“نحن نتحدث عن نهاية العالم هنا، ولا أعرف كيف أصف الوضع”.. قد يجد الكثير منا أن هذه العبارة التي حاول بها أحد رجال الإطفاء في اليونان وصف ما يحدث “مبالغة”، لكن التغير المناخي وتبعاته تثير الذعر حول العالم بالفعل.
فتركيا تشهد حرائق غابات هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخ البلاد، والأمر نفسه في اليونان والولايات المتحدة، وتواجه الصين وألمانيا ودول أوروبية أخرى فيضانات قاتلة أودت بحياة مئات الأشخاص.
وتسبب هذا الطقس المتطرف والقاتل في حالة من الذعر تنتاب الكوكب بأكمله تقريباً، مما يضفي أهمية بالغة على مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (كوب 26)، الذي وافقت 195 دولة على المشاركة فيه خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لوضع قواعد جديدة للتعامل مع كارثة التغير المناخي بشكل عاجل.
ماذا يعني مصطلح التغير المناخي؟
مصطلح التغير المناخي معنى بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في نفس الأماكن، مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار هي نقص الغذاء.
وبعد أن أصبحت صور الفيضانات والحرائق تتصدر عناوين الصحف حول العالم، يصدر خبراء المناخ في الهيئة التابعة للأمم المتحدة توقعاتهم الجديدة بشأن مستقبل الكوكب الإثنين 9 أغسطس/آب، وما تم الإفصاح عنه حتى الآن يمثل “جرس إنذار للجميع”، بحسب وصف ألوك شارما الوزير البريطاني ورئيس مؤتمر الأطراف المنتظر عقده في نوفمبر/تشرين الثاني.
فقد تسبب سيل الكوارث المناخية في أنحاء العالم، من الفيضانات في ألمانيا والصين إلى الحرائق الهائلة في أوروبا وأمريكا الشمالية مروراً بموجات القيظ في كندا، في تسريع قيام العلماء بالكشف عن التقييمات الجديدة والتوقعات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستويات المحيطات وحتى اشتداد الظواهر المناخية القصوى.
وبعد أسبوعين من الاجتماعات المغلقة والافتراضية، وافقت 195 دولة الجمعة 6 أغسطس/آب على هذا التقييم الشامل الأول للهيئة الحكومية الدولية المعنيّ بتغير المناخ منذ سبع سنوات، والذي تم التفاوض بشأن “ملخصه الذي سيقدم لصناع القرار”.
وقال شارما في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية إن “هذا التحذير سيكون الأكثر صرامة على الإطلاق من أن السلوك البشري يسرّع بشكل مقلق الاحترار العالمي”، مضيفاً أن هذا التقرير “سيشكل جرس إنذار لجميع الأشخاص الذين لم يفهموا بعد لماذا يجب أن يكون العقد المقبل حاسماً في ما يتعلق بالعمل المناخي”، مشيراً إلى “أننا نقترب بشكل خطير من اللحظة” التي يكون فيها الوقت قد فات للقيام بأي شيء.
ماذا يعني ارتفاع درجة حرارة الأرض؟
مديرة الشؤون المناخية في الأمم المتحدة باتريشا إسبينوزا أكدت خلال افتتاح دورة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في نهاية تموز/يوليو الماضي على الحاجة إلى التحرك بسرعة.
وقالت إن “الحقيقة هي أننا لسنا على المسار الصحيح لتحقيق هدف اتفاق باريس للمناخ المتمثل في حصر الاحترار بـ1,5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. في الواقع، نحن على الطريق المعاكس وقد يبلغ الاحترار عتبة 3 درجات مئوية. يجب علينا تغيير المسار بشكل عاجل قبل فوات الأوان”.
وأضافت: “أقول هذا لصناع القرار: العلم لا يسمح لنا برؤية العالم كما نرغب في أن يكون، إنه يظهر العالم كما هو. هذه ليست سياسة، إنها حقيقة”، بحسب تقرير لموقع فرانس 24.
وحتى تكون الصورة الكبرى أقرب لنا جميعاً، فقد ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض نحو 1.2 درجة مئوية منذ بداية الثورة الصناعية وإنشاء المصانع. ويؤدي كل ارتفاع في درجة حرارة الكوكب بجزء واحد من الدرجة المئوية إلى ازدياد وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة.
