زادت صادرات الماشية الحية إلى الشرق الأوسط بثبات على مدار العقدين الماضيين، خاصة من أوروبا. وزادت التجارة إلى مصر والأردن، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية بكثافة في الخمسة عشر عاماً الأخيرة. وبين عامي 2016 و2017 زادت واردات تركيا من الماشية من 600 مليون دولار إلى 1.2 مليار دولار في عام 2017.
هناك عدة أسباب لهذه الزيادة، لكنها ترجع بالأساس إلى زيادة الطلب على اللحوم ومنتجات الألبان، والمناخ الذي ترتفع حرارته بوتيرة سريعة في الشرق الأوسط، ما يمثل ضغطاً على الأمم ذات الموارد المائية المحدودة. هذه الأمم التي يمكنها تحمل التكلفة السياسية والمالية تبحث على نحو متزايد عن حلول تُجنّبها تربية الحيوان منذ ولادته، وهو الخيار الأكثر كلفة على الموارد المائية، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
شكل السوق العالمي يتغيّر
يستمر السكان المتنامون في العدد في طلب اللحوم الطازجة المذبوحة حديثاً، وبالتالي تميل دول الشرق الأوسط لاستيراد الحيوانات الحية لتلبية هذا الاحتياج، وهم بذلك يغيرون شكل السوق العالمي.
إنها منطقة عادة ما تُرى فيها اللحوم على أنها رمز لقدرة العائلة على تحمل تكاليف الحياة، وتقديم اللحم لضيف جائع هو علامة على كرم الضيافة. بالإضافة إلى عيد الأضحى، حيث تُضحي العائلات الميسورة ببقرة أو خروف أو ماعز، وتوزع اللحوم بين العائلة والأصدقاء والجيران والمحتاجين.
وتضخَّم الطلب أيضاً بفعل الطبقة المتوسطة المتزايدة في العدد في الشرق الأوسط، إلى جانب زيادة نمو السكان ككل.
تقول إميلي هاوثرون، التي تعمل في شركة «ستراتفور» للتحليلات: «شهدنا زيادةً واضحة في شريحة الطبقة المتوسطة في أنحاء الشرق الأوسط على مدار العقدين الأخيرين». وأضافت أن الخروف الحي، والأفضل منه البقرة أو الماعز تحمل دلالات على منزلة الشخص أو العائلة «في عيد الأضحى، بالإضافة إلى حفلات الزفاف والاحتفالات، وأن زيادة (عدد أفراد) الطبقة المتوسطة في الشرق الأوسط لها دور كبير في هذا. فهذا مثلاً السبب وراء الدور الهائل الذي نشهده لدول الخليج في صادرات الحيوانات الحية من أستراليا، ونيوزيلندا، وباكستان».
طبّقت أستراليا مؤخراً حظراً مدته 3 أشهر على الصادرات الحية إلى الشرق الأوسط، بعد ضجة بسبب مخاوف متعلقة بالرفق بالحيوان. لكن عندما تنسحب دولة مصدرة تتقدم أُخريات. تقول هاوثرون: «وسط زيادة الطلب من قطر، والإمارات، والكويت، ودول الخليج الأخرى من أجل عيد الأضحى، تسد دول أخرى الفجوة في العرض». وذكرت الهند وباكستان وإيران باعتبارها دولاً مصدرة محتملة للحيوانات الحية، ترغب في التقدم عندما تنسحب أستراليا والمصدرون الكبار الآخرون. وتضيف: «صادرات الحيوانات الحية هي أحد الأشياء التي ترى فيها الناس يحتاجون استيراد ما تطلبه المجتمعات، بغض النظر عن الميول السياسية».
ما دور الاحترار العالمي في هذه التجارة الضخمة؟
من المفارقات أن الاحترار المناخي له دور أيضاً في هذه التجارة، إذ تجعل قلة المياه في الشرق الأوسط من الأرخص استيراد الحيوانات بدلاً من تربيتها منذ ولادتها. تشرب الأبقار الحلوب، وهي سلعة مستوردة شائعة من الولايات المتحدة وألمانيا، من 30 إلى 50 غالوناً من المياه يومياً (113-170 لتراً)، وتستهلك الأبقار الأكثر إنتاجاً المزيد من المياه.
