اليوم الخميس تحمل الطائرة «إير فورس وان» الرئيس الأميركي جو بايدن ليحط في روما للمشاركة في قمة مجموعة العشرين الصناعية. سيشارك الرئيسان الروسي والصيني في القمة عبر الفيديو، وقد يكون هذا الغياب لمصلحة الولايات المتحدة أو تضييعاً لفرصة، خصوصاً مع الصين، لأن الدولتين على خلاف متزايد بشأن التجارة والوصول البحري إلى بحر الصين الجنوبي وتهديد بكين المتزايد لتايوان، ولذلك بسبب التوتر بين البلدين قد يكون من الصعب على قمة العشرين التوصل إلى توافق.
يوم الخميس الماضي قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان ولديها التزام بالدفاع عن الجزيرة التي تدعي الصين أنها ملك لها، في وقت لاحق أوضح البيت الأبيض أنه ليس هناك تغيير في السياسة تجاه الجزيرة. وكان بايدن قال في رد على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان التي اشتكت من تصاعد الضغوط العسكرية والسياسية من بكين لقبول السيادة الصينية «نعم، لدينا التزام للقيام بذلك». وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن «العلاقات الدفاعية الأميركية مع تايوان تسترشد بقانون العلاقات مع تايوان. وسوف نتمسك بالتزامنا بموجب هذا القانون، وسنواصل دعم الدفاع الذاتي لتايوان، ومعارضة أي تغييرات أحادية الجانب. على أي حال أعربت الصين عن استيائها، حيث قال متحدث باسم وزارة الخارجية إن بكين ليس لديها مجال لتقديم تنازلات بشأن مصالحها الأساسية. ووصف البعض تصريح بايدن بأنه «زلة» وقالوا إنه «غير صحيح بشكل واضح» أن واشنطن لديها التزام بالدفاع عن تايوان، وأن تلك السياسة الأميركية المشوشة تضعف الردع.
إن التوترات العسكرية بين تايوان والصين في أسوأ حالاتها منذ أكثر من 40 عاماً، وكان وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشنغ قال هذا الشهر، إن الصين ستكون قادرة على شن غزو «واسع النطاق» بحلول عام 2025. تعتبر بكين الجزيرة كواحدة من مقاطعاتها. وتعهدت الرئيسة تساي إنغ ون، خلال خطابها يوم الأحد في العاشر من الشهر الحالي بمناسبة الاحتفالات بالعيد الوطني لتايوان، بمقاومة الضم من قبل الصين. قالت تساي: «نأمل في تسهيل العلاقات عبر المضيق ولن نتصرف بتهور، لكن يجب ألا تكون هناك أوهام على الإطلاق بأن الشعب التايواني سوف يرضخ للضغط». وأعقب خطابها استعراض نادر لقدرات تايوان الدفاعية، بما في ذلك الصواريخ والعربات المدرعة المنتجة محلياً. وتابعت تساي: «سنستمر في تعزيز دفاعنا الوطني وإظهار تصميمنا على الدفاع عن أنفسنا من أجل ضمان عدم قدرة أي شخص على إجبار تايوان على السير في المسار الذي وضعته الصين لنا».
جاء خطاب تساي شديد اللهجة مع استمرار تصاعد التوترات عبر المضيق، وسط مخاوف متزايدة من توغل عسكري. قبل يوم واحد فقط من تصريحات تساي، تحدث الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يضغط منذ فترة طويلة على المجتمع الدولي لعدم الاعتراف بسيادة تايوان، في خطاب متلفز في بكين بأنه «يجب الوفاء بالمهمة التاريخية لإعادة التوحيد الكامل للوطن الأم، ويمكن تحقيقها بالتأكيد. أولئك الذين ينسون أسلافهم، أو يخونون الوطن الأم أو يقسمون البلد، محكوم عليهم دائماً بالفشل. وبالتأكيد سيرفضهم الشعب وسيحكم عليهم التاريخ». وأضاف شي أن «إعادة التوحيد الوطني» بالوسائل السلمية يخدم على أفضل وجه مصالح الأمة الصينية ككل.
