رفع الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل من سقف خطاباتهما ضد القاضي طارق بيطار، المكلف بالتحقيق في حادث انفجار مرفأ بيروت، خصوصاً بعد أحداث الطيونة، وسط العاصمة بيروت، التي راح ضحيتها 8 قتلى وعشرات الجرحى يوم الخميس، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ويُهدد الثنائي الشيعي بعرقلة عمل الحكومة الجديدة لنجيب ميقاتي إذا لم تتم إزالة القاضي بيطار من عملية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، هذا القاضي الذي تعتبره الجهة الشيعية مدعوماً من أمريكا.
بيطار مقابل الحكومة
كشف مصدر مقرّب من حزب الله وحركة أمل، أن الثنائي أضاف شرطاً للعودة لتفعيل الحكومة، وهو إحالة جريمة الطيونة إلى المجلس العدلي، واستدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بصفته مسؤولاً عنها.
وأكد المصدر ذاته لـ”عربي بوست”، أن “الثنائي الشيعي وحلفاءه لن يقبلوا أيضاً بإيجاد صيغ سياسية لإبقاء القاضي طارق بيطار، المكلف بالتحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، وأن المعادلة التي ستكون مع الحلفاء والخصوم، هي إما أن تكون مع قاضي التحقيق بجريمة المرفأ طارق البيطار أو ضده”.
وأشار المصدر نفسه أن “الثنائي الشيعي المتمثل في حزب الله وحركة أمل أكدا أنهما لن يسمحا باستكمال التحقيق في مرفأ بيروت”، بحجة أنه “مسيّس، ومرتبط بالسفارة الأمريكية، التي تريد مواجهة المقاومة عبر التحقيق”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن “الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، سيكون واضحاً في خطاب يوم غدٍ الإثنين، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والذي سيُوجهه للتيار الوطني الحر، هذا الأخير الذي يمنح القاضي بيطار غطاءً سياسياً في الحكومة، من خلال رفض رئيس الجمهورية ميشال عون ووزراء التيار الوطني الحر عزل الرجل من مهمته “لحسابات سياسية”.
وتتجلى هذه الحسابات السياسية، حسب مصدر “عربي بوست”، في كون أن باسيل جبران، رئيس التيار الوطني الحر، يسعى للتودد لدى أمريكا، بهدف رفع العقوبات المفروضة عليه خريف العام الماضي، خاصة أن الأمريكيين يؤكدون دعمهم للتحقيق الذي يقوده المحقق العدلي طارق بيطار.
خطاب منتظر لنصر الله
وكشفت مصادر “عربي بوست”، أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، سيُلقي خطاباً غداً الإثنين، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، سيُوجه فيه رسائل سياسية عالية النبرة لكل الأطراف، بعد أحداث بيروت الأخيرة، التي يعتبر الحزب أنها استهدفته مباشرة، كما سيلعن موقف الحزب من ملف تحقيقات المرفأ، التي يتمسك من خلالها بعزل البيطار.
وأضافت مصادر الموقع أن نصر الله سيُؤكد من خلال خطابه “أن من سيقوم بحماية القاضي بيطار سيكون خصماً لنا، ولن نسمح للسفيرة الأمريكية بفرض معادلات وشروط، ما دمنا موجودين في البلد”، يقول المصدر.
ويؤكد المصدر أن الصيغ القائمة على التسويات السياسية والمتعارف عليها بين الأطراف السياسية اللبنانية لحل الصراعات، وتحديداً محاولة إيجاد مخرج يُبقى البيطار في عمله كان من الممكن أن تحصل قبيل أحداث يوم الخميس في بيروت، لكن وبعد التطوّرات الميدانية تم التأكد من وجود أجندة سياسية تقف خلف التحقيقات التي يقودها القاضي البيطار، وباتت المعادلة مغايرة عن السابق.
ويعتقد المصدر أن الغطاء السياسي الذي يؤمنه رئيس الجمهورية للمحقق العدلي طارق البيطار، من شأنه أن يُعرقل أيّ صيغة تسوية قد يتمّ الاتّفاق عليها، الأمر الذي دفع إلى إبلاغ عون وميقاتي بأنه لا حكومة إلا بعد تراجع البيطار عن مهمّته.
ويعتبر المصدر أن “محاولات البعض ابتزازنا بقضية التحقيق، بغرض إرضاء الأمريكيين، لرفع العقوبات عن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لن نسمح باستمرارها مهما كلف الثمن”.