وفي عام 2015، توصلت الدول الكبرى إلى “اتفاقية باريس للمناخ” التي وضعت عتبة 1.5 درجة مئوية بنهاية القرن الجاري (القرن الحادي والعشرين) هدفاً ذا أولوية قصوى للعديد من الناشطين والقادة السياسيين. لكن الظواهر المناخية المتطرفة وارتفاع وتيرتها في السنوات الثلاث الأخيرة جعلت هناك حاجة مُلحة لإعادة النظر في التقديرات المتوقعة في هذا الشأن.
وقال عالم المناخ روبير فوتار، أحد مؤلفي الجزء الأول من تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لوكالة فرانس برس قبل بدء الجلسة في تموز/يوليو: “إذا لم نخفّض انبعاثاتنا في العقد المقبل، لن ننجح”، مضيفاً: “من المرجح أن نحقق هدف 1,5 درجة مئوية بين عامَي 2030 و2040، وهذه أفضل التقديرات التي نملكها اليوم”.
ومن أجل حصر ارتفاع حرارة الكوكب في نطاق 1.5 درجة مئوية، يجب خفض الانبعاثات بنسبة 7,6% سنوياً في المتوسط بين عامَي 2020 و2030 وفقاً للأمم المتحدة، وفيما شهد العام 2020 انخفاضاً بهذه النسبة بسبب الجائحة، من المتوقع أن ترتفع الانبعاثات مجدداً.
ومن المقرر نشر جزأين آخرين من تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في العام 2022. أما الجزء المتعلق بتداعيات تغير المناخ والذي حصلت وكالة فرانس برس على نسخة أولية منه، فيوضح كيف ستتغير الحياة على الأرض بشكل حتمي في غضون ثلاثين عاماً، أو حتى قبل ذلك. والجزء الثالث، يتعلق بالحلول المحتملة للحد من الانبعاثات.
هل فات أوان إنقاذ الكوكب من التغير المناخي؟
اليونان، التي تعاني كغيرها من الدول الأوروبية، من التغير القاسي في الطقس، تشهد حالة من خروج حرائق الغابات عن السيطرة تماماً، ووصف رئيس وزرائها، كيرياكوس ميتسوتاكيس، ما يحدث بالقول إن “موجة الحر حولت البلاد إلى برميل بارود”.
وأضاف متسوتاكيس أن الحرائق تظهر “حقيقة تغير المناخ”، إذ كانت درجات الحرارة في البلاد أعلى من 40 درجة مئوية طوال الأسبوع، بينما قالت مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية BBC في أثينا إن الهواء يمتلئ برائحة الدخان، وهناك طبقة رقيقة من الرماد على الأرض.
وفي تركيا، تكافح السلطات هناك أسوأ حرائق غابات شهدتها البلاد على الإطلاق، وقتل ثمانية أشخاص وأجلت السلطات عشرات الآلاف على طول الساحل الجنوبي. كما أخلت ستة أحياء أخرى بالقرب من محطة كهرباء الجمعة الماضي.
وتنتشر حرائق الغابات حالياً في نصف الكرة الشمالي من روسيا إلى كندا والولايات المتحدة، مروراً بقارة أوروبا. ونشرت صحيفة الغارديان تقريراً رصد أسوأ الأماكن التي تشهد تلك الحرائق غير المسبوقة حالياً، وأبرزها اليونان وتركيا وإيطاليا وروسيا والولايات المتحدة وكندا.
وفي الصين، قالت وسائل إعلام رسمية الإثنين 9 أغسطس/آب إن السلطات أجلت أكثر من 80 ألف شخص بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات في إقليم سيتشوان بجنوب غرب الصين.
وتجاوزت مستويات المياه في الأنهار الرئيسية بالإقليم مستويات التحذير بعد هطول الأمطار الغزيرة من الجمعة إلى الأحد، وذكرت خدمة الصين الإخبارية الرسمية أن أكثر من 440 ألفاً تضرروا من الفيضانات في ست مدن بالإقليم.
وعادة ما تشهد الصين معدلات مرتفعة لهطول الأمطار في الصيف، لكن خبراء أشاروا إلى أن عليها تعزيز مقاومة مدنها للفيضانات مع زيادة وتيرة موجات الطقس شديد السوء.
وقال مسؤولون صينيون في مجال الطقس للصحفيين الأسبوع الماضي إن ارتفاع درجات الحرارة زاد من احتمالية هطول الأمطار الغزيرة في أنحاء العالم، وإن تأثير ذلك على الصين سيتفاقم على الأرجح في السنوات المقبلة.
وهذه نماذج لما يشهده الكوكب هذه الأيام ولا تخلو قارة من قاراته من هذا الطقس المتطرف، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن ما إذا كان أوان اتخاذ إجراءات للحد من التغير المناخي قد فات بالفعل.