يمثل ذلك نبرة تصالحية إلى حدٍ ما، مقارنة بتصريحاته في يوليو (تموز) الماضي خلال الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني، عندما تعهد بـ«تحطيم» أي محاولة لاستقلال تايوان رسمياً. كان خطاب شي الأخير «معتدلاً نسبياً، وحتى عادياً»، مما يشير إلى أن الزعيم الصيني لا يريد أن يرى المواجهة المتوترة بالفعل تخرج عن نطاق السيطرة. لكن التهديد الذي يلوح في الأفق بنشوب صراع، ما زال قائماً، حيث سبق تصريحات شي استعراض غير مسبوق للقوة في الفترة التي سبقت الذكرى المئوية، إذ قامت بكين بما يصل إلى 56 طلعة جوية في منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، ونشرت ما يقرب من 150 طائرة مقاتلة هذا الشهر، مما أجبر الطائرات التايوانية على التدافع رداً على ذلك. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه «عندما أجرى مراقب الحركة الجوية للطائرات القتالية التايوانية اتصالاً لاسلكياً مع طائرة صينية، رفض الطيار الصيني التحدي بفظاظة شاتماً فيها والدة المراقب».
تسلط هذه التفاصيل الصغيرة، ولكن المهمة، الضوء على التوترات المتأججة التي يمكن أن تشعل صراعاً أوسع، ليس فقط مع تايوان، ولكن أيضاً مع الولايات المتحدة. قال داني راسل، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي في عهد إدارة أوباما لـ«نيويورك تايمز»: «هناك القليل جداً من العازل المتبقي على الأسلاك في العلاقة، وليس من الصعب تخيل حدوث تقاطع في بعض الأسلاك، مما يؤدي إلى اندلاع حريق».
في ردٍ مباشر على خطاب شي، أشار المكتب الرئاسي التايواني إلى أن المشاعر الشعبية في تايوان تتعارض مع إطار «دولة واحدة ونظامين»، الذي لا يضمن حرية وديمقراطية الشعب التايواني. في محاولة لتوضيح هشاشة هذا الإطار لم يكن المتحدث باسم الرئاسة كزافييه تشانغ مضطراً للبحث بصعوبة عن مثال، لأنه عبر المضيق في هونغ كونغ، تم إخماد الاحتفالات المتعلقة بذكرى «ثورة شينهاي» بعد أن حذر رئيس أمن المدينة من أن أي احتفالات قد ترقى إلى الانفصال بموجب قانون الأمن القومي الجديد. يوم الأحد العاشر من أكتوبر (تشرين الأول)، تحصن الضباط ووقفوا حراساً خارج المواقع التاريخية، حيث كان الأب المؤسس لجمهورية الصين، سون يات صن، يعيش ذات يوم. لم تكن هذه الآثار الوحيدة التي تم محوها، بل في جميع أنحاء المدينة. كما طالبت الصين جامعة هونغ كونغ بإزالة «عمود العار»، وهو تمثال لإحياء ذكرى ضحايا مذبحة ميدان تيانانمن، الذي ظل قائماً في الحرم الجامعي منذ 24 عاماً. بالنسبة إلى المراقبين في تايوان، تعد هونغ كونغ بمثابة قصة تحذيرية للقمع الاستبدادي المتزايد الذي تمارسه بكين على حرية التعبير والاستقلالية، وتوفر المزيد من الحافز، إذا لزم الأمر، للبقاء حازمين في مقاومتهم لضغوط «البر الرئيسي».
في المقابل، يذكرنا البعض بأن وضع تايوان المستقبلي غير المحدد كان مسألة اتفاق ضمني بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية منذ أن ذهب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى بكين في عام 1972 واجتمع مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، لكنه في الواقع أقل إشكالية مما قد يبدو، لأن تايوان، مع أدنى معدل مواليد لأي كيان سياسي في العالم، سوف تتلاشى حقيقة على مدار الخمسين عاماً المقبلة. يبلغ معدل الخصوبة الإجمالي فيها طفلاً واحداً تقريباً لكل أنثى. يبلغ عدد سكان تايوان اليوم 23 مليون نسمة، أي أقل من مدن البر الرئيسي الكبرى مثل تشنغدو أو تشونغكينغ أو شنغهاي. سيقلل تراجعها الديموغرافي من أهميتها النسبية بمرور الوقت. صحيح أن دخل الفرد في تايوان أعلى من دخل الفرد في البر الرئيسي، لكن العبء المتوقع لا يزال مروعاً. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو 33402 دولار أميركي، وهو أعلى بكثير من المتوسط الصيني، ولكنه يقارب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في مدينة شينزين الصينية عالية التقنية.