ميقاتي يبحث عن الحل
وبحسب مصادر قضائية، فإن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي يسعى لإعادة إحياء حكومته المعطلة، إذ قام بالدعوة لاجتماع حضره رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، ووزير العدل هنري الخوري، بمشاركة رئيس التفتيش القضائي القاضي بركان سعد.
وقالت المصادر نفسها إن بحثاً مستفيضاً جرى خلال اللقاء، وتركز بمجموعة مسارات جرى ترتيبها لحل أزمة الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، مع القاضي البيطار.
ويرتبط المسار الأول، حسب مصدر “عربي بوست” بأحداث الطيّونة من زاوية ضرورة أن يلعب القضاء دوراً حاسماً للحفاظ على الاستقرار، وبناءً على التحقيقات يمكن دراسة إمكانيّة إحالة القضية أمام المجلس العدلي.
فيما المسار الآخر مرتبط بمطالبة الثنائي الشيعي وتيار المردة بعزل القاضي طارق البيطار، وبحسب المصدر فإن ميقاتي أكد على أنه يرفض التدخّل السياسي بالقضاء، وأنه لن يسمح بالذهاب باتجاه إقالة المحقّق العدلي في جريمة مرفأ بيروت.
وبرّر ميقاتي ذلك بكون الدستور واضحاً في تحديده المرجعية القضائية المخوَّلة له ملاحقة الرؤساء والوزراء، ولذا طلب من مجلس القضاء الأعلى إزالة الالتباس الحاصل لتنقية القضاء من تدخّل السياسيين، وحسم الصيغة القانونية التي تعيد الاحترام لمقتضيات الدستور.
وبحسب المصدر ذاته، فإنه جرى الاتفاق على أن يعقد مجلس القضاء الأعلى اللبناني، يوم الثلاثاء المقبل، اجتماعاً بشأن انفجار مرفأ بيروت، ويتم دعوة القاضي طارق البيطار لحضور الاجتماع والاستماع إليه.
خارجياً، يؤكد مصدر دبلوماسي مطلع لـ”عربي بوست”، أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سمع من مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية- الآسيوية، فيكتوريا نولاند، في زيارتها إلى لبنان منذ يومين، كلاماً واضحاً وصريحاً بأن عزل البيطار سيؤدي إلى وقف المساعدات، وإقرار عقوبات جديدة على الحكومة.
ما بعد اشتباك بيروت؟
يخوض الثنائي الشيعي معركةً سياسية مع حزب القوات اللبنانية، الذي يقوده سمير جعجع، والذي يُتهم حسب حزب الله وأمل بإطلاق النار تجاه المتظاهرين في أحداث الخميس الدامية، إذ أظهرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي أحد ضحايا الاشتباك يسقط برصاص عناصر الجيش اللبناني، بينما تم نشر فيديو آخر قيل فيه إنّ سيارة عسكرية قامت بتهريب أحد القنّاصين من منطقة الاشتباك.
ويرى مراقبون للشأن اللبناني، أن المواجهات المسلحة التي عرفتها العاصمة بيروت لها أبعاد وانعكاسات سياسية وقضائية، كما أنه لا مصلحة لأي طرف في تصعيد ميداني أو عسكري أو أمني.
مقابل ذلك، برزت على سطح الأحداث السياسية في لبنان ثلاثة ملفات أصبحت في الواجهة، والمتجلية في مصير التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وقضية القاضي طارق البيطار، بالإضافة إلى التحقيق في حادثة الطيونة.
المحلل السياسي منير الربيع يرى أن “حزب القوات اللبنانية يريد القول إن المناطق المسيحية خطّ أحمر، وإن فائض القوة لا يمكن أن يُمارس على المسيحيين”.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ”عربي بوست” أن “حزب القوات اللبنانية يريد تسجيل مجموعة أهداف مسيحية في مرمى التيار الوطني الحر، فاتفاق مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر الذي عقد في العام 2006 يصلح سياسياً في حسابات الطرفين اللذين يديرانه، لكنه بلا أفق شعبي، وخصوصاً عندما يصل الأمر إلى حدود الدماء”.
