تناولت صحف عربية تأخُّر تشكيل الحكومة اللبنانية وأعمال العنف التي شهدتها البلاد مؤخرا بين قوات الأمن والمتظاهرين.
وحسب البي بي سي :كانت أعمال العنف قد أدت إلى إصابة عشرات المتظاهرين واعتقال آخرين. ولا يزال رئيس الوزراء المكلف حسان دياب يواصل مشاورات تشكيل حكومته.
وكان رئيس الوزراء سعد الحريري قد تقدّم باستقالته نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي على خلفية التظاهرات الجارية في البلاد.
“إشعال برميل بارود في حقل ألغام”
تحت عنوان “لماذا تصعّد العنف قبل تشكيل الحكومة؟” تتناول القدس العربي اللندنية في افتتاحيتها النتائج التي قد تنجم عن أعمال العنف التي مارستها قوات الأمن اللبنانية ضد المتظاهرين، حيث تقول: “باستخدام هذه الأشكال من العنف المباشر وغير المباشر تحاول المنظومة الحاكمة دفع المنتفضين عليها إلى العنف الذي يبرر عنفها المقابل بحيث تصبح الانتفاضة قابلة للإجهاض فتنتقل الحكومة الجديدة المشكّلة من الدفاع إلى الهجوم”.
وتضيف الصحيفة: “مع تراكم الضغط على اللبنانيين المنتفضين تصبح المسؤوليات السياسية الواقعة عليها كبيرة، وستدفعها إلى تنظيم صفوفها وتُخرجها بدورها من العنف المفروض عليها إلى السياسة الواجب اتباعها، وهذا هو ما سيحدد مسار الانتفاضة اللبنانية وقدرتها على البقاء وتغيير توازن القوى لصالحها”.
وتحت عنوان “مطلوب سوبرمان للدبلوماسية اللبنانية”، يقول سام منسي في الشرق الأوسط اللندنية “إذا قُدّر لهذه الحكومة أن تُولد، سيكون لونها السياسي الواحد فاقعاً لدرجة استحالة إخفائه على أحد، حكومة تنطق بلغة محور إيران-سوريا دون مواربة. فكيف لهكذا حكومة أن تكون مستقلة أولاً كما يطالب الحراك الشعبي، وإنقاذيّة ثانياً عندما تلبس ثوب الطرف الذي يرفع راية المواجهة المفتوحة مع العالمين العربي والغربي؟ وكيف لها أن تنجح مع إعلان أمين عام حزب الله أن معركة الحزب المقبلة، كما معركة المحور الذي ينتمي إليه، هي اقتلاع الوجود الأمريكي من المنطقة؟ وكيف لها أن تنجح في ظل الانعكاسات السلبية لإمساك حزب الله بزمام القرار السياسي على علاقاته مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية؟”
ويختتم الكاتب بالقول: “أعان الله الشخصية التي ستتولى وزارة الخارجية في الحكومة العتيدة، فالمطلوب منه قدرات خارقة تجعله أقرب إلى سوبرمان منه إلى بني البشر!”
وتعليقا على استخدام العنف ضد المتظاهرين، يقول أحمد عبد العزيز الجارالله في السياسة الكويتية “لا شك أن هذا أمر ينطوي على مخاطر كبيرة، فهو أشبه بإشعال فتيل برميل بارود في حقل ألغام زرعته ولا تزال منذ 30 عاما طبقة سياسية وقحة بالفساد والهدر والنهب والاستهتار بالإرادة الشعبية، والاحتيال السياسي والتجويع”.
ويضيف الجارالله “لقد فشلت طوال الفترة الماضية محاولات القمع المستتر التي مارسها حزب الله، سعيا إلى إجهاض الانتفاضة عبر حرفها عن مسارها وإدخالها نفق الفتنة الطائفية، ودفعه بمناصريه إلى مهاجمة المحتجين”.
“تشكيل الحكومة عاد إلى المربّع الأوّل”
وعن أسباب تأخر دياب في الإعلان عن حكومته، يقول هيثم الموسوي في الأخبار اللبنانية “يبدو أن المشكلة الرئيسية تكمن في تحالف فريق 8 آذار ــ التيار الوطني الحر. لا أحد يدري كيف يمكن لهؤلاء الانفصال عن الأحداث التي تجري منذ 17 تشرين وما زالت. أهو تجاهل متعمد أم ينمّ عن سذاجة وانعدام تام للمسؤولية؟ ماذا ينتظر هذا الفريق بعد حتى يدرك أن حالة الطوارئ المستمرة في البلد لم تعد تحتمل التلاعب بمصيره من أجل وزارة من هنا وحصة إضافية من هناك؟”
ويتهم الموسوى الحريري بالمسؤولية عن أعمال العنف التي نشبت مؤخرا، حيث يقول “يدعو رئيس الجمهورية إلى اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا، فيرفض الحريري، وهو نائب رئيس المجلس الأعلى تلبية الدعوة، مما يحول دون عقده. تبرّر مصادره هذا التصرف بأن الأزمة اليوم بحاجة إلى حل سياسي لا أمني، بينما هو شخصياً يسهم في عرقلة كل الحلول وتحريض الأجهزة الأمنية التي لا تزال تأتمر بأوامره، بوصفه المتظاهرين بالمرتزقة والمندسين واختراع غزوات مذهبية، لتبرير لجوء الأجهزة الأمنية إلى القمع”.
