أرنست همنغوَي:::
ثمة جيل من الكتاب والقراء في أميركا وأوروبا والعالم، تأثر بما سمي «أسلوب همنغواي»، الروائي الأميركي إرنست همنغواي، المغامر الذي اشتهر بأعماله عن الحرب العالمية الثانية، ومصارعة الثيران، والصراع مع الحياة في كوبا. كان الإعجاب به كبيراً بحيث إن أحداً لم يطرح السؤال الأهم: وهل تأثر همنغواي بأحد من قبله؟
أعتقد أن ما قرأته من أعمال همنغواي وحوله كان كثيراً. ومنذ انتحاره عام 1961 لا تزال الكتب عن سيرته تصدر وتثير الاهتمام وتتصدر المبيعات. اليوم، للمرة الأولى، أقرأ في مجلة «دبلن ريفيو أوف بوكس» أن همنغواي قلد بدوره معلماً آخر. في مرحلة من المراحل أيضاً، وبسبب الحرب وأفلامها، ذاعت شهرة الروائي الألماني إريك ماريا ريمارك (1898 – 1970) صاحب «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» التي تحولت إلى واحد من أنجح الأفلام في القرن الماضي.
كتب ريمارك مآسي الحرب الأولى، التي شارك فيها جندياً على الجبهة البلجيكية. ومنذ اليوم الأول لصدور كتابه عام 1929 لقي نجاحاً شديداً. طبعاً الكتاب كان معادياً لروح الحرب، ولذا هاجمه النازيون وأرغموا ريمارك على مغادرة ألمانيا، لكن بعد مغادرته أقدم النازيون على إعدام شقيقته إليغريد بالمقصلة. وقال رئيس «محكمة الشعب» في إصدار الحكم: «لم يعد شقيقك في مطالنا، لكن أنت لن تستطيعي الفرار منا». وبعدها أرسلت المحكمة فاتورة كلفة الإعدام إلى شقيقته الأخرى، إرنا، كي تسددها.
استعار همنغواي من أسلوب ريمارك في رسم الحرب العالمية الثانية من خلال روايته «وداعاً للسلاح». أما ريمارك فقد جعلته الحرب يشعر «بوداع الأحلام». فقد أصيب بشظية في يده اليمنى جعلته يتخلى عن حلمه الأول، وهو أن يصبح موسيقياً. ومن خلال الجملة المقتضبة وتخفيف النص إلى النعوت والأوصاف، حقق المعلم والتلميذ نجاحاً أدبياً لا يزال قائماً حتى اليوم، غير أن «المعلم» الفرنسي فولتير كان قد أوصى قبلهما: أعد قراءة ما كتبت، ثم أعد، ثم أعد، وعندما تتأكد أنه لم يعد فيه نعت واحد، أرسله إلى النشر.
أصدر هتلر قراراً بمنع جميع كتب ريمارك في ألمانيا بداعي أنها تضعف المعنويات. والمعنويات هنا تعني الاستباحة في قتل الشعوب وذبح الأمم.
كثرت المشابهات في حياة الأميركي والألماني: إعجاب النساء بهما، وتعدد الزيجات والعلاقة مع ممثلات السينما. ويبدو أن الألماني كان وسيماً، طويل القامة، أعجبت به أشهر نجمات بعد الحرب، بينهن غريتا غاربو ومارلين ديتريتش.
في بلادنا لا يزال اسم محمد التابعي يبرز أولاً عندما يأتي الحديث عن الأسلوب. وكان المفكر سلامة موسى يقول إن التابعي غير في أسلوب الصحافة، والصحافة غيرت في أسلوب الأدب. وقد خفف التابعي من الحشو والتكرار والجملة المطولة، وحَكَم أن أسلوب الجاحظ لعصر الجاحظ. وكان ساحراً
لم يكن الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1954 سوى الكاتب الأمريكي أرنست همنغواي، الذي كان الأشهر في القرن العشرين، تاركا بصمات واضحة على الأدب العالمي الحديث، ما تزال جلية حتى الآن، من حيث الأسلوب الأدبي وشخصية أبطال رواياته، وتعاملهم مع محيطهم. وكان همنغواي قد شقّ طريقه إلى الشهرة بسرعة، مع نشر روايته الأولى «الشمس تشرق أيضا» عام 1926 التي اعتبرها النقاد من أبرز أعماله، إن لم تكن الأبرز، لطريقة كتابتها، إذ اعتبرت بداية لنمط أدبي جديد، وخير مثال للأدب الأمريكي الجديد بعد الحرب العالمية الأولى. لكن مركز همنغواي ترسخ برواية «وداعا للسلاح» التي نشرت عام 1929 ونالت نجاحا واسعا، حيث أصبحت الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة.
