أزمة الهُوية في مجتمع يتأرجح بين الحداثة والتمسك بالجذور..
تعتبر رواية «ثلج» للكاتب التركي أورهان باموك من أكثر رواياته جرأة وإثارة للجدل، فالثلج الأبيض النقيّ الذي يغطي المدينة التي تدور فيها أحداث الرواية كان يخفي تحته تراكمات من البؤس والفقر والانقسامات السياسية.
تصور الرواية الصراع القائم منذ منتصف السبعينات بين القوميين الأتراك من جهة والمحافظين من جهة أخرى، طارحاً تساؤلات حول الهوية الحقيقية للمجتمع التركي الذي قسم ما بين علمانيين وجدوا في الغرب مثلاً أعلى لهم، وما بين مجتمعات إسلامية عاشت تجارب التحديث القسري.
وما بين طرفين يعتقد كل منهما أنه يحتكر الحقيقة، تدور أحداث الرواية التي تحكي قصة شاعر نُفي لمدة 12 عاماً إلى ألمانيا، ثم عاد إلى تركيا وكُلف من قِبل جريدة «الجمهورية» في إسطنبول بمهمة صحفية لتغطية قضية انتحار الفتيات التي ازدادت بشكل ملحوظ في مدينة قارص التركية.
تعتبر رواية «ثلج» واحدةً من أكثر روايات باموك مبيعاً، وقد حاز على جائزة نوبل للآداب بعد أن تمت ترجمتها للغة الإنجليزية.
أينَ اختفى محمد عابد الجابري؟
لم يكن محمد عابد الجابري مفكّراً عادياً، ولم يكن كاتب رأي أو مؤلفاً لمجموعة من كتب الفلسفة، بل كان في نظر الكثيرين مدرسة فكرية قائمة بذاتها، ومختلفة عن غيرها من تيارات الفكر السائدة في العالم العربي. لقد حفر الجابري اسمه في ذاكرة الحقيقة كثائر فلسفي حقيقي رفضَ بشدة كل القوالب الموروثة عن منظومة التفكير التقليدية، التي رسّخت لعقود وربما لقرون متعاقبة فكرة النقل المتواتر، وأقصت العقل من كل أدواره الحيوية في الخلق والتجديد والسؤال.
بعد رحلة طويلة امتدت لأكثر من 30 سنة، وأثمرت أكثر من 30 مؤلفاً مرجعياً في الفلسفة والتراث والفكر الإسلامي، كان الجابري على موعد مع الرحيل أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2010. غاب الجابري يومها وبقيت أسئلته المؤرقة حاضرة في فضاء النقاش العام والخاص، على حدّ سواء.
واليوم، بعد تسع سنوات مرّت على هذا الرحيل الكبير، بعد تسع سنوات عاشها عالمنا العربي بظروفها العاصفة سياسياً واجتماعياً، وبمعطياتها المريرة، نتساءل بحرقة: هل ما يزال العقل العربي محتاجاً إلى الإصلاح، أم أن الهدم بات شرطاً مسبقاً لإعادة البناء؟ وهل لا يزال الحديث عن العقل العربي ككتلة واحدة ممكناً أصلاً، وسط فوضى المفاهيم، وفي ظل كل هذه الانتماءات الطائفية والعرقية التي استيقظت فجأة في قلب عالم عربي تبعثره النَّزَعات والنزاعات؟ هل غاب العقل والنقل معاً، وحضرت العاطفة بمعناها التاريخي؟ ووسط كل هذا الجزر المعرفي الحاد ببلداننا، ومع صعود موجات التطرف والانغلاق التي باتت تحاصر حتى النّوايا: تُرَى أين اختفى تراث محمد عابد الجابري، ولِمَ غابت عنّا أفكاره الحيّة؟
لقد دعا الجابري كثيراً إلى إعادة قراءة التراث على نحو حيادي متبصّر لا تحضر فيه العاطفة كعنصر مشوّه للحقيقة، ولا يعني الحياد هُنا أن ننفصل عن وجودنا وكينونتنا الاجتماعية والوجدانية في علاقتنا الجدلية مع تراث الأسلاف، كما لا تعني إعادة القراءة أن نقع في قطيعة مع التاريخ، بل لعلها فرصة لبعث صلة الوصل من جديد بيننا وبين معطيات التاريخ التي نحن جزء من سياقها المتصل، فالعقل العربي، كما يرى الجابري، عقلٌ ماضوي يحن للأصول بوعي… ويحن إليها من دون وعي.