تستهلك الأبقار التي تُربّى من أجل اللحم مياه أقل نسبياً، لكن الكمية الكلية كافية لدفع الدول التي تندر فيها المياه للبحث عن طرق أخرى لتقصير الوقت الذي يجب عليهم فيه الاعتناء بالحيوانات، بينما يستمرون في جني المنافع لصناعات اللحوم لديهم.
تقول هاوثورون: «قلة المياه في دول الخليج مشكلة كبيرة، وستزداد سوءاً مع زيادة السكان»، مضيفة: «الحقيقة هي أنهم لا يستطيعون دعم (تربية) المواشي والزراعة، اللتين تستهلكان الكثير من المياه على أراضيهم. وهذا يعني أن الوقت الذي تُبقي أثناءه على المواشي (لديك) هو عامل مهم. إنه مكلف، يمكنك فقط إبقاءها بها لفترة مؤقتة».
التحايل في بيع الماشية كمنتج محلي
قال أحد المسؤولين الأمريكيين، على دراية بالصناعات الزراعية في الشرق الأوسط، إن الدول في أنحاء المنطقة تستورد عادة الماشية التي تُذبح للحوم قبل 6 أشهر من موعد ذبحها، وفي فترة من حياة الحيوان تكون تكلفة تغذيته أقل. وبالتأكيد تربية حيوان في المرحلة الأخيرة فقط من حياته توفر كثيراً في استهلاك المياه، وهذا عامل إيجابي رئيسي للدول ذات الموارد المائية المحدودة في الخليج وشمال إفريقيا.
وقال موضحاً بمثال: «السودان هو أكبر مورد منفرد للحيوانات الحية -الأبقار في الأغلب- لمصر». وفي مصر، وضعت الحكومة رسوماً إضافية على اللحوم المحلية، ويستورد المنتجون الأبقار في عمر 12 شهراً، ويربونها لمدة 6 أشهر فقط قبل الذبح، لكي يوفروا المياه والطعام الغني بالعناصر الغذائية الذي تتطلبه المراحل الأولى في حياة الحيوان. وأضاف: «يمكن لأصحاب مزارع الأبقار بيعها في السوق، قائلين إن هذا المنتج هو لحم مصري، لكن مع وجود المياه والتغذية السودانية فإن مصر تنفق أموالاً أقل على هذين الموردَيْن».
وربما يصبُّ أسلوب التحايل هذا في مصلحة ادعاءات السلطات بأنها تساعد المنتجين المحليين. يُفسر المسؤول: «هناك عدة برامج لزيادة الإنتاج الحيواني المحلي. عن طريق استيراد الحيوانات بعد تربيتها لفترة في السودان، وتربيتها لمدة 6 أشهر (في مصر)، ثم بيعها بوصفها لحماً مصرياً، ويمكن للحكومة أن تقول: «انظروا نحن نساعد المزارعين المصريين».
التعامل مع الماشية المستوردة
لكن بينما تكبر هذه التجارة تصبح القضايا المتعلقة بإدارة المجازر والإشراف عليها في المنطقة أكثر إلحاحاً. كشف تفتيش في عام 2014 من منظمة Compassion in World Farming بالتعاون مع منظمة Animals Australia لقطات لحيوانات مُصدَّرة من الاتحاد الأوروبي، تُعامَل بعنف في المجازر في الضفة الغربية، والأردن، ولبنان، وتركيا، ومن هذه الممارسات سحب الحيوان من مكان لآخر من ذيله، أو حتى من مقلة العين، وهو أمر يخالف مبادئ الذبح في الشريعة الإسلامية.
يقول ستيفينسون: «تنادي آداب الذبح الدينية التقليدية بقطع واحد سريع لكل الأوعية الدموية الأساسية، حتى يفقد الحيوان دمه ويموت سريعاً، لكن في بعض الأحيان تتلقى الحيوانات أكثر من طعنة، وأكثر من قطع في الرقبة قبل أن تفقد وعيها… رأينا في المجزر أنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع الماشية، إنهم يخافون منها».
لكن التغيير في الطريق. في تركيا، أدى العمل المستمر من منظمة Eyes On Animals والجماعات الأخرى إلى تقبل فكرة استخدام الصعق في بعض المجازر، وفي أكتوبر/تشرين الأول، من العام الماضي، أعلنت الجماعة الإسماعيلية التركية، أكبر جماعة إسلامية في تركيا، أن صعق الحيوانات قبل ذبحها مقبول وحلال