وداعا للسلاح
تدور أحداث هذه الرواية في إيطاليا أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث كانت إيطاليا تواجه الجيشين النمساوي والألماني. وكان الملازم الأمريكي «فريدريك هنري» مسؤولا عن إحدى سيارات الإسعاف في الجيش الإيطالي وطاقمها. واكتشف «هنري» أن صديقه الطبيب العسكري الإيطالي، الذي كان أكبر منه سنا وأرفع مرتبة، مغرم بممرضة إنكليزية تدعى «كاثرين باركلي» ويعرفه ذلك الطبيب عليها، وسرعان ما يشعر «هنري» بالانجذاب تجاه الممرضة، وينجح في لقائها بمفردهما. وتبلغه الممرضة أنها محطمة الفؤاد بسبب مقتل خطيبها في المعارك، لكن «هنري» يحاول تقبيلها، فتصفعه. ومع ذلك فإنها سرعان ما تعتذر له ويحصل هو على مراده. وبعد ذلك يصاب «هنري» نتيجة انفجار قنبلة، فيُنقَل إلى المستشفى. وهناك يزوره صديقه الطبيب العسكري مهنئا له على شجاعته، على الرغم من إنكار «هنري» ذلك، وتعبيره عن معارضته للحرب. ويبلغه صديقه الطبيب أنه سينقل إلى المستشفى الأمريكي في ميلان، وأنه سيوصي أن تكون الممرضة «كاثرين» مسؤولة عن رعايته. ويتم ذلك، وتطول إقامة «هنري» في المستشفى لتبدأ خلالها علاقة غرامية بينه وبين الممرضة. لكن مسؤولة الممرضات تكتشف الأمر وكذلك وجود مشروبات كحولية في غرفته، ما يجعلها تستنتج أنه يتظاهر بالمرض كي يتجنب الحرب، فتطلب إعادته إلى الجبهة، مثيرة انزعاجه، لاسيما أن الممرضة أبلغته أنها حامل منه في الشهر الثالث. ويُرسَل «هنري» إلى إحدى البلدات القريبة من الجبهة، لكنه سرعان ما يتكشف أن الجيش الإيطالي قد أخذ في الانهيار أمام الهجمات النمساوية، ما أدى إلى نزوح السكان والجنود وسط فوضى عارمة، متوجهين إلى داخل إيطاليا، وأن السيطرة على الجنود قد أصبحت مهمة بالغة الصعوبة. وفي هذه الأثناء تحاول قيادة الجيش السيطرة على الموقف عن طريق إلقاء الشرطة العسكرية القبض على الضباط المنسحبين بتهمة التخاذل ومحاكمتهم بسرعة فائقة، قبل أن يتم إعدامهم. ويتم القبض على «هنري» كذلك، لكنه ينجح بالفرار والصعود على متن أحد القطارات المتجهة نحو ميلان للقاء الممرضة.
تمثل الرواية جميع مميزات روايات همنغواي، إذ أن الشخصية الرئيسية، أو البطل يتعرض إلى تجارب صعبة في بلد أجنبي، فست من روايات همنغواي السبع، تدور أحداثها خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ميلان يكتشف «هنري» أن الممرضة قد انتقلت إلى مدينة قريبة من الحدود السويسرية، فيتوجه إليها. ويلتقي في تلك المدينة بأصدقاء يبلغونه ببحث الشرطة العسكرية عنه، ويزوده أحدهم بملابس مدنية لمساعدته في الاختفاء. لكن «هنري» يحتقر نفسه لشعوره بأنه هارب من الحرب، ويرفض الإجابة على أسئلة الممرضة حول ما شاهده في الجبهة. ويتفق الاثنان على الهروب إلى سويسرا عن طريق قارب تجذيف عبر البحيرة التي تفصل إيطاليا عن سويسرا. وتنجح خطتهما بعد رحلة مرهقة استغرقت طوال الليل. وفي سويسرا تمنحهم السلطات تأشيرة دخول مؤقتة، ويقضي الاثنان وقتا ممتعا هناك، على الرغم من قلق الممرضة المتزايد على حالة الجنين. وتدخل الممرضة المستشفى للولادة، لكن صعوبات الولادة تزداد حدة، ما يجبر الأطباء على القيام بعملية ولادة قيصرية كانت نتيجتها ولادة طفل ميت، ووفاة الممرضة بين ذراعي «هنري». ويخرج «هنري» منهارا من المستشفى، ويسير في الشارع والمطر الشديد ينهال عليه.