إنَّ الدعوة لإعادة القراءة والفهم تقتضي أن تخرج مجتمعاتنا من سجن التقليد، وهو مسار يقتضي من الفكر العربي أن يغادر خانة «العقل المستقيل» التي جعلته منفصلاً عن اللحظة المعرفية، وعن سؤال الراهن وقضايا العصر والحضارة، إنها دعوة من الجابري لإعادة الإحساس بوجودنا وسط عالم متسارع التحولات… وهي في الوقت نفسه دعوة لمراجعة تلك المتون التراثية التي تسكنها الخرافة، وتجعل من قرّائها مريدين لا باحثين أحراراً عن الحقيقة. إنَّ المصالحة التي يدعو لها البعض لا ينبغي أن تكون مع التراث، لأن ذلك يعني التطبيع مع مكامن الخلل فيه، لكن المصالحة مطلوبة دائماً مع التاريخ الذي نرتبط به في كل الأحوال، وعلينا قراءة أحداثه بموضوعية تنسجم مع رغبتنا في التحرر من قيود الانغلاق والتخلف وعبادة الأساطير النصّيّة… تلك الأساطير القاتلة التي أجرمت في حق عقولنا.
لم يكن الجابري يخفي توجّسه من معطيات المستقبل، لا سيما تلك التي تتعلق بمستقبل الدولة العربية وما يتهددها من أخطار يرجع معظمها إلى أزمة الخطاب السياسي في ظل منظومة مؤسساتية تعيد اجترار نفس الأنساق التقليدية، وتغلفها بقوالب مستحدثة لا حداثية.
ناقش الجابري، في هذا الصدد، مفهوم «العصبية»، مستحضراً منظور ابن خلدون، غير أنه كان أكثر تفاؤلاً إزاء قدرة الدولة في العالم العربي على التخلص من وهم العصبية الدينية كعنصر وحيد للجمع والوحدة… فالاتحاد لا تحدده العصبية فقط، بل هو ممكن أيضاً في إطار تعاقدي مدني حديث يضمن حريات الأفراد، ويتيح للمختلفين حقهم في الشعور بوجودهم المختلف وسط الجماعة. يمكن كذلك للدولة في العالم العربي أن تقوي من وجودها بشرعية العدالة والقيم الحديثة القائمة على مبادئ الحرية والتعايش وآليات الحوار والتبادل. نستحضر كل هذه الأفكار في أدبيات الجابري، ونحن نرى اليوم جيلاً جديداً من العصبيات الفئوية تنهش أجساد قسم كبير من الدول العربية، وتسعى لإقامة دويلات داخل الدولة الواحدة. لم يتغير المنطق كثيراً، فالعصبية لا تزال هي المحرك الأساسي لمشروعات هذه الدّويلات. نرى اليوم كيف تبسط سلطة الميليشيات الطائفية سيطرتها على دول بكاملها في العالم العربي، لقد اعتقلت هذه الميلشيات مفهوم المواطنة، وأنهت عمل المؤسسات، وأعادت عدداً من بلداننا إلى مرحلة «ما قبل الدولة»، يحدثُ كل ذلك نتيجة لاستغلال هذا النوع من «العصبية» البراغماتية في سياقات سياسوية ضيقة تعتاش على الأمراض الطائفية، وتجعل من مسألة الولاء للخارج وأجنداته وجهة نظر تُحترم!
من هنا تكمن خطورة الأدوات التقليدية التي أهملت الدولة العربية مسار تطويرها، وأهملت معها وظيفة التجديد. إنّ أهم ما يمكننا أن نقف عنده اليوم في أدبيات الجابري هو الحاجة الملحة للنقد، فهو السبيل الوحيد لإعادة بعث الحياة في قلب مجتمعات عربية أنهكها الجمود، والنقد هنا يشبه عملية رياضية منطقية تستند في حيثياتها إلى قاعدة اشتغال نفعيّة تقبل العناصر الإيجابية، حتى وإن كانت وليدة الماضي، وتلفظ في الوقت نفسه كل الشوائب التي حملتها أمواج النّقل، وعلقت بذاكرتنا الجماعية، بل وتحكمت في محرّك الوعي وعطلته عن العمل.
إن العالم العربي هو أحوج ما يكون اليوم إلى خطاب العقل الشفاف الذي لا ينتمي إلا لذاته الواعية، ولا يصبو سوى للحقيقة الصافية دون تشويه ودون خرافة… «نحن لا نمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرر من كل ما هو ميّت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي»، قال الجابري ذلك قبل سنوات عديدة، فما الذي سنقوله نحن اليوم.