ويُعد الرئيس ميشال عون هو الخاسر الأكبر، حسب المحلل السياسي، “فبعد فشله الاقتصادي والمالي ثمة فشل أمني يمسّ المسيحيين مباشرة، بعدما لم يعد يسعهم الجلوس متفرجين على تقاتل المسلمين فيما بينهم، سنّة وشيعة، إذ المعركة باتت تطال البيئة المسيحية هذه المرة”.
وفي المقابل، يرى الربيع أن حزب الله سجل انتصاراً معنوياً وسياسياً، بمحاولة إثباته أنه الضحية التي تتعرض لضربات متتالية، مقابل ذلك هو ينأى بنفسه عن الردّ حفاظاً على السلم الأهلي وعدم التورط في الدم.
ويعتقد الربيع أن هذا لا ينفي أن حزب الله يواجه مشاكل عدة، على رأسها مواجهة قرية شويا، التي أُطلقت منها الصواريخ تجاه إسرائيل خلال الحرب مع غزة، والتي كادت أن تؤدي إلى أزمة مفتوحة مع الدروز، بالإضافة إلى مواجهة منطقة خلدة مع السنّة، وحالياً المواجهة مع المسيحيين على خلفية التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.
ووفقاً للربيع، فإن الأمر نفسه ينطبق على وضع الجيش اللبناني، إذ لا يمكنه استنساخ السلوك الذي اتبعه في 7 أيار/مايو 2008، حينما وقف في منطقة الحياد أثناء اجتياح حزب الله للعاصمة بيروت، إذ إن المعركة هذه المرة تطال المسيحيين في المدينة.
واعتبر المحلل السياسي أنه في حال جاء موقف الجيش اللبناني مماثلاً لموقفه في العام 2008، سيظهر عاجزاً عن حماية المسيحيين وأماكن استقرارهم، وهذا يعني الكثير رمزياً ومعنوياً.
لديه معلومات موثّقة بتورّط حزب الله في انفجار المرفأ.. أسباب الإصرار على الإطاحة بالبيطار
منذ أن تولى المحقّق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020، القاضي طارق البيطار، وبدأت حملة استدعاءات ضد الوزراء المعنيين في هذا الملف، ومنهم وزراء حركة أمل والمردة بالإضافة إلى وزير الداخلية السّابق نهاد المشنوق، وبدأ أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، بشنّ الهجوم على البيطار مطالباً باستبداله.
تطورت الأمور لتأخذ منحى تصاعدياً من قبل حزب الله وحركة أمل، خصوصاً بعدما أصدر البيطار مذكّرة التوقيف بحق نائب حركة أمل وزير المال السّابق علي حسن خليل نتيجة امتناعه عن حضور جلسة الاستجواب التي كانت مقرّرة يوم الاثنين الواقع في 11 أكتوبر/تشرين الأول.
علي حسن خليل: الواجهة
بعد تهديد رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا للقاضي بيطار، والتي تلاها طلب الرّد المقدّم من قبل وكيل النائب نهاد المشنوق وبعدها من قبل الخليل والوزير السابق يوسف فنيانوس، وجميعهم مدّعى عليهم، لم يتوقّع حزب الله أن البيطار سيجرؤ على اتخاذ أي خطوة مفصليّة تكون تصعيداً تجاه الحزب رغم التهديدات التي تلقاها، علماً أنه وحتى السّاعة لم يستدعِ أو يتّهم البيطار أي عنصر أو سياسي تابع لحزب الله.
يوضّح المحلّل السياسي ربيع دندشلي لـ”عربي بوست” أن الموضوع لا يقتصر على مذكّرة التوقيف بحقّ الخليل فهذه ظاهر الأمور فقط، إنّما ما يحصل فعلاً هو أن حزب الله، الذي يحكم البلد ومتغلغل في مؤسّساته، والذي كان بند من بنوده في الانتخابات النيابية عام 2018 استقلالية القضاء، تفاجأ أنّ هناك قضاة يقفون بوجه سلطته فهو لم يعتد على ذلك.
يعتبر المحلّل السياسي أن هناك أحد الخيارين: إمّا أنه لحزب الله معلومات تثبت أن القاضي البيطار سيقوم باستدعاء عسكريين وأمنيين تابعين أو مقرّبين من الحزب، أو أن الحزب يستدرك الموضوع مسبقاً لأنّه بطبيعته، حسب دندشلي، يكون متحسّباً للخطوات المستقبليّة، وبالتّالي محاولة لجم الأمور وتفادي استدعاء البيطار لهؤلاء الأمنيين والعسكريين.
