تصاعد الضغط الدولي على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل الحكومة، ولكن هذا الضغط لم يصدر حبّاً بلبنان، بل خوفاً من سقوطه وبالتالي سيطرة حزب الله عليه بحسب اعتقادهم، ولا شكّ أن زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا الى قصر بعبدا تأتي في هذا السياق، تماما كسبب زيارة مدير وكالة الإستخبارات الأميركية المركزية وليام بيرنز.
طرحت زيارة المسؤول الإستخباراتي الأبرز في الولايات المتحدة الأميركية الكثير من الأسئلة حول التوقيت والأهداف، وتُشير مصادر مطّلعة إلى أن الزيارة التي شملت لقاءات مع قائد الجيش العماد جوزيف عون، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ومدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان، كانت للتحذير من خطورة سقوط لبنان في الفوضى، مشددة على أن المسؤول الأميركي حضر لتأكيد دعم بلاده لأجهزة الأمن الرسمية، والوقوف عند قدرتها على الصمود، لأنّ إدارته باتت قلقة جداً من سيطرة حزب الله على لبنان، وكسر قواعد كانت حتى الأمس القريب، صلبة، مثل استيراد المحروقات من إيران.
تحرّكت الأجهزة الأمنيّة بعد اجتماع اليزرة لضرب التخزين والإحتكار بيد من حديد، والسبب هو أنّ الأسبوع الماضي كان يحمل بوادر فقدان الإستقرار بشكل كامل، لذلك تدخل الجيش، ولكن الجميع بات يعلم بأنّ حال الطوارئ لا يمكن أن تستمر، والحكومة أصبحت ضرورة.
لم يُعجب خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي تحدث فيه عن “قطعية” جلب البنزين والمازوت من ايران، السفيرة الأميركيّة، فتحركت بتوجيه من إدارتها باتجاه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وتُشير المصادر الى أن شيا حاولت الإستفسار من عون عن هذا الأمر، فكان الجواب واضحاً بأنّ حكومة لبنان لا تفكّر في استيراد المحروقات من طهران.
لا شكّ أن الرسائل المتبادلة بين حزب الله والأميركيين ارتفعت حدّتها، فكلما ازداد الضغط الإقتصادي على اللبنانيين كلما صعّد حزب الله، وما مسألة استيراد المازوت والبنزين من ايران سوى لجزء من هذه الرسائل، فالحزب يقول للأميركي بوضوح أنّ كل إجراءاته لن تحاصر اللبنانيين، وبالتالي ستأتي المحروقات من إيران حكماً، أما الخطوة الثانية فستُحدد بحسب التطورات.
إن هذا الواقع بات يدفع الأميركيين باتجاه الضغط لتشكيل الحكومة، وهو ما كان قاب قوسين أو أدنى نهار الإثنين الماضي، قبل أن تُطرح بعض العقبات الجديدة التي لن يكون حلّها صعباً بحال توافرت النوايا، وتُشير المصادر الى أنّ الحكومة إن كانت ستولد فستُبصر النور قبل نهاية الأسبوع او بداية الأسبوع المقبل على أبعد تقدير، كاشفة أن ميقاتي سينتظر 4 الى5 أيام قبل اتخاذه موقفاً مما يجري.
لا يتمسّك رئيس الجمهورية بحقيبة التربية، وبالتالي من السهل حصول اتفاق مع الحزب التقدمي الإشتراكي للحصول عليها بعد أن آلت حقيبة الشؤون الإجتماعية الى رئيس الجمهوريّة، وعقدة المردة حُلت بحصولها على وزارة الإتصالات. أما بالنسبة للأسماء فتؤكد المصادر أن كل الحلول ممكنة، ولن يُقفل الباب بوجه أيّ حلّ يتعلق بالأسماء، وبالتالي فإنّ كل الأمور مسهّلة لتشكيل الحكومة في أيّام قليلة.
