| مقال رأي
من الممكن أن تضعهُنَّ جميعاً من الجنسية من فئة جنسية واحدة: سيدات. وفي فئة مهنية واحدة: مراسلات. وفي هوية واحدة: عربيات. وفي مهمة واحدة، تغطية حروب العرب.
كتاب «نساؤنا في الميدان» الصادر عن «بنغوين» في لندن، قدمت له أشهر مراسلة في العالم اليوم، كريستيان أمانبور، وأشرفت على جمعه زهرة حنكير. عشرون مراسلة عربية يستعدن تجاربهن في أحزان ومآسي العرب، عبر الحروب والقلاقل التي قمن بتغطيتها خلال 20 عاماً: طفل يشرب من مياه موحلة في اليمن، شاب يحرق نفسه في تونس من أجل ربيع عربي لا يزهر، وزوج، مراسل هو أيضاً، يسقط قتيلاً فوق ظهر حصانه في حرب سوريا: الزوج لبناني الأصل (أنطوني شديد) والزوجة لبنانية، ندى بكري، وكلاهما يعملان لمحطات وصحف غربية، مثل جميع المشاركين في الكتاب.
أحزان. أطفال. مراكب تغرق بلاجئيها. موت على جوانب الطرق. مجاعات وعطش وأسمال بالية. وأحباب يفترقون. وصراخ وعويل وأيتام وموت. وهرب. وتنكيل. وقساوة. وخوف. الكثير من الخوف. في كل مكان. ليس خوف الناس فقط بل خوف المراسلة. ثم الخوف منها أيضاً.
تبلغ نور ملص السلطات في دمشق أنها مجرّد مراسلة. لا مواقف ولا تحيّز. لا مع الثورة ولا ضدها. ذات مساء يدعوها قريبان إلى العشاء للتعرّف على بعض أفرد العائلة. ذهبت إلى منزل الزوجين لتكتشف أن كلّ ما توقعته كان صحيحاً: لم يحضر من المدعوين الستة أحد. فالمكرّمة ليست فقط سورية، بل سورية أميركية. وثالثة الأثافي أنها صحافية أيضاً. لا أختي. لا ستي. ومثال غوار الطوشة في حمّامه الشهير نقلاً عن شكسبير: «خيو، الباب اللي بتجي منو الريح، سدو واستريح» وكمالته بالألمانية «لا مين شاف ولا مين دري».
إنه الشرق، أيها الأخوة. وكلنا «كلن يعني كلن» في الهم شرق، على ما روى الرواة. وهل يكتمل كتاب أحزان من هذا النوع من دون رسالة من العراق ورسالة من ليبيا. وها هي ناتاشا يزبك مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية، تذكرنا بصورة الطفل الكردي المهاجر الذي عثر عليه ميتاً في الرمل على الساحل التركي. فماذا فعل العالم أمام هذا المشهد: قام وقرأ بياناً مبللاً بالدموع، ثم استسلم للنوم من شدّة الحزن. وما هي لائحة الممنوعات على حواجز التفتيش في العراق، كما تعددها جين عراف؟ طويلة اللائحة. منها ممنوع صورة لخريطة العراق أو صور الأعضاء الحميمية في الإنسان. كتابكم جميل أيتها الاخوات، بعكس عالمنا.