وأضاف دندشلي: “يكاد المريبُ أن يقول خذوني”، لافتاً إلى أنّه لو لم يكن لحزب الله دليل أنّه متورّط، فلن يلجأ إلى هذه الخطوة ولم يكن ليتوجّه إلى الشارع.
البيطار كان سيصل للحزب؟
يؤكد مصدر قضائي رفيع المستوى لـ”عربي بوست” أن الاستشراس من قبل حزب الله تجاه القاضي طارق بيطار هو محاولة استباقية من الحزب، خوفاً من وصول التحقيق إلى اتهام مباشر له، خاصة أن حزب الله وبالأدلة الدامغة هو من استجلب النيترات إلى مرفأ بيروت بهدف استخدامها في الحرب السورية بعد سحب السلاح الكيماوي من نظام الأسد نهاية العام 2013.
اضطر الحزب للبحث عن أسلحة أقوى في مواجهة المعارضة السورية والمناطق الخارجة عن سيطرته؛ لذا فإن الحزب يخشى أن التحقيق سيصل إليه وهو يقوم بحماية حلفائه من بوابة حماية نفسه لأن الحلفاء هم من شاركوا معه ولو بغض النظر في استجلاب نيترات الأمونيوم إلى لبنان وتخزينها في العنبر 12 في مرفأ بيروت.
وبحسب المصدر فإن حزب الله، عبر مسؤول أمنه الحاج وفيق صفا، أبلغ الرؤساء الثلاثة بالشخصي أن استمرار البيطار في مهامه سيكون مقابل بقاء الحكومة؛ لذا فإن ميقاتي يبحث عن تسوية لإزاحة البيطار عبر قرار وزير العدل مباشرة، لكنه قد يفشل ننتيجة تمترس وزير العدل خلف رئيس الجمهورية الرافض لإزاحة القاضي خوفاً من إحراج في البيئة المسيحية التي تعتبر نفسها المتضرر الأول من جريمة المرفأ.
الحزب: اقتلاع البيطار واجب
يستغرب “حزب الله” كيف “أن الوزراء وافقوا على مطالعة وزير الثقافة محمد وسام مرتضى القانونية داخل مجلس الوزراء، وأكدوا على المنحى الشعبوي والمسيّس لقرارات البيطار من دون اتخاذ أي إجراء يوقف عمله”.
ويقول مصدر في حزب الله لـ”عربي بوست” إنه هل المطلوب السكوت والتزام الصمت، بينما تظلم طائفة بأكملها وتتهم من دون وجه حق بمقتل 200 مواطن وتدمير عاصمة؟
ويؤكد الحزب أنه لن يقبل بتحميله جريمة المرفأ وبالتصويب عليه مهما كلف الأمر. ويرى أنه صحيح لم يُتهم حتى اللحظة أي من مسؤوليه أو نوابه أو وزرائه ولم يرد اسمهم في التحقيق، ولكن القرار الظني وفق ما توافر لديه من معطيات تكفي للبناء عليها، بدليل تصويبه على جهة واحدة دون أخرى وإصراره على توقيف أشخاص من دون الاستماع إليهم. استهداف البيطار واضح بالأدلة والبراهين من ناحية “حزب الله” فهل يسلّم ويرضى بما يطبخ له؟ وأن يكون من فجّر المرفأ هم الشيعة والمسلمون؟
ويرفض المصدر في حزب الله اعتبار موقفه تدخلاً في القضاء؛ لأن القضاء هو الذي يتصرف من خارج الأداء المطلوب منه، وهو المسيّس وهو الانتقائي؛ ولذا “فلن نقبل أن يُظلم أو توجه لنا اتهامات ظلماً وعدواناً. ولذا فجلسات الحكومة ستبقى معلقة إلى أن يتم إيجاد الحل”.
خطاب نصرالله “وأمر اليوم”
في آخر خطاب له، كان نصرالله واضحاً أنّه سيسعى إلى اقتلاع أو استبدال البيطار كونه مسيّساً ويجرّ البلد نحو الفتنة وانفجار الشّارع. ومن هنا، يقول الصحفي والكاتب المقرّب من حزب الله قاسم قصير إنّ ما أعلنه نصرالله تحذير لأن القاضي يتعامل مع الموضوع باستنسابية.