في هذا الصدد، كان جاستن روالت مراسل BBC المتخصص في البيئة قد نشر تقريراً مطلع العام الجاري نقل فيه عن أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة قوله إنه “يعتقد أن 2021 سيشهد نجاحَ أو فشل عملية مواجهة تغير المناخ”.
وتضع هذه الصورة المثيرة للقلق على عاتق زعماء الدول في مؤتمر المناخ المقبل في غلاسكو اتخاذ قرارات حاسمة لإنقاذ مستقبل الكوكب قبل فوات الأوان، وأبرز هذه القرارات العمل على القضاء بشكل تام على الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050.
وبحسب علماء المناخ، تمثل عملية حرق الوقود الأحفوري مصدراً رئيسياً لتلك الانبعاثات، وبالتالي تشمل الخطوات المطلوب اتخاذها فوراً وضع نهاية لاستخدام الفحم ووقف قطع الأشجار والتحول إلى المركبات الكهربائية والاستثمار في الطاقة المتجددة.
الطقس المتطرف بين حرارة حارقة وفيضانات قاتلة.. هل تدفع أوروبا ثمن التغير المناخي؟
درجات الحرارة المرتفعة أودت بحياة العشرات في كندا، وها هي الفيضانات تجرف المنازل والمتاجر والبشر في أوروبا، فما علاقة التغير المناخي بذلك الطقس المتطرف والقاتل؟
كانت قارة أمريكا الشمالية قد شهدت ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو ما تسبب في فقدان مئات الأشخاص حياتهم في كندا والولايات المتحدة، بينما احترقت قرية كندية بأكملها خلال دقائق، مطلع يوليو/تموز الجاري.
وسجلت مدن عديدة في الشرق الأوسط أيضاً درجات حرارة قياسية، بينما يواجه نصف مليون إثيوبي خطر الفيضانات نتيجة الأمطار في الهضبة الإثيوبية. وعانت قارة أستراليا العام الماضي من حرائق غابات غير مسبوقة، تبعتها فيضانات وسيول أيضاً غير مسبوقة، بينما سجل العلماء ذوباناً غير مسبوق للجليد في القطب الشمالي خلال الأيام القليلة الماضية.
الطقس المتطرف أكثر شيوعاً
وإذا كانت الأمطار والسيول والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها والعواصف وحرائق الغابات تمثل جميعاً ظواهر مناخية ليست دخيلة علينا، فإن تكرار حوادث الطقس المتطرف بفواصل زمنية تقل شيئاً فشيئاً هو أخطر سمات التغير المناخي والاحتباس الحراري، بحسب علماء المناخ.
ونشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً بعنوان “كلُّ شيءٍ مرتبط ببعضه: طقسٌ قاسٍ في عصر تغيُّر المناخ”، رصد آراء العلماء فيما يحدث، وهل فات أوان التصدي لتغير المناخ وباتت تداعياته الكارثية أمراً واقعاً بالفعل وليس مجرد خيال علمي؟
فالصور القادمة من ألمانيا مُروِّعة ومُرعِبة، حيث المنازل والمتاجر والشوارع في المدن والقرى الخلَّابة على طول نهر أهر وغيره من الأنهار، تجرفهم مياه الفيضانات المتدفِّقة.
وكانت الفيضانات قد نتجت عن عاصفةٍ تباطأت إلى أن زحفت فوق أجزاءٍ من أوروبا يوم الأربعاء 14 يوليو/تموز، وألقت أمطاراً وصل ارتفاعها عن الأرض إلى 6 بوصات على المنطقة القريبة من كولونيا وبون، قبل أن تبدأ في الهدوء أخيراً، الجمعة 16 يوليو/تموز. وكانت هناك فيضاناتٌ أيضاً في بلجيكا وهولندا وسويسرا، لكن أسوأ الفيضانات كانت في ألمانيا.
وكان عدد قتلى الفيضانات المدمرة في غرب ألمانيا وبلجيكا قد ارتفع اليوم الأحد إلى ما لا يقل عن 186 قتيلاً بعد فيضان الأنهار وحدوث سيول، ما أدى إلى انهيار منازل وتدمير طرق وخطوط كهرباء. ولقي حوالي 156 شخصاً حتفهم في الفيضانات في أسوأ كارثة طبيعية تشهدها ألمانيا منذ ما يربو على نصف قرن، وتشير تقديرات الشرطة إلى أن من بين هؤلاء نحو 98 قتيلاً في منطقة آرفايلر جنوبي كولونيا.
