نبدأ عرض الصحف البريطانية من الإندبندنت التي نشرت شهادة لطالب لجوء سوري في المملكة المتحدة استطاع الوصول إلى أراضيها قبل مدة من خلال عملية تهريب للمهاجرين غير الشرعيين.
ونشرت الصحيفة المقال بتوقيع “خليل” الذي يعرف عن نفسه بكونه كرديا من سوريا.
ويقول “خليل” إن القارب الذي كان على متنه حمل نحو 16 بالغا وطفلين، وإن الكلمات الأخيرة التي قالها لأربعة رجال قابلهم في دنكيرك هي: “أتعلمون، ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه. إما أن نحقق ذلك، أو نموت الليلة، وننهي معاناتنا. حتى لو متنا، فسيكون ذلك أفضل من العودة إلى اليونان”.
ويروي خليل “كيف تعرض في اليونان للضرب ولكسر أصابعه بينما كانت الشرطة تراقب، وكيف نام في العراء لنحو 8 أشهر في خيمة أو في الشارع، من دون تناول الطعام”.
ويقول إنه كان في القارب أشخاص من العراق وسوريا وإيران.
ويكتب: “عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011، كنت مجندا في الجيش الوطني. نظرا لأن سوريا دولة دكتاتورية عسكرية، لم نتمكن من معرفة ما كان يحدث من الأخبار، لكن غالبية الأفراد في وحدتي شعروا أنه من الخطأ إطلاق النار على المدنيين”.
ويضيف “هربت من الجيش وتوجهت إلى عفرين التي كانت تحت سيطرة الأكراد. بصفتي كرديا سوريا، كنت أؤيد القوات الكردية، وسأكون سعيدا بمساعدتهم في دور آخر، لكنني ما زلت لا أريد استخدام العنف أو إطلاق النار على أحد، ولم يكن لدي خيار. لذلك، عندما بدأوا في تجنيد الشباب هناك، قررت المغادرة”.
حاول خليل، كما يقول، أن يجد الأمان في أوروبا عام 2016: “لقد وصلت إلى مقدونيا الشمالية، لكن عندما وصلت، كانوا قد أغلقوا الحدود للتو. خيمت هناك لمدة أربعة أشهر تقريبا، وانتهى بي الأمر بالترحيل إلى اليونان”.
ويضيف: “على الرغم من كل تجاربي السيئة هناك، حاولت أن أصنع حياة لنفسي لعدة سنوات. حتى أنني حاولت تعلم اليونانية، لكن المدرسة الليلية التي ذهبت إليها لم تجد مدرسا. في النهاية، لم أتمكن من إنجاح ذلك. حاولت الذهاب إلى ألمانيا، ولكن بسبب اتفاقية دبلن، لم أتمكن من طلب اللجوء في أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، لأنهم كانوا سيرحلونني مرة أخرى إلى اليونان”.
وبالعودة إلى تفاصيل ليلة تمكنه من الوصول إلى بريطانيا، يقول خليل إنه “بعد حوالي نصف ساعة من مغادرتنا فرنسا في تلك الليلة، بدأت المياه تتدفق إلى القارب. كان لدى بعض الناس زجاجات بلاستيكية صغيرة، وحاولنا تفريغ المياه معهم. كان الجميع يحاول أن يكون شجاعا. كان الجميع يصلي. على الرغم من كلماتي السابقة، شعرت بالرعب من غرق قاربنا وأنه سيكون آخر يوم في حياتي. في كل مرة رأينا فيها سفينة كبيرة تعبر القنال، كنا نخشى أن تقلب الأمواج قاربنا”.
ويضيف أنه بعد خمس أو ست ساعات “عبرنا إلى المياه البريطانية، لكن الأمواج أصبحت أكبر وأكبر. وبدأت إحدى السيدات في البكاء وطلبت منا إنقاذ طفلها. لقد كان شيئا لا أتمناه حتى لعدوي. الفكرة هي أن كل شخص في هذا القارب كان يائسا – لم يكن لديهم خيار آخر. في هذه المرحلة، اتصلنا بخدمات الطوارئ البريطانية وطلبنا المساعدة. في اللحظة التي رأينا فيها القارب يقترب، بدأ الجميع يبتسمون ويصرخون”.
ويمضي قائلا “كنا سعداء لأننا نجحنا في ذلك، ولم يمت أي منا. لكننا كنا خائفين أيضا، لأننا لم نكن نعرف ما الذي ينتظرنا. كنت أعرف القليل جدا عن نظام اللجوء في المملكة المتحدة”.
الآن، بعد عام وأربعة أشهر على وصوله إلى المملكة المتحدة، يقول خليل “ما زلت أنتظر القرار. لا أستطيع العمل. لا أستطيع حتى التحكم في درجة حرارة الغرفة التي أنام فيها. ومع ذلك، فهي أفضل من البقاء في الشوارع في اليونان”.
ويختم مقاله قائلا “إذا كانت هناك طريقة أفضل لطلب اللجوء في بلدان أخرى، فسأختار ذلك، بدلا من المخاطرة بحياتي. أعتقد أن المهربين هم حثالة الأرض. لكننا مضطرون للذهاب إلى هؤلاء المجرمين، لأن الحكومة لا تمنحنا طريقة آمنة لطلب اللجوء. قم باعتقال مهرب وسيحل محله آخر. إذا كنت ترغب في وقف التهريب، فامنح الناس طريقة آمنة للعثور على الحماية وبدء حياة جديدة”.