ويتابع قصير بالقول إنّ أداء البيطار في الفترة الأخيرة لم يكن مطمئناً مستنداً على كيفية الاستدعاءات واختيار الشخصيات التي يريد أن يحقّق معها كونها من فريق سياسي دون الآخر أو موجّهة نحو جهة معيّنة.
ولفت قصير إلى أنّ ما حدث اليوم في الشّارع “من اعتداء أو كمين على مواطنين كانوا يتّجهون للاعتصام السلمي” يكشف أن الوضع خطير ويحتاج إلى مقاربات جديدة. وأشار إلى أنّه قد يكون لحزب الله بعض المعلومات الخلفية وهذا ما يدفعه نحو اقتلاع البيطار من منصبه.
البُعد السياسي والحكومي
يعتبر المحلّل السياسي ربيع دندشلي أن اقتلاع البيطار أو التصويب عليه قد يتجاوز قضيّة المرفأ، فمن وجهة نظره، الموضوع قد يفتح على الحزب أبواباً قضائية أخرى لا يريد فتحها كالتّجار التابعين له مثلاً أو القادة الأمنيين.
وشدّد على أن المناوشة التي حصلت داخل اجتماع مجلس الوزراء بين وزراء الثنائي- حزب الله وحركة أمل- وإلى جانبهم وزراء حزب المردة، الذي يترأسه النائب السّابق سليمان فرنجية، خير دليل على أن للمسألة بُعداً سياسياً.
وفي السيّاق، يشير دندشلي إلى أن المشكلة السياسية قد تكون بين التيار الوطني الحرّ المدعوم من قبل رئيس الجمهورية، والذي يترأسه صهره النائب جبران باسيل من جهة، وبين حركة أمل من جهة أخرى، نظراً للخلاف التاريخي الواقع بينهم ويدعمه حزب الله، علماً أنه حليف التيار الوطني الحر.
وبالعودة إلى خطاب نصرالله وعن تسييس القضاء، يتساءل دندشلي عمن هو المقصود في هذا الاتهام؟ معلّقاً أنّه لا يعقل أن تكون الإدارة الأمريكية داعمة له، وإذا كان ذلك فلمَ التصويب داخل الحكومة ضد وزراء التيار الوطني الحرّ ورئيس الجمهورية؟
لذا، يرى دندشلي أنّ الموضوع قد يذهب باتجاه خلاف سياسي واقع وحاصل بين التيار العوني وحزب الله، خصوصاً أن التيار العوني يدافع عن القاضي بيطار.
نصرالله يحرج عون
يرى المحلل السياسي منير الربيع أن المُحرَج الأول أمام حزب الله هو رئيس الجمهورية، والثاني هو رئيس الحكومة. فعندما وجّه أمين عام حزب الله تساؤلات للقاضي البيطار: هل استمع لإفادة رئيس الجمهورية الذي أعلن استعداده للإدلاء بإفادته، من دون حاجته إلى رفع الحصانة عنه؟ كان نصرالله يشير ضمناً إلى عون. وهناك تصور يفيد أن رئيس الجمهورية يدعم البيطار إلى حدود بعيدة. وعندما وقع الخلاف في جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء 12 تشرين الجاري، قال عون: “لا يمكن للحكومة أن تتخذ قراراً بإقالة القاضي، لأن ذلك يعدّ تدخلاً في عمل السلطة القضائية، ويتعارض مع مبدأ فصل السلطات”.
ويُفسّر هذا الموقف بأن عون يدعم البيطار، ولكنه في المقابل يرفض إعطاء الإذن لملاحقة اللواء طوني صليبا المحسوب عليه. وهنا التناقض الأول والإحراج الأساسي.
أما الإحراج الثاني فسياسي، ويتعلق بعلاقة عون بحزب الله. فهناك تصور يعتبر أن جريمة المرفأ طالت بقوة المسيحيين، وهم يريدون التحقيق والحقيقة، فيما المسلمون لا يريدونها. وسير عون إلى جانب حزب الله يجعله محرجاً في بيئته. أما إذا عارض توجهات الحزب إياه، فتتعرض علاقته به لتداعيات سلبية.
يعتبر الربيع أنه وبناء عليه أصبحت الحكومة في وضع لا تحسد عليه. وعلى الرغم من سياسة التسويف والتأجيل والترقيع، تظل الحكومة مهددة في أي لحظة بشلّ عملها، أو لأن تكون أسيرة حسابات سياسية تختلف مع توجهاتها.
