أكثر من 12 مليون شخص في سوريا والعراق لا يملكون القدرة على الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء. هذه خلاصة صادمة لتقرير أصدره المجلس النرويجي للاجئين، يؤكد فيه أن ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض مستويات الأمطار والجفاف في جميع أنحاء المنطقة، أدت إلى حرمان الأهالي مياه الشرب والري والخدمات العامة. يضاف الى ذلك تعطيل عمليات توليد الكهرباء جراء نفاد مياه السدود،ما ينعكس بدوره على عمل المرافق العامة الأساسية، بما في ذلك الخدمات الصحية.
ويشير التقرير المذكور الى اعتماد أكثر من 5 ملايين شخص في سوريا بشكل مباشر على نهر الفرات، فيما تمدّ بحيرتا تشرين والفرات ثلاثة ملايين شخص بالكهرباء، وهما مهددتان بالإغلاق. كما شهدت المجتمعات المحلية في الحسكة وحلب والرقة ودير الزور، علاوة على النازحين في المخيمات، ارتفاعاً في تفشي الأمراض المنقولة بواسطة المياه، مثل الإسهال، بعد انخفاض مستويات المياه في الأنهار والبرك.
“أنا مثقلٌ بالديون… بسبب الجفاف لم أتمكن من حصاد القمح”.
كما شهدت قرية السيباط (30 كلم شمال مدينة الحسكة)، هجرة عشرات القرويين الذين توجهوا إلى مناطق أخرى جرّاء الجفاف بحسب السكان المحليين. ويتحدث شيخ القبيلة لمعدّي التقرير عن حالة النزوح قائلاً “شهدنا هذا العام موجة جفاف شديدة، ونتيجة ذلك لم تنتج أراضينا أي محاصيل، ولا نملك نحن أو مواشينا مصادر للمياه الصالحة للشرب. إن التفكير بأن الظروف الحالية ستجبرنا على مغادرة المناطق الريفية وهجر أراضينا هو أمرٌ مثير للحنق”.
للمرة الأولى في تاريخه، انخفضت نسبة المياه في نهر الفرات في سوريا أكثر من خمسة أمتار، ما أدى الى توقف الكثير من محطات الري عن الخدمة، ناهيك بتوقف محطات توليد الطاقة وتدهور بيئي غير مسبوق جراء حجز تدفق المياه من الجانب التُركي. وتظهر صور ينشرها نشطاء بيئيون ومنصات إعلامية محلية في مناطق الجزيرة السورية، جفاف مساحات واسعة من النهر، ما يلقي بعبئه على الزراعة وحياة سكان المنطقة. وقد رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان بداية صيف هذا العام (2021) “الجفاف على طول نهر الفرات الممتد من سد الفرات في الطبقة، وصولاً إلى سد المنصورة في الرقة”. لقد قامت تركيا بحسب بيانات محلية سورية بحجز أكثر من نصف المياه المتدفقة الى سوريا وتخزينها في السدود المشيدة على النهر الدولي، تحديداً سد أتاتورك العملاق. وذلك عل رغم التفاهمات الموقعة بين الطرفين والتي تحدد حصة سوريا المائية بـ500 متر مكعب في الثانية من نهر الفرات، بينما لا يتجاوز التدفق الآن 200 متر مكعب الآن في الثانية، ما يلوح الى حدوث كارثة بشرية وبيئية، ما لم تتدخل المؤسسات الدولية لإنقاذ الأرواح وبيئة المنطقة.
وفي العراق يهدد النقص الحاد في مياه الفرات، ما لا يقل عن 7 ملايين شخص، ويضع نحو 400 كلم2 من الأراضي الزراعية أمام خطر الجفاف التام. وقد جفت المياه المغذية لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ومصائد الأسماك ومنشآت توليد الطاقة ومصادر مياه الشرب. وتنفق أعداد كبيرة من العائلات في محافظة الأنبار التي تعتمد على تدفق مياه الفرات، نحو 80 دولاراً شهرياً لشراء المياه الصالحة للشرب. من شأن انخفاض تدفق المياه من الفرات تدمير الأهوار جنوب العراق، والتي تعد من أهم البيئات الحيوية التي أدخلتها منظمة اليونيسكو للعلوم والتربية والثقافة ضمن المناطق الأثرية العالمية بغية حمايتها من الاندثار.
لا تقتصر ندرة المياه على الفرات فقط، فمن المتوقع أن ينخفض إنتاج القمح 17 في المئة في محافظة نينوى جراء الجفاف، أما في محافظات إقليم كردستان العراق فمن المتوقع أن ينخفض الإنتاج إلى النصف. وقد أُجبر كثر من المزارعين على إنفاق مدخراتهم والاقتراض للحفاظ على مواشيهم وتأمين مستلزمات عيشهم في محافظة نينوى. يقول حميد علي وهو مزارع من منطقة البعاج إحدى المناطق الأكثر تضرراً بالجفاف في سهل نينوى: “أنا مثقلٌ بالديون… بسبب الجفاف لم أتمكن من حصاد القمح”.
“التفكير بأن الظروف الحالية ستجبرنا على مغادرة المناطق الريفية وهجر أراضينا هو أمرٌ مثير للحنق”.
أما كارستن هانسن المدير الإقليمي للمجلس النرويجي للاجئين، فيقول “إن الانهيار الكلي في إنتاج المياه والغذاء لملايين السوريين والعراقيين بات أمراً وشيك الحدوث”. ويشير إلى أن أزمة المياه الحالية مع استمرار نزوح مئات الآلاف من العراقيين وفرار كثيرين بحثاً عن النجاة في سوريا، ستتحول قريباً إلى كارثة غير مسبوقة، وتدفع بالمزيد من الأشخاص إلى النزوح. من جانبها ترى المديرة الإقليمية لمنظمة “كير” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نيرفانا شوقي أن “الوضع يتطلب تصرفاً سريعاً من سلطات المنطقة والحكومات المانحة لإنقاذ الأرواح التي تواجه هذه الأزمة، علاوة على الصراعات الموجودة وجائحة كوفيد- 19 والتدهور الاقتصادي الشديد. سيحتاج السكان إلى الاستثمار في حلول مستدامة لأزمة المياه والغذاء، بطريقة تمكن الاستفادة منها على المدى الطويل”. وفي السياق نفسه، يؤكد جيري غارفي، المدير الإقليمي في المجلس الدنماركي للاجئين في الشرق الأوسط أن “أزمة المياه ستزداد سوءاً لا محالة، ومن المرجح أن يحتد الصراع في المنطقة التي تعاني أساساً من عدم الاستقرار. لا نملك وقتاً لإضاعته يجب أن نجد حلولاً مستدامة ونوفر الماء والغذاء للأجيال الحالية والآتية”.