وقع نبأ إغلاق مكتبة «نوبل» في دمشق كالصاعقة على أهالي العاصمة السورية؛ ذلك أن اسمها ارتبط بذاكرة القارئ منذ سبعينات القرن الماضي، خصوصاً أن هذا جاء بعد إغلاق مكتبات ودور نشر أخرى، بينها «دار اليقظة».
قرار إغلاق «نوبل» اتُخذ «لأسباب شخصية»، حسب تصريح أحد صاحبي المكتبة أدمون نذر، نافياً «صحة ما يُشاع عن تحويلها إلى مطعم». وقالت مصادر قريبة من صاحبي المكتبة الأخوين جميل وأدمون نذر ، إن «السبب متعلق بهجرة أحد الشقيقين الشريكين إلى كندا، وعدم إمكانية متابعة شؤون المكتبة عن بعد في ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد. لم تعد المبيعات تغطي جزءاً من تكاليف فتح المكتبة».
وتشهد البلاد موجة هجرة واسعة جراء الانهيار الاقتصادي بعد عشر سنوات من الحرب، أدت إلى توقف الكثير من الأعمال والمصالح، لكن نبأ إغلاق مكتبة ارتبطت بذاكرة أجيال من السوريين كنافذة لترويج ثقافة الانفتاح أرخى بظلال ثقيلة على أجواء متخمة بهموم معيشية قاسية.
وقالت الصحافية والكاتبة رواد الإبراهيم في هذا الصدد «نعم، كل يوم تتغير دمشق، تدخل في متاهة العبث، تخلع عنها رصانتها وبعض ألفتها… ستزداد غربتنا في مدينتنا».
وتعد «نوبل» واحدة من عشرات المكتبات التي كانت تزهو في محيط مبنى البرلمان السوري. وكانت تنشط في دمشق أكثر من 400 دار نشر، وتوقف كثير منها في السنوات الأخيرة بينها «دار اليقظة» التي تمت تصفيتها العام 2014، وتحول مكانها إلى متجر للأدوات الكهربائية.
لقد وقع نبأ إغلاق مكتبة «نوبل» في دمشق كالصاعقة على أهالي العاصمة السورية، ذلك أن اسمها ارتبك بذاكرة القارئ منذ السبعينيات. وبكثير من الأسف، نعى المثقفون مكتبة طالما زودت قراءها بالجديد من الإصدارات المحلية والعربية وبأمهات الكتب والمراجع.
قرار الإغلاق، حسب تصرح أحد صاحبي المكتبة أدمون نذر للإعلام المحلي، اتخذ «لأسباب شخصية»، نافياً «صحة ما يُشاع عن تحويلها إلى مطعم».
وتشهد فيه البلاد موجة هجرة واسعة جراء الانهيار الاقتصادي بعد عشر سنوات من الحرب، أدت إلى توقف الكثير من الأعمال والمصالح والورشات الصغيرة عن العمل، إلا أن نبأ إغلاق مكتبة ارتبطت بذاكرة عدة أجيال من السوريين كنافذة لترويج ثقافة الانفتاح التنويري أرخى بظلال ثقيلة على أجواء متخمة بهموم معيشية قاسية، زادها ظلاماً مشهد إغلاق واحدة من المكتبات الدمشقية التي واجهت أزمات صناعة الكتاب الورقي العربي منذ مطلع الألفية الثالثة وعانت من وقف استيراد الكتب والمطبوعات الورقية خلال الحرب، واكتوت بنيران ارتفاع أسعار الكتب جراء انهيار العملة المحلية، وتكبدت خسائر ارتفاع تكاليف صناعة الكتاب المحلي، ناهيك عن مخاطر بيع الكتب الممنوعة في ظل اشتداد سياسات الخنق الرقابي، وغيره من ظروف وعوامل أسهمت في موت المكتبات العريقة مقابل ازدهار بسطات الكتب المهربة والمزورة التي توفر الكتب بأسعار تلاءم السوق المحلية.
واعتبر الكاتب والسيناريست تاليد الخطيب، هذا الإغلاق «كارثة وطنية حقيقية» إلى جانب شح الوقود والكهرباء والسكر والغاز والنقود والكرامة. وقال في منشور على حسابه في «فيسبوك»: «تموت الثقافة والفن والأدب في دمشق، لكن المطاعم تحيا وتتكاثر»، محذراً من يوم نستفيق فيه نجد فيها دمشق «وقد تحولت فعلاً إلى مجرد معلف كبير، تثغو أغنامه تغنياً بما كان لهذا المعلف من تاريخ ذات يوم».