خصوم عون يعتبرون أن التحقيقات تستهدفهم، ويتهمونه بمحاولات التأثير على القضاء للانتقام منهم وتطويقهم، والرئيس نبيه برّي يعتبر أن المسألة أصبحت شخصية وهدفها النيل منه؛ أما حزب الله، الحليف الوثيق لعون، فلا يمكنه القبول باستمرار البيطار، ولا بأي قاضٍ يعمل بالطريقة التي قد تؤدي إلى توقيف شخصيات شيعية قريبة منه.
شبح الحرب الأهلية يطارد لبنان.. هل يخرج العداء التاريخي بين “القوات” وحزب الله عن السيطرة؟
أثارت مشاهد إطلاق النار والقذائف في شوارع بيروت الفزع؛ خوفاً من عودة شبح الحرب الأهلية إلى لبنان، فماذا حدث؟ وما قصة “القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع، التي اتهمها حزب الله بالبدء بإطلاق الرصاص؟
الأحداث الدامية بدأت ظهيرة اليوم الخميس 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما أطلق “مجهولون” النار على محتجين مشاركين في مظاهرة دعا إليها حزب الله وحركة أمل أمام قصر العدل (مقر وزارة العدل اللبنانية)؛ للمطالبة بعزل القاضي المسؤول عن التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.
كان مرفأ بيروت قد تعرض لانفجار هائل مطلع أغسطس/آب من العام الماضي، أودى بحياة 217 شخصاً وأصاب نحو 7 آلاف آخرين، فضلاً عن أضرار مادية هائلة في أبنية سكنية وتجارية. ووقع الانفجار في العنبر رقم 12 من المرفأ، الذي تقول السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طناً من مادة “نترات الأمونيوم”، كانت مصادَرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014.
ويتصاعد التوتر السياسي بشأن التحقيق في انفجار المرفأ، إذ يدعو حزب الله إلى عزل قاضي التحقيقات طارق بيطار، متهماً إياه بالتحيز. ويريد بيطار استجواب عدد من كبار السياسيين ومسؤولي الأمن، ومنهم حلفاء لحزب الله، بسبب الإهمال الذي أدى إلى انفجار المرفأ.
وينفى جميع من يتهمهم بيطار ارتكاب أي جريمة. وعلى الرغم من أن التحقيق لا يشمل أياً من أعضاء حزب الله فإن الجماعة تتهم بيطار بإجراء تحقيق مسيس يركز على ناس معينين فحسب.
ومن بين هؤلاء بعض أقرب حلفاء حزب الله ومنهم شخصيات بارزة في حركة أمل الشيعية كانوا يشغلون مناصب وزارية. وأوضحت وثائق أن محكمة لبنانية رفضت، اليوم الخميس، أحدث دعوى بحق بيطار، مما يسمح له باستئناف العمل.
أين وقعت الاشتباكات؟
قال الجيش اللبناني، في بيان له، إن المتظاهرين تعرضوا لإطلاق نار في منطقة الطيونة ـ بدارو، مضيفاً أنه سارع إلى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها، وباشر البحث عن مطلقي النار لتوقيفهم.
وعلى مدى ساعات، تواصَل إطلاق نار كثيف في منطقة الطيونة والشوارع السكنية الداخلية، وكذلك في منطقتي الشياح (أغلبية شيعية) وعين الرمانة (أغلبية مسيحية)، وتقع الطيونة على تقاطع بين عين الرمانة والشياح.
وقال الجيش اللبناني في بيان، إن إطلاق النار استهدف المحتجين في أثناء مرورهم عبر ساحة الطيونة الواقعة في منطقة فاصلة بين الأحياء المسيحية والشيعية. وقال حزب الله وحليفته حركة أمل الشيعية، إن مسلحين أطلقوا النار على محتجين من أسطح مبانٍ في بيروت مصوّبين النار على رؤوسهم، في هجوم قالتا إنه استهدف “جر البلد لفتنة”.
ولاحقاً، أفاد شهود لـ”رويترز” بانتشار مسلحين مؤيدين لـ”حزب الله” و”أمل”، وإطلاقهم النار باتجاه أبنية يشتبه في أنه حصل منها إطلاق النار على المظاهرة بالمنطقة القريبة من مقر “قصر العدل” في بيروت. وأدت تلك الاشتباكات الدموية إلى سقوط 6 قتلى وإصابة 33 شخصاً آخرين، بحسب بيانات من الجيش ومسؤولي الصحة اللبنانية.