– كاتب وشاعر من المغرب
أسئلة الشعر على هامش مهرجان الشارقة
والحقيقة إنَّ مثل مهرجانات كهذه تمنح، فضلاً عن اللقاءات مع الأحبة، ومتابعة ما استجد من مشروعات، فإنَّها تمنح فرصة للتأمل في جوهر الشعر نفسه، وهل يستحق الشعر أنْ تُخصص له الدول جزءاً من ميزانياتها للصرف عليه، حاله حال بناء المستشفيات، وتبليط الشوارع، وبناء البيوت؟ فهل الشعر حين تصرف عليه الدول سيأتي بنتيجة تخدم الناس؟ أو تضيف لهم شيئاً مهماً قد افتقدوه؟ في الشارقة التي كنَّا ضيوفها مثلما يوجد مستشفى لعلاج الناس، توجد هناك دائرة حكومية اسمها «بيت الشعر» يترأسها الشاعر محمد البريكي، وهذا البيت فرَّخ بيوتاً في عدد من العواصم العربية، كمراكش والقيروان والأقصر والخرطوم ومقديشو، تهتم كلها بالشأن الشعري فقط، ولها موظفون يديرون هذا الشأن.
فهل نعدُّ الشعر وإدارته ضمن المشروعات الخدمية؟ أو ما يُشبه المنتخبات الرياضية؟ والجدوى من الصرف عليها لإمتاع الناس، ومن ثم تكون مشروعات تجارية تدر الأموال، ولكن هل نجد شعراء محترفين تشتريهم الدول، وتُغدق عليهم كاللاعب المحترف؟ لا أظن أنَّ هذه المقاربة ناجحة.
ولكن بقي هذا السؤال (جدوى الشعر) والاهتمام به يدور في ذهني، وأنا أراقب حركة الشعراء القادمين من معظم الدول العربية، والبعض الآخر شعراء عرب، ولكن يقيمون في دول أوروبية، ليأتوا إلى الشارقة، ويقيموا في قلبها لمدة أسبوع كامل، ما الذي يدفع مثل هذه المدن لتحمل كل هذا التعب؟ وصرف الأموال؟ وإشغال عدد كبير من الموظفين طيلة فترة إقامتنا؟ هل يستحق الشعر كل هذا التعب؟ وما الذي يمكن أنْ يُضيفه الشعر وقائلوه لمثل هذه المدن؟ لكي تخصص له أياماً محددة من كل عام يحتفلون بها بكل أريحية؟
وهل الشعر ما زال محتفظاً بوهجه لكي يبقى منافساً يحظى باهتمام الدولة، وحاكمها الشيخ سلطان القاسمي، لكي يحضر افتتاح المهرجان، ويجلس مع الشعراء متحدثاً عن أهمية الشعر ورعاية الشعراء الشباب، والاهتمام بالنقد وتوجيهه لتجارب الشباب، علماً بأننا نعرف أن بعض الدول تقيم مهرجانات شعرية بوصفها جزءاً من التعبئة الشاملة للتغني بالقائد الضرورة، وهذا ما لم يحدث في الشارقة، فضلاً عن رعايته الشاملة للشاعر الكبير مظفر النواب، حيث خصص له جناحاً خاصاً في المستشفى الجامعي، وأنا شخصياً زرتُ مظفر النواب، وقبلته على جبينه، رغم أنه كان في شبه غيبوبة في المستشفى ليلة الخامس من يناير (كانون الثاني) 2020، ويرعى أيضاً أسماء أدبية كثيرة أخرى، صحياً واجتماعياً، وقد علمت من مقربين منه أنه يرفض أن يعرف عنه أنه يمد يده البيضاء لهذه الشرائح من المجتمع، ما يستدعي أن نتأمل الشعر وجدواه وأهميته لمثل هذه البلدان وحكامها.
أعود وأسأل لماذا هذا الاهتمام في زمن لا تهتم المؤسسات الحكومية وحكامها إلَّا بما هو مثير، كالصراعات السياسية، وجدلها، وتنازع القوى الكبرى، وأهمية الاصطفاف لجهة من الجهات.
أسئلة عديدة تراودني وأنا أشاهد حفاوة الأصدقاء في الشارقة، واهتمامهم بالشعر في أيام معدودات، كطقسٍ سنوي مقدسٍ لديهم، ولا يمكن أنْ أعود بالشعر وبطقوسه السحرية للماضي، الذي يكتنف بداياته، أو أن الشاعر يُحتفى به بوصفه لسان القبيلة والمعبر عنها، حيث انتهت هذه المهمة، وأصبح الإعلام له أساليبه الخاصة، في التعبير والدفاع عن الحكومات، والأشخاص، أما الدفاع عن الحكومات حالياً، فلا أظنُّ أنَّ الشعر بإمكانه أنْ يوقف أصوات الرشاشات، ولا باستطاعته أنْ يُعيد العوائل النازحة لبيوتها، ولا يسدُّ رمق جائع أكلته الحروب.
