بالأمس حاول شبان وشابات اقتحام المجلس النيابي اللبناني. الشبان غالبيتهم من طرابلس، والشابات غالبيتهم من سكان العاصمة. لا بأس بذلك، فبيروت عاصمة البلد الذي يحملون جنسيته. وأول من أمس أقدم شبان معظمهم من الضاحية الجنوبية، وشابات غالبيتهم من سكان العاصمة بيروت على تحطيم زجاج المصارف في شارع الحمرا. وشارع الحمرا هو عصب تجاري في عاصمة البلد الذي يحملون هويته.
القسمة عادلة هنا، والثورة تتسع لغضبين وأكثر. ومن هالهم تحطيم واجهات مصارف الحمرا ولم تهلهم محاولات العبث بأمن الـ”داون تاون”، صفقوا بالأمس لفتية طرابلس، فيما راحوا أول من أمس يبحثون عن وجه لحزب الله في مشهد الفتية على أبواب المصارف. أما من فعلوا العكس، فقد وجدوا بالأمس ضالتهم في لهجات الشبان الشماليين. ووحدهم شابات الثورة من جعلوا المشهد في الحمرا وفي ساحات الوسط التجاري مشهداً واحداً.
شارع الحمرا الذي كان قد أمسك فيه حزب الله بعد واقعة 7 أيار 2008، من ألفه إلى يائه، وسلمه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، هذا الشارع، عاد أول من أمس هدفاً لفتية الضاحية. استيقظ الفتية فجأة على حقيقة أن المصارف هي من يمسك بالشارع، وليس الحزب السوري القومي الاجتماعي.
السلطة العميقة للمصرف، وليست لحرس مركز الحزب في شارع عبد العزيز الموازي. حاكم مصرف لبنان العزيز على قلب سعد الحريري هو الحاكم الفعلي لشارع الحمرا. هو من يمنع الناس من الوصول إلى ودائعها ومدخراتها. وعلى العكس من ذلك تماماً، الـ”داون تاون” ليس لآل الحريري ولا لـ”سوليدير”. الـ”داون تاون” لحرس مجلس النواب، ولنبيه بري الذي اشترى رجال أعمال مقربون منه عشرات الأبنية فيه. السلطة في الحمرا للحريري وللمصارف ولرياض سلامة وليست للحزب السوري القومي الاجتماعي. والسلطة في الوسط التجاري لحركة أمل وليست لسوليدير. المواجهة كشفت هذه الحقيقة، وكشفت أيضاً أن السلطة واحدة هنا وهناك، وأن المقاومة ليست أكثر من قناع للمصرف، وأن الأخير تولى تمويل دولتها من جيوبنا، بعد أن نضبت جيوب الدول التي كانت تمولها.
فتية طرابلس كانوا بالأمس أيضاً يواجهون عدواً مذهبياً أيضاً. لحظة نادرة لـ”الطائفة الطبقة”. يجب عدم الخجل من ذلك. الطوائف الطبقات هنا وهناك، والفتية الفقراء هنا وهناك. يجب أن نشهر ذلك في وجه الخائفين على الثورة من فقرائها. فحين يستهدف فتية عدواً مذهبياً لهم في حربٍ يختلط فيها الطائفي بالـ”طبقي”، فإن في ذلك فرصة على قدر ما فيه من خطرٍ. علماً أن الخطر سابق على الواقعة وعلى المشهد، فيما الفرصة تتمثل في الدرس الذي يجب أن يتلقنه المصرف وأهل السلطة والحزب.
الحساسية المفرطة حيال مشهد فتية الطوائف يحطمون مصرفاً أو يستهدفون البرلمان، يجب أن تُوجه نحو السلطة الوقحة للمصرف وللبرلمان. ويجب أن يُشهر في وجهها إصبعاً يشبه اصبع حسن نصرالله حين يشهره الأخير في وجه خصومه في “14 آذار”.
ما قيمة هذه الحساسية في لحظة كهذه.!
جبران باسيل يريد الثلث المعطل في حكومة ما بعد الثورة، وسليمان فرنجية يريد وزيرين فيها، وطلال أرسلان يريد وزيراً، فيما أرسل وليد جنبلاط اسم وزيره إلى جميل السيد الذي يلعب دوراً كبيراً في تشكيل الحكومة. في لحظة كهذه تستيقظ فينا مخاوف من الفتية الغاضبون، ونغرق في تساؤلات حول من يقف وراء العنف الذي يمارسونه على شرطة المجلس وعلى سلطة المصرف!
إنهم المشاغبون بحسب ما وصفتهم الـ”أل بي سي” التي تعتاش من إعلانات المصارف، وهم “موتورون” بحسب تلفزيون المنار الذي يملكه حزب الله، وهم مجموعات الشغب بحسب “أم تي في” التي تسعى لأن تكون تلفزيون المسيحيين الأول. ونحن اذ حُرمنا من أن نستمع إلى ما كان تلفزيون المستقبل سيجتهد في وصفهم، بسبب اقفاله، جاد علينا صاحب التلفزيون رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بتغريدة عوضت علينا ما خلفه تلفزيونه من فراغ معرفي حيال التظاهرة، وصف المتظاهرين بها بـ”المرتزقة”.
لا بأس أيها الخائفون، لقد ارتكبت السلطة صغيرتها قبل أن يقدم أحداً على تحطيم واجهة المصرف، وقبل أن يأتي فتية طرابلس إلى العاصمة. لقد سطت السلطة على مستقبل هؤلاء الفتية. عليكم أن تتمعنوا في الوجوه قبل أن تطلقوا مخاوفكم نحوها. وعليكم أيضاً أن تصغوا إلى نشرتي أخبار الـ”إم تي في” والمنار، وأن تلاحظوا أن الشقاق الذي كان يصيب خطاب السلطة بدأ يلتئم في لغة واحدة.
ويختتم الامين قوله :لطالما صنع الظلم إرهاباً وعنفاً، والمسارعة لمواجهة العنف والإرهاب، وغض النظر عن ظلامة تقف وراءهما، ينطوي أيضاً على احتمالات قبول بالظلم، وتثبيت لوجه الظالم بصفته خياراً وحيداً. أليس هذا ما يدفع العالم للقبول ببشار الأسد؟”