فيما عمدت السلطة الحاكمة إلى تشكيل حكومتها، غير مبالية برغبة الشارع وصراخ الناس، ينشغل جزء وافر من الرأي العام اللبناني في تشريح الوزيرات المكلفات ضمن الحكومة العتيدة.
والتشريح لا ينطوي في الغالب على أي معيار متعلّق بدورهنّ أو أهليتهنّ لتولي المسؤولية. التشريح يشمل فساتين السهرات التي ارتدينها، ألوان الصبغات على شعورهنّ، التسريحات، شكل العيون ولونها، الكنادر، طول الفتحة في فستان إحداهنّ وقصر فتحة أخرى مثيرة في قميص ارتدته إحداهنّ في مناسبة خاصة، علماً أن كثيراً من الصور التي تمّ تداولها لا تعود للوزيرات المعنيات، لكن مع ذلك جرى التعامل معها على أنها حقيقية.
إذاً، هكذا يتمّ تقييم وزيراتنا الستّ، وهي المرة الأولى التي نشهد فيها وصول هذا العدد من النساء إلى الحكومات. ينحسر النقاش السياسي أو الفكري حين يتعلّق الأمر بسيدات في مراكز مسؤولية، ويتصدّر النقاش حول المظهر والجسد في أحيان كثيرة، قائمة الاهتمامات والتغريدات والمنشورات. على قاعدة أننا نحبّ الوزيرة جميلة ومثيرة، فيما نفنّد الشهادات والإنجازات حين يتعلّق الأمر بالوزراء الرجال. الشكل والتسطيح للنساء والعمق والمضمون للرجال.
تنتشر صور الوزيرات بفساتين ضيقة أو ثياب كاشفة، وتدور نقاشات حول التفاصيل الدقيقة لكل منهن.
زينة عكر (وزيرة الدفاع ونائي رئاسة الحكومة)، لميا يمين الدويهي (وزيرة العمل)، ماري كلود نجم (وزيرة العدل)، فارتيه أوهانيان (وزيرة الشباب والرياضة)، غادة شريم (وزيرة المهجرين)، منال عبد الصمد (وزيرة الإعلام). هؤلاء هنّ الوزيرات الست، ولكل واحدة سيرة ذاتية ومهنية تمكن مناقشتها والحكم عليها، يمكن أيضاً ترقب ما ستفعلنه في الحكومة بعد أن تنال ثقة المجلس البرلماني. حتى أننا يمكن أن نسائلهنّ كما نسائل أي وزير في هذه الحكومة أو سواها، عن الأجندات السياسية التي أتت بهنّ أو انتمائهنّ إلى أحزاب أو تيارات معينة، ما يمكن أن يفرمل أداءهنّ، بل إن معلومات بدأت تتسرب عن تورط البعض منهن بملفات تحوم حولها شبهات فساد!!.
في وضع سياسي واقتصادي ومعيشيّ رديء جداً، تفتح نقاشات من هذا النوع، لتنجح السلطة بإلهاء مواطنيها كما في كل مرة عن الهمّ الأساسي والمصائب التي تتساقط على رؤوسنا غزيرةً وبلا توقف.
يمكن أن نناقش مثلاً إذا كانت وزيرة ما في مكانها المناسب وإن كانت جديرة بإدارة الملفات المطلوبة منها. يمكن أن ننتقد مسائل كثيرة في مسيرتها أو نبحث في شفافيتها ورصانتها.
لكن وكأنما البعض يأبى سوى أن يفتح خزانة الوزيرات وألبوم صورهن ويقيمهن على هذا الأساس دون سواه. يحدث أن يمرّ عرضاً حديث عن وزيرة جميلة مثلاً، على أن يبقى الأمر عرضياً وغير مهم في مسألة قبول وزيرة أو رفضها أو انتقادها.
في وضع سياسي واقتصادي ومعيشيّ رديء جداً، تفتح نقاشات من هذا النوع، لتنجح السلطة بإلهاء مواطنيها كما في كل مرة عن الهمّ الأساسي والمصائب التي تتساقط على رؤوسنا غزيرةً وبلا توقف.
فيما نعجز عن سحب أموالنا من المصارف ويلعب سعر الدولار بأعصابنا ومصائرنا، يُفتح باب التنمر على الوزيرات، بدل بحث جدواهنّ وقدراتهنّ في هذه الظروف الراهنة.
فيما كنا في الأمس نُضرَب ونعنّف ونوضع في مواجهة القوى الأمنية وتنتشر الفوضى في بيروت التي نحبها، ها هم شبان يفتحون جدلاً عقيماً حول الوزيرة الأجمل و”الأسكس” (الأكثر إثارة) بين الوزيرات الستّ!
ها نحن أمام حكومة لون واحد، مقسمة بحسب الحصص السياسية والطائفية وبحرفية عالية جداً، وقد أوصد الذين شكّلوها آذانهم عن صرخة الناس ورغبتهم في وزراء ووزيرات مستقلين ومستقلات. وها نحن في منطقة مفتوحة على المواجهات محلياً وإقليمياً، فيما تنشغل صفحات كثيرة في تفنيد تسريحة الوزيرة فلانة، بدل تفنيد إنجازاتها وقدراتها.
على أحدهم أن يوقف الأرض قليلاً، ويدعو البلاد إلى انتفاضة على الذات، على الموروثات والجهل وعلى التنميط…
إنها انتفاضة ملحّة أيضاً.