ولكن ما أحسبه أنَّ هذا الاهتمام نابعٌ من تصور متحكم بأرواح وقلوب القائمين على تلك النشاطات، من أن الأموال التي تُدفع لعلاج الأبدان، ولراحة الأجساد، تقابلها أموال يجب أنْ تُدفع لعلاج الأرواح، وطمأنتها، وإنْ بكلفٍ أقل بكثير من تلك الأموال المدفوعة للجسد، لهذا فإنّ هذا الوعي يتضخم لدى الشارقة منطلقاً من حاكمها الذي يبدو أنَّه يراهن على القوى الناعمة، التي يعدُّها بديلاً للقوى الخشنة، كالسلاح، والحروب، والمؤامرات، فيستعيض عنها بقوى ناعمة، تبدأ ببناء الأرواح المتهالكة، وترممها شيئاً فشيئاً، لذلك فإنَّ الجدوى واضحة هنا في أنْ تكون واجهة هذه المدينة هي الواجهة الثقافية، وبالنتيجة حين يقرر الحاكمون بأن خيار الثقافة هو الخيار الأول لهذه الإمارة، فقطعاً ستدخل الثقافة طريق التنمية البشرية، وبهذا يتحول الشعر إلى وجهٍ آخر يُنتفعُ منه في تهذيب الأرواح، ونقد التطرف، وبث ثقافة السلام، وهذه العوامل – كما أعتقد – فإنَّ الدول الكبرى تصرف الكثير من الأموال لغرض صناعة بيئة صالحة للعيش، فيها من التنمية البشرية ما فيها، إيماناً بالإنسان، وبحقوقه، وحرياته، وقد تخصص مراكز بحوث ومؤسسات كبرى لهذا الغرض، بينما مهرجان من الشعر بإمكانه أنْ يُسهم بصناعة بيئة صالحة للحوار والحرية. لقد كان المهرجان فرصة مهمة للاطلاع على تجارب شعرية تنبئ بأصوات مغايرة في الشعرية العربية، وتشير إلى أن نهر الشعري بإمكانه أن يتدفق أكثر فأكثر، ولا يمكن له أن ينحسر في يوم من الأيام ما دام هناك حزن يتحول إلى موسيقى وإيقاع ولغة، تختمر كلها لتنتج حزناً موزوناً، أو حتى غير موزون.
تحية للشعر الذي جمعنا من كل الدول، فأقمناه مقام الوالد حين اختلفت أنسابنا كما يقول أبو تمام العظيم:
إنْ يختلفْ نسبٌ يؤلفْ بيننا
أدبٌ أقمناه مقام الوالدِ
إيطاليا تحتفل بمئوية ميلاد فيلليني
«المايسترو»، أحد الاستثناءات السينمائية الفريدة التي لا يمكن أن يتماثل أو يماثل مع أقرانه من كبار السينمائيين، فقد صار جزءاً لا يتجزأ من ضمير إيطاليا المعاصرة المهووسة بالمظاهر والتي نكاد لا نعرف صورة عنها غير تلك التي رسمها في أفلامه. وهو يعد واحداً من آخر رعيل السينمائيين العالميين الكبار لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ممن أضافوا نفساً ثقافياً مميزاً وغيرّ الكثير من المفاهيم السائدة حول السينما وأهدافها وأغراضها الاجتماعية.
فيلليني المشاكس والمهرج والساحر في مدرسة الواقعية الإيطالية، يعتبر في مقدمة الفنانين الذين أعطوا الكثير لفن صناعة السينما والذين ظلوا بأسلوبهم عصيين عن الكشف، ولهم ذلك السحر الذي كشف لنا عن عوالم فانتازية لذيذة في السينما، هي خليط من السريالية والتكعيبية والرمزية والتعبيرية، ظل من خلالها مراقباً ومتأملاً وواعياً لأبسط الأشكال والأفعال، متوهجاً بخياله في ثراء فذ.
قال عنه الكاتب الإيطالي ألبيرتو مورافيا بعد رؤيته الفيلم التاريخي ساتيركون «المأساة الساخرة» الذي صوره داخل مبنى الكولوسيوم التاريخي الذي يقع في قلب العاصمة الإيطالية، ويتناول فيه مشكلة تاريخية وهي مصير الإمبراطورية الرومانية بأنه «يصور أحلامه» ولقد كان هذا صحيحاً لأن فيلليني له حياة سرية خاصة لم تظهر إلا في أفلامه التي كانت هي أحلامه التي استمد منها خصوصيته الفنية، وكان يقول على الدوام: «إن الكثير من المشكلات الفنية يمكن حلها من خلال الأحلام، فالعديد من أفضل أفكاري تخطر لي وأنا نائم، فهي صور وليست كلمات، وحين أصحو أحاول رسمها دون إبطاء قبل أن تبهت وتتلاشى، فالكثير من أفكاري السينمائية جاءتني في أحلامي، ولم أعرف كيف أو لماذا».