وتعد مكتبة «نوبل» واحدة من عشرات المكتبات التي كانت تزهو في محيط مبنى البرلمان السوري في الوسط التجاري الراقي في حي الصالحية فترة ما قبل الحرب حيث تتركز صالات «سينما الشام» و«الكندي» و«الزهراء» و«السفراء» ومسرحي «الحمراء» و«القباني» و«فندق الشام»، الذي كان يستضيف مهرجاني السينما والمسرح وفندق «الفردوس»، وكانت تعقد فيه اللقاءات الشعرية الأسبوعية «بيت القصيد» ناهيك عن المراكز الثقافية الأجنبية.
وكانت تنشط في دمشق أكثر من 400 دار نشر، منها «المكتبة العمومية» لآل الخيّر المتخصصة بالمراجع العلمية الأجنبية. و«دار الفكر العربي» أحد أكبر وأنشط دور النشر السورية والعربية، و«مكتبة النوري» التي أسسها حسين النوري عام 1932. وتوسعت على أيدي أبنائه لتفتتح سلسلة مكتبات تبيع أهم إصدارات دور النشر العربية التي كانت على إرسال منشوراتها لتباع في معارض ومكتبات دمشق، حتى قيل: «بيروت تطبع ودمشق تقرأ»، المقولة التي بدأت بالتلاشي مع بداية الألفية الثالثة طرداً مع توجه دمشق إلى اقتصاد السوق المفتوحة التي فتحت الباب على مصراعيه لتدفق رؤوس الأموال لتستثمر في سوريا وتشتري قلب دمشق التجاري، الأمر الذي رفع أسعار العقارات بشكل جنوني، بل بات ضرباً من الانتحار المالي إشغال مكتبة أو سينما أو مسرح لمكان بالوسط التجاري، فكانت مكتبة «دار أطلس» التي أسسها في دمشق الفلسطيني سمعان حداد عام 1956 أول دار تغلق مكتبتها عام 2000 لتتحول إلى محل ألبسة، مكتفية بمقر لدار النشر. ثم لحقتها مكتبة «دار اليقظة العربية»، التي أسسها في دمشق وبيروت محمد شفيق حمدان عام 1939 وكانت مع مكتبة أطلس من أهم التجمعات الثقافية بدمشق الخمسينيات والستينيات.
لكن الحرب في لبنان أغلقت «اليقظة» عام 1985 بسبب الحرب، وبعد عقد ونصف العقد توقفت المكتبة بدمشق ليتم تصفيتها بشكل نهائي عام 2014 وتحول مكانها إلى متجر للأدوات الكهربائية. وكان قبلها، أي في عام 2010 قد أغلقت وتحول مكانها إلى مقهى مكتبة «ميسلون» وكيلة داري نشر «رادوغا» و«التقدم» السوفياتيتين، ولأشرطة الشيخ إمام، وزياد الرحباني، ومارسيل خليفة، وخالد الهبر، ومكتبة «ميسلون» المجايلة والمجاورة لمكتبة «نوبل» وافتتحتا في شارع ميلسون مقابل «فندق الشام»، في السبعينيات من القرن العشرين، عاشتا طور ازدهار المكتبات في السبعينيات، ولحقت بـ«بميسلون» في العام ذاته 2010 مكتبة «العائلة» في ساحة النجمة التي أسستها عام 1980 وأدارتها لغاية 1997 الأديبة مهاة فرح الخوري، قبل أن تغلق ويتحول مكانها إلى صيدلية. لتتبعها مكتبة «الزهراء» التي اقتسمت مكانها مع مقهى إنترنت. وذلك بعد تضاعف خسائر أصحابها.
الصحافي صبري عيسى كتب في نعيه لمكتبة «نوبل»: «علاقتي مع مكتبة نوبل تعود لصداقة العمر مع الأخوين جميل وإدمون نزر، وأعرف عن قرب الإغراءات الكبيرة التي تعرض لها الأخ جميل لتغيير طبيعة عملها لتلحق الموجة الاستهلاكية التي تسود منطقة السوق التجارية، لذا أقدر صمودها أمام موجة التغيير، واستسلام المكتبات لإغراءات السوق والربح»، فيما قالت الصحافية والكاتبة رواد الإبراهيم في نعيها لمكتبة «نوبل»: «نعم كل يوم تتغير دمشق، تدخل في متاهة العبث، تخلع عنها رصانتها وبعض ألفتها… ستزداد غربتنا في مدينتنا».