ولا يزال المئات في عداد المفقودين، أو يتعذر الوصول إليهم، لأن ارتفاع منسوب المياه يمنع الوصول إلى العديد من المناطق، كما لا تزال الاتصالات مقطوعة في بعض الأماكن.
وقالت السلطات إنها أجلت نحو 700 من السكان في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، بعد انهيار سد في مدينة فاسنبرج قرب كولونيا. وقال مارسيل ماورير رئيس بلدية فاسنبرج لرويترز السبت “استقرت مستويات المياه منذ الليلة الماضية… من السابق لأوانه إعلان زوال الخطر لكننا متفائلون بحذر”.
وفي بلجيكا، ارتفع عدد القتلى إلى 30، بحسب مركز الأزمات الوطني الذي ينسق جهود الإغاثة. وأضاف المركز أن هناك 103 أشخاص “مفقودون أو لا يمكن الوصول إليهم”. وأوضح أن من المحتمل أن يكون السبب وراء تعذر الوصول إلى البعض هو أنهم لم يتمكنوا من إعادة شحن الهواتف المحمولة، أو أنهم في المستشفيات بدون أوراق هوية.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أدت الفيضانات، التي اجتاحت ولايتي راينلاند بالاتينات ونورد راين فستفاليا وشرق بلجيكا، إلى قطع الكهرباء والاتصالات عن مناطق سكنية بأكملها، كما ظلت خدمات الطوارئ في هولندا في حالة تأهب قصوى، إذ هدد فيضان الأنهار البلدات والقرى في جميع أنحاء مقاطعة ليمبورج بجنوب البلاد.
وكانت العاصمة الألمانية نموذجاً مخيفاً للطقس شديد القسوة، حيث تسقط في بعض المناطق ما يعادل شهراً من الأمطار في اليوم الواحد، ولكن في عصر تغيُّر المناخ، أصبحت الظواهر الجوية القاسية أكثر شيوعاً. والسؤال الآن هو: ما مدى تأثير تغيُّر المناخ على هذه العاصفة والفيضانات الناتجة عنها؟
ورغم الإجابة الكاملة عليها أن تنتظر التحليلات، التي تجري الآن بالفعل نظراً لحجم الكارثة، وسوف تسعى إلى معرفة ما إذا كان تغيُّر المناخ قد جعل هذه العاصفة أكثر احتمالية، وإلى أي مدى، إلا أن الاتجاه واضحٌ بالنسبة للكثير من العلماء. قال دونالد ويبلز، أستاذ علوم الغلاف الجوي في جامعة إلينوي الأمريكية: “الإجابة هي نعم، كلُّ الأحوال الجوية السائدة هذه الأيام تتأثَّر بتغيُّر المناخ”.
علاقة الحرارة المرتفعة بالأمطار
أظهرت الدراسات بالفعل زيادةً في هطول الأمطار الغزيرة، مع ارتفاعٍ في درجة حرارة العالم، وقالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، وهي المجموعة المدعومة من الأمم المتحدة والتي تقدِّم تقارير عن تأثيرات الاحتباس الحراري، إن تواتر هذه الأحداث سوف يزداد مع استمرار درجات الحرارة في الارتفاع.
وقال غيرت جان فان أولدنبرغ، الباحث في المعهد الملكي الهولندي للأرصاد الجوية، إن “الزيادة الملحوظة كانت أقوى مِمَّا كنَّا نتوقَّع”. يُعَدُّ فان أولدنبرغ أحد العلماء الأساسيين في مجموعة “إحالة الطقس العالمي”، وهي مجموعة معنية بالتحليل السريع لأحداثٍ مناخية قاسية معينة تتعلَّق بتغيُّر المناخ. قال فان أولدنبرغ إن المجموعة، التي أنهت للتوِّ تحليلاً سريعاً لموجة الحر التي ضربت شمال غرب المحيط الهادئ في أواخر يونيو/حزيران، كانت تناقش ما إذا كانت ستدرس الفيضانات التي اجتاحت ألمانيا.
يتعلَّق أحد أسباب هطول الأمطار الغزيرة بالفيزياء الأساسية، فالهواء الأدفأ يحتفظ بالمزيد من الرطوبة، ما يزيد من احتمالية أن تنتِج عاصفةٌ معينة المزيد من الأمطار. ولقد ارتفعت درجة حرارة العالم بما يزيد قليلاً عن درجة مئوية واحدة منذ القرن التاسع عشر، عندما بدأت المجتمعات في ضخِّ كمياتٍ هائلة من الغازات المسبِّبة للحرارة في الغلاف الجوي.