من خلال أفلامه التي تعد تركيبة عجائبية لمختبر من الأحلام المتشكل من الأفعال والألوان والكلمات والصور، يمكن تلمس هذه الأحلام التي سلكها هذا العاشق الذي غاص بجرأة وواقعية في أعماق إيطاليا التي لفها قناع الزيف الحضاري والتقدم الرأسمالي. لقد ظل أحد الاستثناءات السينمائية الفريدة التي لا يمكن أن يتماثل أو يماثل مع أقرانه من الكبار السينمائيين، وبقي أميناً إلى إيطاليته حتى النخاع، لم يعبر حدودها أو تاريخها أو رموزها، ولكن أيضاً دون أن يتخلى لحظة عن شمولية قناعاته ومواقفه من الإنسان والحياة والموت والغربة والذاكرة والتاريخ وغيرها من العناصر التي كان يضعها في إطار سينمائي مشوب بالتهكم والسخرية والانتقاد اللاذع، وهي مسلمات ظل محافظاً عليها حتى آخر أفلامه «صوت القمر» الذي قدمه عام 1990.
هدفه كان دائماً روما التي أصبحت محوراً لأعماله، ومستقراً له يكره الابتعاد عنها، وفي كل مرة يغادرها، يعود إليها ملهوفاً. يقول: «مهما غادرت روما وعدت إليها، فإن روما تبدو لي عند كل عودة أروع منها في أي وقت مضى، لقد أحببت دائماً أن أسكن في الأماكن القديمة، فإذا سكنت في مكان جديد يجعلك تشعر بالهرم والشيخوخة في حين أن الأماكن القديمة فقد أعطتها القرون مظهرها التاريخي العريق، ولا يمكن لك أن تتبين التبدلات التي تحدثها عقود قديمة».
ومنذ جاء إلى روما أصبحت مقره الدائم، فلقد ولد في لحظة حضوره إليها، يوم ميلاد جديد: «لحظة رأيت روما، امتلأ قلبي رهبة، وفي الوقت ذاته شعرت بأنني جئت إلى بيتي، عرفت أن روما هي المكان الذي قدر لي أن أعيش فيه، وعلي أن أعيش فيه، فإليها كنت أنتمي».
لقد تفرد هذا الفنان المبدع بأفلامه وأسمائها وتعبيراته فيها، بالضبط مثلما تفرد في نظرته للأشياء ونفسه والناس من حوله، فهو يتحدث عن عمله وكأنه يتحدث بفتنة عن عشق حبيبته: «كل يوم لا أعمل فيه، أعتبره يوماً ضائعاً، لذلك فإن صناعة أي فيلم بالنسبة لي أشبه بممارسة الحب، فأسعد اللحظات عندي تتمثل بعمل فيلم، ومع أن العمل يستحوذ علي كلية، ويستهلك وقتي وأفكاري وطاقتي كلها، إلا أني أشعر بحرية أكبر من أي وقت آخر، أشعر بالعافية حتى وإن لم يغمض لي جفن، وما أستمتع به عادة في الحياة، يزداد استمتاعي به لأنني أكون في ذروة النشاط الذهني، فالطعام يغدو أطيب، والعاطفة تغدو أفضل. في أوقات الإخراج أكون مفعماً بالحياة إلى أقصى حد، أكون في ذروة إنسانيتي، تفاجئني طاقة خاصة تجعلني قادراً على القيام بكل الأدوار، والمشاركة في كل أعمال الفيلم من غير أن أتعب أبداً، ومهما تأخر وقت التصوير ليلاً فإني لا أكاد أستطيع الانتظار إلى اليوم التالي». ومع أن السينما تسمم الدم تماماً كالعمل في المناجم حسب قول العديد من المخرجين إلا أن فيلليني يقول: «إن الفيلم حينما ينتهي فإنه يغادرني إلى الأبد، حاملاً معه كل شيء بما فيه الذكريات».
كان فيلليني على رغم مظاهر المشاكسة والمرح والسخرية والخيال الخصب، والشعور بالزهو، إنسان شديد الانطوائية، فهو يراهن على الصمت أكثر مما يراهن على الكلمة، حتى يبدو في أحيان كثيرة عاجزاً عن الخروج من حزنه وصمته الذي ورثه من بيئته الشمالية في مدينة ريميني التي غادرها أولاً إلى مدينة فلورنسا عاصمة عصر النهضة ليبدأ عمله عبر نشر رسومه الكاريكاتيرية، وكتابة القصص الساخرة في صحافتها، حيث رافقته هذه العادة إلى العمل السينمائي، فانكب على رسم وتخيل شخصيات أشرطته وديكوراتها وإكسسواراتها، وبعد سنوات قليلة أخذ يكتب النصوص الإذاعية المسرحية والأغاني الاستعراضية للمسرح، ثم يتحول بعد علاقة قوية بكاتب السيناريو الإيطالي المعروف جيروته ليني، إلى مرحلة جديدة من حياته تتمثل بكتابته السيناريوهات للأفلام السينمائية.