كما يقول جوني منير في الجمهورية اللبنانية إن “مهمة حكومة حسان دياب لن تكون سهلة. فالشارع لم يتقبّل مسبقاً طريقة تركيبها، والتي حصلت على أساس المصالحة وتوزير وكلاء عن الرموز السياسية التي أسقطها الشارع في الحكومة السابقة. لذلك ينظر إليها الجميع على أنها حكومة انتقالية، وإنّ قدرة صمودها ترتكز على تجاوب الأوروبيين معها وفتح أبواب التعاون الاقتصادي”.
ويضيف منير: “ولكن لهذا الأمر شروطه، أوّلها وضع أنانية القوى السياسية جانباً والاعتراف بأنّ لبنان دخل حقبة جديدة منذ 17 تشرين الأول، وأنّ الذهنية السابقة يجب أن تذهب إلى غير رجعة، لا قولاً فقط بل فعلاً أيضاً. لكن الجديد أنّ تشكيل الحكومة عاد إلى المربّع الأوّل”.
المتظاهرون يشتكون من شدة تأثير قنابل الغاز المسيل للدموع
يشتكي المتظاهرون في لبنان من القنابل المسيلة للدموع المستخدمة في المظاهرات الأخيرة قائلين إنها “أقوى وأكثر تأثيراً” من تلك التي كانت تستخدم خلال مظاهرات عام 2015، التي اندلعت إثر مشكلة تراكم النفايات في الشوارع.
وتناقل المتظاهرون صوراً لما تبقى من عبوات القنابل فيما بينهم محاولين معرفة ما تغيّر.
وتحدّث البعض عن استخدام نوعين من هذه القنابل على مدى الشهرين الأخيرين، بحسب التأثيرات التي لاحظوها.
وقال بعضهم إنّ القنابل منتهية الصلاحية، بسبب الأرقام المدوّنة على العبوات، ممّا اعتبروه تفسيراً لحدّتها وتأثيرها عليهم.
استطعنا الحصول على عدد من تلك العبوات التي استخدمت بتواريخ مختلفة خلال الشهرين الأخيرين.
ولاحظنا أنها، بالفعل، تنقسم إلى نوعين. إلا أنها لا تحتوي على أي تاريخ انتهاء صلاحية، خلافاً لاعتقاد المتظاهرين.
صناعة فرنسية
استخدمت قوات الأمن اللبنانية قنابل مسيلة للدموع فرنسية من صناعة شركة “SAE Alsetex” المثيرة للجدل لتفريق المظاهرات السلمية في بيروت.
النوع الأول هو قنابل G1، التي يبلغ قطرها 56 مليمتر ووزنها 350 غراما وبتركيز 10 في المئة من غاز “سي اس” المسؤول عن تسييل الدموع والصعوبات التنفسية.
والنوع الثاني CM6، التي يبلغ قطر النوع الأول منها 56 مليمتر ووزنها 250 غراما وبتركيز 10 في المئة من غاز “سي اس”. أمّا النوع الثاني منها فيبلغ قطره 40 مليمتر ولكن بتركيز 13 في المئة من غاز “سي اس”. ومن الممكن أن تكون قوات الأمن قد استخدمت الحجمين خلال المظاهرات.
كما لاحظنا وجود لونين من قنابل CM6: الأول هو الأحمر وهو اللون الذي كان يستخدم قبل سنوات في تصنيع هذا النوع من القنابل، قبل أن يعتمد اللون الأزرق السماوي في النسخ الجديدة من القنابل. واستخدمت النسختان في مظاهرات لبنان الأخيرة.
ومن المرجّح أن تكون هذه القنابل المسيلة للدموع جزءا من المساعدات التي تقدّمها فرنسا لقوى الأمن الداخلي.
واشتكى متظاهرو السترات الصفراء في فرنسا من العبوات نفسها التي تستخدم في لبنان ومن الشركة الفرنسية نفسها. إذ اعتبروا أنّه يوجد “شيء غريب” فيها مؤكدين أنها أقوى من غيرها.
واستطعنا الحصول على عبوات قنابل مسيلة للدموع استخدمت في مظاهرات عام 2015، تبدو وكأنها تتطابق مع أجزاء أخرى من قنابل المسيلة للدموع التي تستخدم الآن. إلا أنّ أجزاء منها لم تنفجر وتفرغ محتواها، ممّا يرجّح وجود خلل ما فيها.
مسيل دموع استخدمته قوات الامن اللبنانية في 2015
أكد مصدر في قوى الأمن الداخلي لـ”بي بي سي”، فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ “القنابل المسيّلة للدموع المستخدمة حالياً ليست منتهية الصلاحية أبداً”، مضيفاً أنّ “القنابل مصنوعة في فرنسا وتستخدم في دول متقدمة وأوروبية تخاف على شعبها”. قبل أن يوضح: “ونحن أيضاً طبعاً، إذ نستخدمها نخاف على شعبنا وناسنا”.
