حسان دياب أقوى من سعد الحريري، لا بل هو أقوى من حسن نصرالله، فهو بإمكانه أن يبقى دهراً في السراي، مبتسماً وغابطاً نفسه على المنصب الذي بلغه، فيما المتظاهرون في الساحات من حوله قد بحت أصواتهم، والمودعون قد أبلغتهم المصارف رسمياً لا لـ”هير كات”، والموظفون خسروا وظائفهم، وجبران باسيل يحلق من فوق رؤوسنا بطائرته الخاصة.
ليس لدى حسان دياب ما يخسره. الابتسامة لن تفارق وجهه حتى لو بلغ الانهيار ذروته. الأرجح أنه اختير لهذا السبب. فالضغط على سعد الحريري ممكن من خارج السراي، والضغط على محمد الصفدي ممكن من طرابلس، وعلى سمير الخطيب ممكن من دار الهندسة الذي يملكه مثلاً. أما حسان دياب فكيف يمكن للمرء أن يضغط عليه؟ من أين نأتيه؟ لقد غادر منزله في تلة الخياط ولم يعد له أي أثر. لا أثر اليوم في كل لبنان لحسان دياب إلا في السراي. لا بل إلا في غرفة مكتبه في السراي، وبعد منتصف الليل حين يأوي إلى فراشه يفرغ المكتب ويحل وجهه المبتسم في غرفة النوم، فيتحرر المكتب من ظله، وتحل الابتسامة على شرفة أخرى!
بعد تسمية حسان دياب صارت مهمة الانتفاضة أصعب. فالتظاهرة الآن ليست حيال شخصية معنوية. ولا سبيل للضغط على صاحب الوجه المبتسم سوى الضغط الجسدي المباشر. الرجل لا يشعر بالخسارة حيال أي مشهد يمكن أن يرتسم، وهو محق بشعوره هذا، ذاك أنه فعلاً لا يمكن أن يخسر. لا بل هو رابح في كل لحظة يراكمها في السراي. لم يكن يتوقع لنفسه أن تأتي مذيعة وتلتقط لنفسها صورة معه وهما يضحكان، ولم يكن يحلم بزائرين في الليل يأتونه حاملين أسماء الوزراء وحقائبهم، وهو إذ لم يتمكن من زيارة المفتي ولا من استقبال السفراء، فهو بحسبه لم يكن ليحقق ذلك خارج السراي أيضاً، وهنا تصح مرة أخرى نظرية صفر خسائر.
كيف يمكن لنا نحن المتظاهرين أن نواجه صنماً من هذا النوع؟
لكن في المقابل كيف يمكن لنا نحن المتظاهرين أن نواجه صنماً من هذا النوع. صنم محمي بآلاف من عناصر الشرطة ومثلهم من جنود الجيش، وبحلقة ثالثة من وسائل الإعلام المجندة لكشف أي ارتكاب أو انتهاك يصدر عنا نحن المندسين ومثيري الشغب والعابثين بالـ”داون تاون”. لا سبيل لنا سوى بالبحث عن ضغط جسدي على رئيس حكوماتنا الآتي إلينا من خارج كل شيء. من خارج البرلمان، ومن خارج الطائفة، ومن خارج المدينة، وحتى من خارج الجامعة التي كان يُدرس فيها.
المهمة يجب أن تبدأ تدريجاً. علينا أولاً أن نزيل الابتسامة عن وجهه. كيف لنا أن نفعل ذلك؟ لن ننجح بإسقاطه قبل أن يكف عن الابتسام. وبعدها يجب تقصير المسافة بين الساحة وبين جدار السراي. يجب الضغط لكي يتقدم “فتية الأطراف” خطوات قليلة نحو السراي. وهذه مهمة أسهل من المهمة الأولى المتمثلة في نزع الابتسامة عن وجه الرئيس، ذاك أننا تمكنا قبل أيام من إزالة الجدار العازل الأول. صحيح أنهم عادوا واستبدلوه بآخر اسمنتي، لكننا للحظة كنا أمام حسان دياب وجهاً لوجه. الرجل كان في حينها مبتسماً للمستشارين الوزراء في قاعة الاجتماعات أثناء إعدادهم البيان الوزاري!
المهمة يجب أن تبدأ تدريجاً. علينا أولاً أن نزيل الابتسامة عن وجهه.
لقد وضعنا نظام الفساد أمام مهمة شديدة الصعوبة. الإطاحة بحسان دياب لن تتحقق بخطوات مشابهة لخطوات إطاحة الرؤساء. فنحن أمام رجل يملك جسده، فقط! الضغط الجسدي مهمة لم يتعلمها المتظاهرون، والرجل محاط بآلاف من رجال الأمن، وهو لا يخاف على مستقبله في السياسة وفي الأكاديميا وفي الطائفة وفي المدينة.
لا خيار اذاً سوى بالتقدم نحو السراي، عساه يغادرها حاملاً معه ابتسامته، وبعض الصور التي التقطها مع المذيعات ومع زوار منتصف الليل. ويجب أن يحضر معنا في المهمة أبطال مصارعة حرة، اذ أن لحظة المواجهة الأخيرة مع الرجل ستكون مبارزة بينه وبين الرجل الأخير منا، ذاك الذي تمكن من الوصول إلى الحلبة.