لكلِّ درجةٍ مئوية من الاحترار، يمكن للهواء أن يحتفظ بنسبة 7% من الرطوبة. ونتيجة لذلك، تقول هايلي فاولر، أستاذة تأثيرات المناخ في جامعة نيوكاسل في إنجلترا: “هذه الأنواع من العواصف سوف تزداد شدةً”.
ورغم أنه لا يزال موضوعاً مطروحاً للنقاش، هناك دراساتٌ تشير إلى أن الاحترار السريع في القطب الشمالي يؤثِّر على التيار النفَّاث، من خلال تقليل الاختلاف في درجات الحرارة بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من نصف الكرة الشمالي. وقالت الدكتورة فاولر إن أحد التأثيرات في الصيف والخريف هو أن تيار الهواء على ارتفاعاتٍ عالية، والذي يدور حول الكرة الأرضية، يضعف ويتباطأ.
وأضافت فاولر أن “هذا يعني أن العواصف تتحرَّك بصورةٍ أبطأ”. وأشارت إلى أن العاصفة التي تسبَّبَت في الفيضانات الأخيرة كانت عملياً ثابتة. وقد يؤدِّي الجمع بين المزيد من الرطوبة ونظام العاصفة المتوقِّفة إلى هطول أمطارٍ غزيرة على منطقةٍ معينة.
وقال كاي كورنهوبر، عالم المناخ في معهد الأرض بجامعة كولومبيا، إن أبحاثه وأبحاث زملائه، وأوراق علماء آخرين، توصَّلَت إلى استنتاجاتٍ مماثلة حول تباطؤ أنظمة الطقس. وأضاف: “تشير جميع الأبحاث والأوراق إلى الاتجاه نفسه؛ أن دورة منتصف خطوط العرض الصيفية، والتيارات النفاثة، تتباطأ لتشكِّل نمطاً مناخياً أكثر ثباتاً”، ما يعني أن أحداث الطقس القاسية مثل موجات الحرارة والأمطار الجارفة من المرجح أن تستمر وتطول.
قام مايكل مان، عالم المناخ في جامعة ولاية بنسلفانيا، بدراسة تأثيرات ظاهرة مختلفة للتيار النفاث في فصل الصيف، تُعرَف باسم “صدى الموجة”، تثبيت أنظمة الطقس في مكانها. وقال إن تغيُّر المناخ يجعل أحداث الطقس القاسية أكثر تواتراً، لكنه قال إنه من السابق لأوانه القول إن الكارثة الأوروبية نجمت عن موجة صدى.
ظواهر مناخية قاسية ومترابطة معاً
وقالت جينيفر فرانسيس، العالمة البارزة في مركز وودويل لأبحاث المناخ في ماساتشوستس، إنه رغم أن تباطؤ أنظمة الطقس قد ينجم عن أسبابٍ عديدة، لا يحدث ذلك عموماً في الفراغ.
وأضافت أن العاصفة الأوروبية “جزءٌ من هذه الصورة الأكبر للطقس القاسي الذي شهدناه على طول نصف الكرة الشمالي هذا الصيف”، الذي يشمل الحرارة في الغرب الأمريكي وشمال غرب المحيط الهادي، وهطول الأمطار الغزيرة، ودرجات الحرارة المنخفضة في الغرب الأوسط، وموجات الحر في الدول الإسكندنافية وسيبيريا.
وقالت: “هذا ليس معزولاً أبداً حين يتعلَّق الأمر بتكوينٍ غريب للتيار النفاث. دائماً ما تكون قسوة الطقس في مكانٍ ما مصحوبةً بأشكالٍ مختلفة من هذه القسوة”، مضيفة: “كلُّ شيءٍ مرتبط ببعضه، وكلها حقاً نفس القصة”.
حين يتعلَّق الأمر بالفيضانات، هناك عوامل أخرى قد تضطلع بدورٍ وتعقِّد أيَّ تحليلٍ لتأثير تغيُّر المناخ. وينبغي مراعاة التضاريس المحلية، حيث قد تؤثِّر على أنماط هطول الأمطار ومقدار الجريان السطحي وأي أنهارٍ يصل إليها.
وقد تزيد التأثيرات البشرية من تعقيد التحليل. على سبيل المثال، غالباً ما تحل مشروعات التنمية بالقرب من الأنهار محل الأراضي المفتوحة، التي بمقدورها أن تمتص الأمطار، في حين أن وجود المباني والشوارع ومواقف السيارات يزيد من المياه التي تصب في الأنهار. وقد تكون البنية التحتية التي تُبنَى للتعامل مع الجريان السطحي الشديد وارتفاع الأنهار غير كافية.