وأبلغنا مكتب وزيرة الداخلية، ريا الحسن، عند اتصالنا به لمقابلتها بأنّ الوزيرة لا تفضّل في الوقت الراهن إجراء أي تصريحات أو مقابلات صحافية.
وكانت الحسن دعت والتقت أمس وفداً من منظمة “هيومن رايتس ووتش” والمنسق العام للأمم المتحدة في لبنان والسفير الفرنسي والسفير البريطاني “لتفسير حقيقة ما حصل في الأيام الأخيرة” بحسب تغريدات نشرتها على حسابها الخاص على تويتر.
سلاح كيماوي ممنوع في الحروب
يستخدم الغاز المسيل للدموع الذي طوّره الفرنسيون قرابة الحرب العالمية الأولى وسرعان ما نسخته دول أخرى أبرزها الولايات المتحدة وألمانيا، في عدد من البلدان حول العالم لتفريق المظاهرات. إلا أنّه لا يستخدم من قبل جميع البلدان بسبب اشكاليات عديدة حوله
من أبرز تلك الاشكاليات أنه نوع من أنواع الأسلحة الكيماوية المُحظور استخدامها دولياً، حتى في الحروب، بحسب اتفاقية جنيف بشأن الأسلحة الكيمياوية التي وقعت في عام 1993.
وهو لذلك سلاح كيمياوي طور للتسبب في تعذيب جسدي ونفسي لمستنشقه، وممنوع استخدامه في الحرب، ولكن يسمح للشرطة باستخدامه في مواجهة المدنيين. وهو يسوق وكأنه سلاح “أقل فتكاً” وآمن للاستخدام.
إلا أنّ القنابل المسيلة للدموع قتلت آلاف الأشخاص حول العالم. إذ يمكن لهذه القنابل التسبّب في الوفاة إذا أصابت المتظاهرين بشكل مباشر وتتسبب حتماً في إصابة بليغة أو في عطب دائم.
كما لا يفرّق استخدام المسيل للدموع على الجموع بين الأطفال والمسنين والنساء الحوامل والذين يعانون من أمراض تنفسية كالربو أو من يعاني من قصور في القلب أو الرئتين.
ممّا يجعل اعتباره “أقل فتكاً” غير دقيق.
وانتشرت صور المتظاهرين العراقيين الذين قتلوا خلال الأشهر الماضية في الاحتجاجات بعد اختراق قنابل مسيلة للدموع لجماجمهم. ويعود ذلك لاستهداف قوات الأمن للمتظاهرين بشكل مباشر وعن مسافة قريبة.
استخدمت في البحرين
استخدمت القنابل المسيلة للدموع التي تستخدم حالياً في لبنان وفرنسا، لفضّ المظاهرات التي اندلعت في عام 2011 في البحرين. وتسببت هذه القنابل في عشرات الوفيات والإصابات البليغة بسبب سوء وكثرة استخدام قوات الأمن البحرينية لها.
وتحدثت الصحف والمواقع العالمية عن “حرب مسيل دموع قاتلة” تستخدمها السلطات البحرينية ضد المتظاهرين.
استدعى هذا بدء النشطاء البحرينيين حملات للضغط على الدول المصدرة لهذه القنابل للتوقف عن بيعها للسلطات البحرينية. وكانت فرنسا من بين أبرز الدول التي استهدفتها الحملة.
ونجحت حملة #StopTheShipment بوقف تصدير القنابل المسيلة للدموع من كوريا الجنوبية إلى البحرين في عام 2014.
ومنذ انطلاق الربيع العربي ومظاهرات “احتلوا وول ستريت” في عام 2011، شهدت الشركات المصنعة للقنابل المسيلة للدموع ارتفاعأً هائلاً في الطلب.
وتعتبر فرنسا والولايات المتحدة ومصر والبحرين وتركيا وكندا من أبرز الدول التي تستخدم مسيل الدموع في مواجهة المدنيين. بينما تستخدم الشرطة في بلدان أخرى رذاذ الفلفل.
استخدام مفرط للقوة
دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى لبنان الاثنين إلى التحقيق فيما وصف بأنه استخدام “مفرط للقوة” ضدّ المتظاهرين، بعد تحول احتجاجات سلمية، في أغلبها، إلى عنف في نهاية الأسبوع الماضي.
وكان خبراء من الأمم المتّحدة ندّدوا نهاية الشهر الماضي باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
ورأى الخبراء أنّ “الإجراءات التي اتّخذتها السلطات تثير الكثير من القلق وعلى مستويات مختلفة”، مشيرين إلى أنّ قوّات الأمن استخدمت “كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين”.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إنّ “قوات الأمن اللبنانية استخدمت القوة المفرطة وغير الضرورية ضدّ متظاهرين في وسط بيروت”.
وأشارت إلى أن شرطة مكافحة الشغب التابعة لقوى الأمن الداخلي “أطلقت شرطة الغاز المسيل للدموع على آلاف المتظاهرين السلميين إلى حدّ كبير، ومنهم أطفال، وسط بيروت. كما أطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين الفارين”.