لقد غرف فيلليني من الأرياف بكل ما تزخر به من صور وخيالات وبساطة واقع وتفكير، حيث عاش مع جدته التي هي «أهم شخصية في حياتي» كما يقول، ولم يكن يستطع أن يتصور حياته من دونها، «إنها الجدة الأكثر قرباً إلى نبع الإلهام». إنها الجدة التي تعلم منها مشاهدة الحياة وجمعها في مخيلته، لذلك نراه في معظم أفلامه يحاول جمع كل شيء داخل الفيلم لتكون مرجعاً ضخماً لصور ومشاهد لم تكن تتعامل معها السينما الإيطالية في كل تاريخها، وهذا جعل أسلوبه متميزاً، وجعل منه مبدعاً دونما منازع ليس في إيطاليا وحدها وإنما في بلدان أخرى كثيرة. لقد عاشر عوالم الموسيقى الشعبية ومشعوذي السيرك، ولاعبي الأكروباتيك، ونافخي النيران، ورجال العصابات المحلية، وأدعياء السياسة، ومرتزقي الفن، وعشرات النماذج الأخرى. وكل هذا وجد سبيله إلى عين فيلليني وذاكرته ليبثهم بغزارة احتفالية أخاذة في مجمل ما أنتجه من أفلام.
قال عنه الناقد السينمائي الإيطالي توليو كزيش «إن أروع عمل لفيلليني هو فيلليني نفسه الذي لا يقل روعة عن أفلامه التي أثرى بها تاريخ السينما العالمية» إلا أن المايسترو لم يعتَد أن يتحدث عن أفلامه أو عن نفسه، فهو كان يتعمد الهرب من الحقائق في أذهان من كتبوا عنه، وهو على ما يبدو كان يجد متعة كبيرة في تضليلهم، ومقابل ذلك فقد تحدث كثيراً عن مشاريع لتصوير أفلام دون أن يتمكن من تنفيذها، فهو يقول: «كل مشاريعي جامدة، لقد تحدثت عنها كثيراً لدرجة بات لدي انطباع بأنني نفذتها».
الملاحق الثقافية والتنوير العربي
بعد هذه الديباجة القصيرة، دعوني أدخل في صلب الموضوع. عندما ابتدأت الكتابة في الملاحق الثقافية العربية، شعرت وكأني أدخل في مغامرة حقيقية. وكانت من أمتع المغامرات. لا أعرف ما إذا كان القراء قد استمتعوا بقراءة هذه المقالات، ولكني -أنا شخصياً- استمتعت كثيراً بالتخطيط لها وتدبيجها وكتابتها؛ لقد أتاحت لي هذه المغامرة المفتوحة على الآفاق أن أستعرض عشرات، بل مئات، الكتب الفرنسية التي كانت قد أعجبتني ولفتت انتباهي، وأردت نقل انطباعاتي عنها إلى القراء العرب. ومعظم كتبي كانت عبارة عن تجميع لهذه المقالات؛ أذكر من بينها كتاب «مدخل إلى التنوير الأوروبي»، وكتاب «الانسداد التاريخي: لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي؟»، وكتاب «الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ»، وكتاب «العرب والبراكين التراثية»… إلخ. وأتذكر أن المرحوم الدكتور بشير الداعوق، صاحب «دار الطليعة» كان قد قال لي، في جلسة عمل في أحد المقاهي الباريسية، ما يلي: ينبغي أن تعلم أن المقالات المنشورة سابقاً عندما تجمع بين دفتي كتاب، فإن ذلك يؤدي إلى رواج الكتاب، لا إلى الانتقاص منه. وقد فاجأني كلامه تماماً؛ وكنت أعتقد أن العكس هو الصحيح، ولكني صدقته لأنه رجل صادق أولاً، ثم لأنه خبير مجرب نشر سابقاً لعشرات المثقفين العرب.