المنطقة التي شهدت تبادل إطلاق النار هي أحد خطوط التماس في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في عام 1975، وهو ما يلقي الضوء على عمق الأزمة السياسية المتعلقة بالتحقيق في الانفجار الكارثي ويقوض جهود الحكومة لمواجهة إحدى أبرز حالات الانهيار الاقتصادي في التاريخ.
وأعادت المشاهد إلى الأذهان الحرب الأهلية في البلاد، إذ بثت قنوات التلفزيون المحلية مقاطع لرصاصات ترتطم بالمباني وترتد عنها وأشخاص يهرولون بحثاً عن مكان للاختباء. وقال مصدر عسكري إن واحدة من الضحايا امرأة أصيبت بطلق ناري أثناء وجودها في منزلها، مضيفاً أن جميع القتلى حتى الآن من الشيعة. وقال شاهد من رويترز، إن المدرسين في مدرسة قريبة طلبوا من الأطفال الاستلقاء ووجهوهم إلى الأرض وأيديهم على رؤوسهم.
ما قصة “القوات اللبنانية” التي يتهمها حزب الله؟
وفي بيان تعليقاً على الأحداث الدامية، وجّه حزب الله اتهاماً مباشراً لحزب “القوات اللبنانية”، إذ قال إن “مسلحين من حزب القوات اللبنانية المسيحي هاجموا محتجين من الجماعة ومن حركة أمل.
وقال الحزب الشيعي المدعوم من إيران، في بيانه: “مجموعات من حزب القوات اللبنانية انتشرت في الأحياء المجاورة وعلى أسطح البنايات ومارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمد”.
بينما رد سمير جعجع، رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات، بالقول إن “السبب الأساسي لهذه الأحداث هو السلاح المنفلت بأيدي البعض”، في إشارة مباشرة إلى حزب الله، مضيفاً أن “السلم الأهلي هو الثروة الوحيدة المتبقية وعلينا التعاون للوصول إليه”.
ولا يعتبر هذا العداء بين حزب القوات اللبنانية ورئيسه جعجع من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، وليد الخلاف الحالي بشأن الموقف من بيطار قاضي التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، بل هو عداء ترجع جذوره وبداياته إلى سنوات الحرب الأهلية وما تلاها.
وحزب القوات اللبنانية الحالي هو بالأساس منظمة عسكرية أسسها عام 1976 بشير الجميّل كي تكون الذراع العسكرية للجبهة اللبنانية، وهي أحد أطراف الحرب الأهلية ويهيمن عليها المسيحيون، وقال مؤسس القوات وقتها إن السبب لـ”تأسيس القوات اللبنانية تنظيمي وتحضيري؛ تحسباً لتحديات عسكرية تحيط بمسيحيي لبنان”.
وكانت “القوات اللبنانية” أحد أبرز الأطراف في الحرب الأهلية بلبنان، التي استمرت نحو 15 عاماً وشهدت تبدلات في التحالفات، إذ قامت معارك بين “القوات” من جهة والجيش بزعامة ميشال عون (الرئيس الحالي) رغم كونهما ينتميان إلى المسيحيين وكانا متحالفين في بداية الحرب. والأمر نفسه ينطبق على “حرب الإخوة” بين حركة أمل (مدعومة من سوريا) وحزب الله (مدعوم من إيران) عام 1988، والتي شهدت تقسيم المناطق الشيعية بينهما.
لكن العداء بين القوات اللبنانية من جهة وحزب الله وحركة أمل من جهة أخرى لم يشهد أي تحسن على الإطلاق، بل جاء اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان ليعمق ذلك العداء. فقد نص الاتفاق على نزع أسلحة جميع الحركات والميليشيات اللبنانية والبدء في تشكيل الجيش الوطني اللبناني، مع استثناء حزب الله من ذلك الاتفاق؛ لكونه “سلاح المقاومة” في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد اتفاق الطائف، الذي دعمه سمير جعجع وعارضه ميشال عون (الرئيس الحالي) ما تسبب في قتال شرس بين قوات الجانبين، دخل جعجع في نزاع مع النظام السوري برئاسة حافظ الأسد (وكانت وقتها سوريا لاعباً رئيسياً في لبنان)، ما أدى إلى خضوع زعيم “القوات” للمحاكمة في تهم عديدة، منها اغتيال رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي في 1987.