ألامتارُ القليلة التي وَضعها الرئيسُ المكلّف تحوّلت إلى كيلومتراتٍ مُكّعبة قياساً على ارتفاعاتِ نجيب ميقاتي “وفشختِه” المديدة وبالمقاساتِ السياسية فإنَّ الارتفاعاتِ الشاهقة بينَ مبنى بلاتينوم وقصرِ بعبدا عَكست فراغاً في التأليف لن يَتّضحَ هواؤُه قبلَ يومِ الاثنين المقبل فزيارةُ “الدزينة” للقصر لم يُكتَبْ لها أن تَتِمَّ اليوم، واستُيعضَ عن قضاءِ حوائجِها بمراسيلَ على الخطّ حمَلها أنطوان شقير موفدًا من رئيسِ الجُمهورية إلى ميقاتي فاجتَمع به للتشاور فيما قالت معلوماتُ الجديد إنَّ شقير حملَ معه اقتراحاتٍ لتنقيحِ المُسَوّدة الوِزارية، ثُم غاب ثلاثَ ساعاتٍ قبل أن يعودَ للاجتماع بميقاتي عصرًا لم تُسفرْ رحلةُ ابنِ بطوطة الرئاسيّ عن إيجابيات لأنّ الرئيسَ المكلّف استشعرَ ثُلُثاً معطِّلاً كامناً بينَ المطالب بالأسماءِ والحقائب ليعودَ التأليفُ إلى ما دونَ الصِفر علمًا أنّ ميقاتي كان مستعداً لزيارةِ القصر وإعلانِ التشكيلةِ الليلةِ في حال وافق رئيسُ الجُمهوريةِ على السيرِ في اللائحةِ المُعدّة لكنّ التنقيبَ في التعديلاتِ الواردة أَظهرَ أنّ عون يريدُ كسبَ عشَرةِ وزراء، سواءٌ مواربةً أو مباشرةً أو بطلوعِ الروح ويكونُ رئيسُ الجُمهورية بذلك قد صادرَ خزّانَ ميقاتي الوزاريّ ووَضعَه في تصرّفِ المنشآتِ السياسية ومعامل جبران باسيل للتغذيةِ وإنتاجِ الطاقةِ السلبية لكنّ الأمرَ بالنسبةِ إلى بعبدا سهلُ التبرير إذ نفَت أوساطُ القصر أن يكونَ هناكَ أيُّ تدخّلٍ لرئيس التيارِ الوطنيِّ الحرّ في تأليفِ الحكومة وقالت إنّ زياراتِه المتكرّرةَ للقصرِ الجُمهوريّ هي زياراتٌ عادية وتقليديةٌ وروتينية والجميعَ يعرفُ ذلك وفي هذهِ النُقطةِ تحديدًا فقد صدَق القصرُ لأنّ باسيل يتدخّلُ بشكلٍ عاديّ ويُقلّبُ الحقائبَ والأسماءَ بشكلٍ تقليديّ منذ نعومةِ أظفارِه السياسية ويُطيحُ الرؤساءَ المكلّفينَ بطريقة رويتينةٍ والجميعُ يعرفُ ذلك أما زياراتهُ المتكرّرة لبعبدا فهذا بيتُه ومطرحُه ولأنّ رئيسَ الجُمهورية قد أطلقَ الدعوةَ اليومَ إلى زراعةٍ تشكّلُ العمودَ الفقْريَّ للاقتصادِ المنتج فقد طَبّق هذا المفهومَ على عائلتِه وزَرعَ لجبران قصرًا في الرئاسة وأنتجَ مِن خلالِه عمودًا فِقْريًا كَسَرَ ظهرَ الدولة وكلُّ الوعودِ تتحقّقُ بما فيها أنّ لبنانَ قد أصبحَ دولةً نِفطيةً ويُمكنُه مِن اليومَ إجراءُ عملياتِ اكتتابٍ إلى مُنظمةِ الدولِ المُصدِّرةِ للنِفط أوبك لإعلامِها بحجمِ فائضِ البنزين والمازوت والذّهبِ الأسودِ الذي طاف في كلِّ مِنطقةٍ وحيٍّ ودَسكرةٍ بفعلِ عملياتِ الدهمِ الأمنيةِ التي تتسابقُ عليها الأجهزةُ العسكريةُ والأمنية وبات اللبنانيون عائمين على بحرٍ نِفطيٍّ من دونِ أن يتمتّعوا بنِعَمِ المادةِ لأنّ المحروقاتِ المصادرةَ يملِكُها تجارٌ وسياسيون مدعومون بأموالِ المودِعين ومنَ المصرِفِ المركزيّ ولا غرابةَ إذا وَجدتَ وزيرًا للثقافةِ والزراعة يُدعى عباس مرتضى يخزّنُ معَ شقيقِه المحروقاتِ في البقاع فيما أهلُ مِنطقتِه محرومونَ رائحةَ النِفط وعلى أرضِ الوطن المحروس “رح نتزفت يومًا ما” وسندخلُ جهنّمَ بطريقٍ عسكرية وبصيانةٍ يتولّى تأهيلَها مجلسُ الإنماءِ والإعمار ذو الصيتِ الذي يُشبهُ الزفت تلزيماتٌ لصيانةِ الطرقات بنحوِ مِئتي مِليونِ فريش عبرَ هذا المجلس والمتعهدونَ لأشغالِ الدولةِ هم أنفسُهم لا تبدّلُهمُ العهود ومن هنا نبدأ حيثُ العمودُ الفِقْريُّ للدولةِ وجسرُه المخسوف نصونُ الطرقاتِ بدولاراتٍ موزّعةٍ على أزلامٍ ومحاسيب “ولا يعتب حدا ولا يزعل حدا” حيث “التلت الضامن” موجود ليس فقط في الحكومة إنما يعربش على الشوارع وجسورِها لسيتقرَّ على أكتافِ المتعهدين الصامدين ولو انهارتِ الناس.
صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهوريّة البيان الآتي:
تتداول وسائل الاعلام المكتوبة والمرئيّة والمسموعة معلومات مغلوطة حول مسار تشكيل الحكومة الجديدة. توضيحاً للواقع وتسهيلاً لتأليف الحكومة، يهمّ مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية التأكيد على النقاط الآتية:
– أولاً: انّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون التزم طوال اللقاءات التي عقدها مع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، النقاط التي تمّ الاتفاق عليها منذ اللقاء الأول، والتي كان متفقاً عليها مع الجميع سابقاً كأساس لتشكيل الحكومة، لا سيّما المعايير الواجب اعتمادها في توزيع الحقائب الوزاريّة على الطوائف والكتل بعدالة ومساواة وفق ما تقتضيه مصلحة لبنان واللبنانييّن وما يفرضه الدستور والميثاق.
– ثانياً: لم يرد يوماً في حساب الرئيس عون المطالبة بالثلث المعطّل، والرئيس المكلّف يدرك هذا الامر من واقع واوراق المحادثات بينهما، وبالتالي فإنّ كلّ ما قيل عن طلب رئيس الجمهوريّة تسعة او عشرة وزراء عارٍ من الصحة جملةً وتفصيلاً ولا اساس له، بل اختلقه البعض للتشويش على الاتصالات القائمة بين الرئيسين عون وميقاتي في سبيل تشكيل الحكومة، وذلك تحقيقاً لغايات لدى البعض لمنع ولادتها.
– ثالثاً: لم يقدّم الرئيس عون الى الرئيس المكلّف أيّ اسم حزبيّ لتوليّ حقيبة وزاريّة او اكثر، وكل الأسماء التي عرضها تتمتّع بالخبرة والكفاءة والاختصاص المناسب للوزارات المرشحّة لها. واستطراداً فإنّ استبدال هذه الأسماء بأسماء أخرى لا مبرّر له طالما انّ المواصفات المتفّق عليها متوافرة، الّا انّ الرئيس كان إيجابيّاً ولا يزال وهو يدرك انّه من حق رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المكلّف إعطاء ملاحظات على أيّ اسم يرد منهما او من أيّ من الكتل المشاركة، وصولاً الى الاعتراض عليها، وهو والرئيس المكلّف يتعاطيان بانفتاح كامل مع هذا الامر.
– رابعاً: واجه الرئيس المكلّف مطالب من افرقاء آخرين كانت تتزايد وتتبدّل يوماً بعد يوم، ما انعكس تأخيراً في الاتفاق على اصدار التشكيلة الحكومية، لأن أيّ تعديل في حقيبة كان يستوجب إعادة النظر في حقائب أخرى. وهذا الامر لا يزال قائماً ومتكرراً على امل التمكّن من تذليله بتعاون الرئيسين.
– خامساً: حيال ما صدر اليوم من تصريحات وتحليلات تعمّدت تشويه مواقف رئيس الجمهوريّة، ثمّة خشية مبرّرة بأن يكون الهدف ممّا يصدر، الدفع بالرئيس المكلّف الى الاعتذار، وهو ما لا يريده الرئيس عون، او التمهيد لذلك، بغية إبقاء البلاد من دون حكومة في هذه الظروف الصعبة والدقيقة التي يجتازها لبنان.
– سادساً: انّ رئيس الجمهورية مصمّم على الاستمرار في التعاطي بانفتاح وتعاون وإيجابيّة مع الرئيس المكلّف، لتأمين ولادة حكومة يرضى عنها اللبنانيّون وتلاقي دعم المجتمع الدولي، وهو قدّم ويقدّم لدولة الرئيس ميقاتي كلّ التسهيلات اللازمة من دون التوقّف عند حقيبة او اسم، طالما تنازل منذ البدء عن الثلث الضامن وغيره، إدراكاً منه لعمل عدّة قوى على منع تأليف الحكومة وتصميمها على اخذ البلد باتجاه الفوضى، تحقيقاً لغاياتها السياسيّة.