ومع ذلك، لا تزال الحرب على تايوان تشكل خطراً كبيراً خلال السنوات العديدة القادمة. إذا نشرت واشنطن قوات في الجزيرة، أو اتخذت خطوات أخرى لتأسيس سيادة تايوان، فمن المحتمل أن تستولي الصين على الجزيرة. مما قد يترتب على ذلك ما تم تصويره في رواية «2034» من قبل قائد قيادة المحيط الهادي السابق جيمس ستافريديس وإليوت أكرمان: «تبادل نووي يمحو عدداً قليلاً من المدن الصينية والأميركية بلا منتصر». لقد جمعت الصين ترسانة من عدة مئات من الصواريخ المدمرة للسفن والأقمار الصناعية، ناهيك عن المركبات الانزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ويمكنها حمل أسلحة نووية في أي مكان في العالم.
إن شعار «الرومانسية للممالك الثلاث» حقيقي اليوم كما كان عندما تم تأليف الملحمة الوطنية للصين في القرن الرابع عشر: «الإمبراطورية، المنقسمة منذ زمن طويل، يجب أن تتحد، والمتحدة منذ زمن طويل، يجب أن تتقسم». هكذا كان وما زال وضع الصين.
إن الحرب على تايوان، التي ستتضاءل أهميتها مع مرور الوقت مع تناقص عدد سكانها، ستكون أكبر حرب يتم خوضها على أصغر محتوى في التاريخ المسجل. ومع هذا لا ينبغي للولايات المتحدة بأي حال من الأحوال أن تتخلى عن تايوان. يجب أن ترفع تكلفة التوغل الصيني المحتمل من دون دفع الصين إلى الزاوية التي ستندفع من خلالها عسكرياً.
لا يمكن لأميركا الفوز في حرب تقليدية على بعد 80 ميلاً من الساحل الصيني، لكن يجب أن تدرك الصين أن استخدام القوة ضد تايوان ستكون له عواقب وخيمة، بما في ذلك مقاطعة التجارة الخارجية. وهذه نقطة ضعف السياسة الصينية.
أعطت الجائحة الدرس الأخير لهذا العالم: التحدي الأكبر لمستقبل البشرية ليس السلاح ولا الخطر النووي، بل هو البيئة. لا حياة على الكوكب من دون بيئة نظيفة، وجرثومة غير مرئية يمكن أن تشكّل خطر إبادة كونياً. وخطر البيئة المهددة لا يعرف حدوداً ولا أسواراً ولا حصراً. بالإضافة إلى ملايين الضحايا، دمّر اقتصادات العالم ونشر البطالة والفقر وأهلك صناعات وتجارات كثيرة.
أهم ما في مبادرة السعودية، الأولى على هذا المستوى منذ الجائحة، أنها أيضاً عابرة للحدود. لا نفع في خير لا يشمل جيرانك وجوارك. والرؤية هي استباق، لا سباق، صحّة البيئة لم تعد تَرفاً. إنها مصير الأوطان والشعوب. ولم يعد في إمكان الدول أن تعيش بمحدوديات الماضي. هذه هي خلاصة النموذج الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في العناوين الكبرى التي تشملها رؤية الأمير محمد ولي عهده.
لم تعد السياسة كل شيء في حياة الأمم. هناك أولويات وأهميات أكثر إلحاحاً وضرورة. وإذا كان الملك سلمان، قد أشرف في نصف القرن الماضي على أوسع حركة عمران وتحديث في تاريخ المملكة، فإنه يرعى اليوم إطلاق العملية الانتقالية نحو العصر المقبل، القائم على معطيات وحقائق فرضت نفسها على تطور العالم على نحو مذهل. سوف تنضم دول كثيرة إلى المبادرة. كان وليام بالغريف أول رحّالة غربي يصل إلى الرياض في القرن التاسع عشر. وعندما وقف على أسوارها قال: «رأيت هنا الكثير من الخضرة بعد مسار طويل في العراء».
الخضرة أولاً، الخضرة دائماً. لون الحياة والأمل. ولون الإنجاز المستديم. قد يكون كل ما نراه لغة جديدة على أمثالنا وصوراً جديدة ومنطقاً جديداً. وبعض الأشياء تبدو لي شخصياً وكأنها مشاهد من فيلم خيالي، بل هناك لغة جديدة علينا أن نتآلف معها، لكي ندرك أين أصبحنا.
كانت الجائحة درساً، أو مجموعة دروس هائلة. فالإنسان الذي هددت حضارته جرثومة رهيبة غير مرئية، هو أيضاً الذي صنع في سرعة قياسية لقاحاً مانعاً وأدوية شافية. وهو أيضاً جاء من الصين وروسيا وأميركا والمانيا إلى جبهة واحدة لمحاربة عدو واحد. ذلك هو العصر الذي دخلناه: عالم يجب ألا يفقد خضرته لكي لا يفقد حياته.