ورغم نفي جعجع جميع التّهم، تمت إدانته وحُكم عليه بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى السجن مدى الحياة. وقضى جعجع 11 سنة في زنزانة داخل مبنى وزارة الدفاع اللبنانية، وخرج بعفو من البرلمان عام 2005، بعد خروج الجيش السوري من لبنان.
“القوات” وعداء دائم مع حزب الله
ومنذ خروج سمير جعجع من السجن وعودته لقيادة حزب القوات اللبنانية، كان موقفه ثابتاً في انتقاد “سلاح حزب الله”، معتبراً إياها قضية جوهرية لفرض مفهوم الدولة اللبنانية وحصر السلاح بيد الدولة، وهو الموقف نفسه الذي كرره اليوم في أعقاب الاشتباكات الدامية.
ولحزب القوات حالياً 17 مقعداً في المجلس النيابي اللبناني، كما شاركت “القوات” في الحكومات اللبنانية المتعاقبة. ويمثل جعجع أبرز المعارضين المسيحيين لحزب الله، ويتهمه منتقدوه بأنه يتلقى دعماً من السعودية والولايات المتحدة.
وأمس الأربعاء، رفض جعجع ما وصفه بأنه أي خضوع “للترهيب” من جانب حزب الله، داعياً اللبنانيين إلى الاستعداد لإضراب سلمي إذا حاول “الطرف الآخر” فرض إرادته بالقوة، وذلك على خلفية الصراع الدائر حول قاضي التحقيق في تفجير المرفأ، وهو ما أدى إلى أحداث اليوم الدامية.
وقال الخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط، لوكالة سبوتنيك الروسية، إن “الذي حصل اليوم في الطيونة من الواضح أن هناك فريقاً يريد أن يمارس حقه الدستوري بالتظاهر والتعبير عن رأيه برفض سلوكيات المحقق العدلي، طارق بيطار، وفريق يريد أن يمنعه بالقوة من ممارسة هذا الحق، كان للفريق الذي ينتمي إلى (حركة أمل) و(حزب الله) و(تيار المردة) أن يمارس حقه المشروع بالتظاهر بشكل سلمي ويسلك الطريق الذي نظمت قوى الأمن الداخلي السير فيها بموجب قرارات إدارية ومنعت وقوف السيارات، وكان كل ذلك بعلم القوى الأمنية وفقاً للقانون”.
واستدرك حطيط قائلاً: “ولكن هناك قناصين من جهة معروفة رفضت هذا السلوك من قبل المعترضين على القاضي طارق بيطار، وأرادت أن تمنع التظاهرة السلمية ولجأت رغم وجود الجيش اللبناني في المنطقة إلى استعمال السلاح وإطلاق النار، وأصابت وجرحت وقتلت بعض الأشخاص من المظاهرة السلمية”.
وأشار حطيط إلى أن “الوضع في لبنان مفتوح على كل الاحتمالات، ولا يمكن لأحد أن يدّعي أن يبقي الأمور تحت السيطرة، ولذلك اليوم عندما شاهدنا النار تنطلق من عين الرمانة على مستديرة الطيونة عادت الذاكرة مباشرة إلى 13 أبريل/نيسان 1975 (بداية الحرب الأهلية)، وطرح السؤال: هل سيكون 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بمثابة 13 أبريل/نيسان 75؟”.
ولكن إميل لحود النائب السابق في البرلمان اللبناني، كان أكثر تفاؤلاً، إذ قال للوكالة الروسية إن هناك رغبة وحلماً لدى كثيرين ممن كانوا متزعمين في أيام الحرب الأهلية بلبنان، بأن ترجع الحرب الأهلية المشؤومة، ليأخذوا دورهم في البلاد.
ويرى لحود أن “هذه الرغبة لن تتحقق، لأن هناك أطرافاً واعية في الجهة الأخرى، وتعرف وتعي مخاطر هذه المرحلة ولن تنجر إلى هذا المخطط الجهنمي، وأقصد قوى المقاومة، وهي بالتأكيد لن تنجر إلى هذا الدرك، لكن هذا لا يعني السكوت عن هذه الأمور، ولنترك العدالة والقضاء الفعلي يحقق ويأخذ قراره في هذا المجال”.