روحاني في فيينا.
إنما صعود متشدد، مثل رئيسي، سيزيد النقمة الداخلية ضد النظام، والتي نرى تصاعدها شعبياً منذ وقوع الحركة الخضراء عام 2009. وكان الحراك الشعبي محصوراً في المدن الرئيسية، ثم ظهرت الاحتجاجات الأخيرة في المناطق الريفية، التي كان يعتبرها النظام سنده الشعبي.
ثلاثي الحكم في طهران، الرئيس رئيسي و«الحرس الثوري» ومجتبى خامنئي، سيبقون على سياسة التمدد الخارجي في أفغانستان والدول العربية، وقمع الداخل المتمرد