وأعتقد شخصياً أن الثقافة العربية بحاجة إلى ضخ أفكار جديدة في عروقها وشرايينها لكي تخرج من حالة التكلس والتحجر والتحنط، وبخاصة على المستوى الديني أو اللاهوتي. وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك الانفتاح على ثقافات الأمم الأخرى، من غربية وشرقية. ولكن بما أن إقامتي الطويلة في فرنسا على مدار 33 سنة متواصلة طبعتني بطابعها، فقد كان من المتوقع أن أركز على الكتب الفرنسية والتيارات الفكرية الباريسية أكثر من سواها. وأما غيري، فقد ركز على الثقافة الأنغلوساكسونية. وبما أن الملحق الثقافي لجريدة «الشرق الأوسط» اللندنية، والملحق الثقافي لجريدة «الاتحاد» الإماراتية، يعطيانك هامشاً معقولاً من الحرية، فقد استطعت التعبير عن أفكار وتيارات كثيرة؛ لم أشعر بأن سيف الرقابة كان مسلطاً فوق رأسي، ولولا ذلك لفشلت تجربتي ومقالاتي، فلا كتابة ناجحة من دون حرية. لا أقول حرية مطلقة، فهذا مستحيل، ولكن هامش معين من الحرية. واكتشفت من خلال تجربتي الطويلة أن أي جريدة تريد أن تنجح، وأي ملحق ثقافي يريد أن يزدهر، ما عليهما إلا اتباع القاعدة التالية: الحرية – التنوع – التعددية. بمعنى آخر: ينبغي أن يفتح أبوابه وصفحاته لمختلف تيارات الفكر العربي، ولمختلف المثقفين العرب على اختلاف مشاربهم، حتى لو كانت متناقضة متعارضة، بل وبالأخص إذا كانت متناقضة متعارضة. أما الجريدة ذات اللون الواحد والصوت الواحد والرأي الواحد، فهي مملة جداً، ومصيرها الفشل الذريع؛ هذا شيء مفروغ منه. واكتشفت من خلال التجربة أن الجريدة لكي تنجح، يكفي أن تطلب من كل كاتب أن يعطيها ما هو قادر على الإبداع فيه. عندئذ، تكون النتيجة موفقة وناجحة. ينبغي أن يتاح لكل كاتب أن يعطي أفضل ما عنده، وضمن دائرة اهتماماته واختصاصاته فقط. وعندئذ، يكون النجاح حليف أي ملحق ثقافي في العالم؛ هذه هي القاعدة الذهبية. أما إذا طالبنا هذا الكاتب أو ذاك بأشياء لا علاقة له بها، ولا تدخل ضمن دائرة اهتماماته، فعندئذ يكون الفشل والخسران. لقد نجح الملحقان المذكوران لجريدة «الشرق الأوسط» و«الاتحاد» في مهمتهما التنويرية لأنهما فتحا صفحاتهما للفكر الاستكشافي الجديد. أقول ذلك وبخاصة أن المشرفين عليهما هم عموماً من أنصار التنوير الفكري، لا الظلامية الدينية.
ينبغي العلم بأن حركة الإخوان المسلمين لا مستقبل لها لسبب بسيط، هو أنها تمشي ضد حركة التاريخ. وكل من يمشي ضد حركة التاريخ سوف يلفظه التاريخ، إن عاجلاً أو آجلاً. أقصد بذلك أن هذه الحركة التي أسست عام 1928 مضادة لروح الأزمنة الحديثة وجوهرها، بل ومضادة لجوهر الإسلام ذاته الذي هو دين الشفقة والرحمة بالدرجة الأولى، لا دين القسوة والعنف والتجهم المكفهر. كل السور والأدعية والصلوات تبتدئ بالآية الكريمة الشهيرة «بسم الله الرحمن الرحيم». فإذا بهذا الدين الحنيف يتحول على أيديهم إلى رعب وظلام وبعبع يخيف العالم بأسره. بيعة الإخوان تتمثل في أن تحلف اليمين على المسدس والمصحف! ورمز الجماعة سيفان متقاطعان كثعبانين، بينهما كلمة تهديد: «وأعدوا»! هل يمكن اختزال دين عالمي كبير كالإسلام إلى هذا؟ الإسلام الحضاري أكبر من هذا بألف مرة، ولذلك أقول: لا مستقبل لـ«الإخوان» المسلمين إذا لم يتغيروا ويتطوروا بشكل جذري. وحتى لو كانت هذه الجماعة تتمتع ببعض الشعبية في الشارع العربي أو التركي، فإن مصيرها الفشل الذريع في نهاية المطاف. وإنه لمن المؤسف أن يغرروا بشباب طيب مخلص، فيدجنونهم عقائدياً، ويدفعونهم في طريق مسدود. وذلك لأن المستقبل هو لإسلام التنوير الذي هو وحده القادر على مصالحتنا مع أنفسنا، ومع العالم كله. وهو وحده القادر على إعادة العصر الذهبي، وكل أمجاد الحضارة العربية الإسلامية التي كانت أعظم حضارة على وجه الأرض في بغداد أو قرطبة. هذا هو خط التاريخ أو السهم المؤشر على حركة التاريخ؛ لا عودة إلى الوراء، وإنما تقدم إلى الأمام (أو قل: يمكن الترحيب بالعودة إلى الوراء الحضاري لا إلى الوراء الانحطاطي!). لا نستطيع أن نعيش إلى الأبد على تفسير خاطئ للإسلام. لا نستطيع أن نعيش إلى الأبد على تفسير توتاليتاري ظلامي إخوانجي داعشي يحتقر جميع الأديان الأخرى ويزدريها، بل ويكفر أتباعها قاطبة، ويستبيح دماءهم. لا نستطيع في عصر العولمة الكونية أن نشعر الآخرين بأنهم كفار عن بكرة أبيهم، لمجرد أنهم ليسوا من ديننا أو مذهبنا! الفهم الصحيح للإسلام يقول عكس ذلك تماماً؛ إنه يعترف بالتعددية، ويعدها مشيئة الله: «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة». ولكنه لم يشأ. وهذا يعني أن التعددية مشروعة بنص القرآن الكريم، ولكنها مرفوضة من قبل الإخوان المسلمين وبقية المتزمتين الذين خانوا جوهر الإسلام الحنيف، وأدخلونا في صدام مروع مع العصر، ومع جميع أمم الأرض قاطبة. كما أدخلونا في صراعات مذهبية وحروب أهلية وفتن داخلية دمرت النسيج الوطني لشعوبنا.
وبالتالي، فالفهم الصحيح والتنويري للإسلام هو ذلك الذي يعترف بجميع الأديان، من مسيحية ويهودية وبوذية وهندوسية وصينية كونفشيوسية وسواها. إنه يحترم تراثات جميع الأمم، من شرقية وغربية، طبقاً للآية الكريمة التي تقول: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم». هذه آية تصلح شعاراً هادياً لعصر العولمة الكونية. وكذلك الآية الكريمة: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». هذا التفسير التنويري السمح للإسلام هو الذي سوف يدخل في صراع مباشر مع التفسير الظلامي القديم. وهذا يعني أن المعركة الكبرى ستكون بين إسلام الأنوار وإسلام الإخوان، بين إسلام العصر الذهبي وإسلام عصر الانحطاط. وضمن هذا التوجه، حصل عناق الإسلام والمسيحية في أبوظبي، وتم إصدار «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك» بتاريخ 4 فبراير (شباط) 2019. وقد مثل ذلك حدثاً تاريخياً بالفعل. ولا ننسى بالطبع «وثيقة مكة المكرمة» الهادفة إلى نشر قيم الوسطية والاعتدال بغية إرساء السلام والتعايش بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة. وقد صدرت بتاريخ 30 مايو (أيار) 2019 هاتان الوثيقتان المباركتان اللتان تمثلان أقوى رد على التيارات الإخوانجية الداعشية.
أخيراً، لقد فوجئت بأن ميشيل فوكو كان يحلم في أواخر حياته بإنشاء قسم خاص في إحدى دور النشر الباريسية مكرس فقط لاستعراض الكتب الأجنبية، وتعريف القارئ الفرنسي بها. وكان يفكر بشكل خاص بالكتب الألمانية والأنغلوساكسونية في مجال الفلسفة، وهم الذين عندهم شيء جديد لكي يقدموه إلى الفرنسيين ويتحفونهم به. هم وحدهم الذين يستطيعون أن يتفوقوا على الفرنسيين على أرضية الفكر الفلسفي العميق. فالكتاب الألماني أو الإنجليزي أو الأميركي قد يحتوي على اكتشافات مضيئة غير معروفة حتى من قبل الفرنسيين أنفسهم، فما بالك بنا نحن العرب؟ ولذلك أقول: لكي ينجح أي ملحق ثقافي ينبغي أن يغتني بمشاركات الكتاب العرب المختصين بالفكر الفرنسي والإنجليزي والألماني والروسي والإسباني، إلخ. ينبغي أن يرصدوا آخر المستجدات الفكرية، والكتب الجديدة الصادرة في هذه اللغات العالمية الحية، ويقدموها لقمة سائغة إلى القارئ العربي. والتنوير العربي المقبل سوف يكون نتيجة ومحصلة لكل ذلك. فهذا ما فعله فولتير عندما نقل إلى الفرنسيين أفكار الإنجليز الذين سبقوهم إلى الحداثة والتنوير. انظروا كتابه الشهير «رسائل إنجليزية» الذي تحول لاحقاً إلى «رسائل فلسفية». وقد اضطر إلى النزول تحت الأرض بعد نشر الكتاب مباشرة خوفاً من ملاحقات الإخوان المسيحيين الأشداء. وهذا يعني أن التنوير معركة حقيقية، وليس مزحة أو نزهة سهلة في واد من الورود. فالظلاميون الفرنسيون لم يغفروا له أنه روج للإنجليز البروتستانتيين، وأبدى إعجابه بتسامحهم الديني، وخروجهم من التعصب الطائفي والمذهبي، ولم يغفروا له أنه هاجم بلاده التي كانت غارقة في ظلاميات الأصولية الكاثوليكية آنذاك، وعده الكثيرون مارقاً، بل وخائناً للأمة الفرنسية