“السماح لطالبي اللجوء بالعيش والاندماج”
بالانتقال إلى الغارديان، وفي السياق نفسه نشرت الصحيفة مقالا لبولي توينبي حول السياسة البريطانية إزاء الهجرة واللجوء.
وتقول الكاتبة إن العديد من الناخبين في المملكة المتحدة يشعرون أن “السيطرة على الحدود” هي تعريف القومية.
وتضيف أن عدد طلبات اللجوء في بريطانيا منخفض جدا مقارنة بفرنسا وألمانيا، بينما يعيش حوالي 85٪ من اللاجئين في جميع أنحاء العالم في أفقر البلدان. وتقول في هذا الإطار “نحن نثير ضجة غير متناسبة بشأن استقبال 1٪ فقط من 26 مليون لاجئ في العالم. لكن منظمي استطلاعات الرأي لن يخبروك ما يغير من آراء الناخبين”.
وتقول الكاتبة “ما يبدو أنه يختمر هو محاولة لتقييد أو إلغاء اتفاقيات اللاجئين لعام 1951 التي تلزم الموقعين بإيواء أولئك الفارين من الاضطهاد.
وتقول وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن مشروع القانون يخالف الاتفاقية بالفعل من خلال معاقبة طالبي اللجوء على وصولهم عبر بلدان آمنة”.
وتشير إلى أن الأرقام الحكومية تظهر أن 55٪ من المتقدمين حصلوا على حق اللجوء، لكن بيتر والش من مرصد الهجرة في جامعة أكسفورد يقول إنه من بين 10 ألف رفضوا، ونصفهم على الأقل لم يغادروا أبدا. وتبلغ التقديرات المتراكمة 88 ألف شخص، بعضهم ينتظر ثلاث سنوات أو أكثر”.
وتقول الكاتبة إن الذين يرفضون “يبقى معظمهم ويعيشون حياة طي النسيان ويختفون في اقتصاد تحت الأرض. هذا هو السبب في أن كل هذه الأشياء الصعبة وهمية. سيكون من الأفضل بكثير الاعتراف بالحقيقة والسماح لطالبي اللجوء بالعيش والعمل والاندماج بشكل قانوني”.
وتضيف “يتطلب تخفيف أعداد اللجوء تعاونا دوليا، وليس خرقا للمعاهدة أو الإشارة بوقاحة إلى الفرنسيين بتغريدات غير دبلوماسية. قد لا يقبل الجمهور أن إيقاف جميع الوافدين أمر مستحيل، لأن لا أحد يجرؤ على إخبارهم بهذه الحقيقة. وبدلا من ذلك، قد نشهد تصعيدا في الخطاب ومزيدا من قسوة السياسة”.
“إفلاس القومية”
ونختم جولتنا بمقال في صحيفة التايمز لويليام هيغ، حول ما يسميه “إفلاس القومية”.
ويرى الكاتب أن المملكة المتحدة تكون أكثر أمانا عندما “نساعد في حل المشكلات البعيدة ونحظى باحترام أكبر عندما نلتزم بقيمنا الديمقراطية والإنسانية. لقد كان هذا أساس السياسة الخارجية والتنموية البريطانية لعقود من الزمن، ولا يزال كذلك”.
ويقول هيغ “في السنوات الأخيرة، أدى ظهور المزيد من القادة والأفكار القومية في العديد من الأماكن إلى إضعاف التعاون الأعمق الذي كنا نسعى إليه دائما”.
ويوضح “جاء ترامب إلى السلطة من خلال رؤية ضيقة وتعاملات للعلاقات الدولية تتجسد في أمريكا أولاً. ظهر المزيد من القادة الوطنيين الجدد في العديد من دول العالم الأكثر اكتظاظا بالسكان: الصين والهند والبرازيل. لقد سئم الناخبون من التشابكات الأجنبية وأرادوا استعادة السيطرة. لقد أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من كل الفرص التي أتاحها، إلى تعطيل العلاقات مع جيراننا بشدة”.
ويرجع الكاتب المشكلات الأخيرة في العالم إلى “التعاون الدولي المنخفض”. ويعطي، مثالا على ذلك، أزمة متحور كورونا الجديد الذي ظهر في جنوب إفريقيا في حين “تظل جهود التطعيم في إفريقيا ناقصة الإمداد”.
ويضيف “يصعد المهاجرون في قوارب صغيرة لعبور القنال، ما يؤدي إلى عواقب مأساوية، لكن وزراء الاتحاد الأوروبي لم يدعوا وزير الداخلية البريطاني لحضور الاجتماع ذي الصلة. في هذه الأثناء في أفغانستان، يوجد عدد كبير من السكان المعرضين للخطر على حافة المجاعة الجماعية، ما يهدد بفصل كارثي جديد في قصة اعتقدت أمريكا أنها يمكن أن تبتعد عنها”.
ويرى هيغ أن القيادة العالمية كانت غائبة بشكل لافت للنظر عن أزمة فيروس كورونا. ويضيف “من دون اتخاذ إجراء عالمي سريع بشأن توزيع اللقاحات – يتم تلقيح 7 في المائة فقط من الأفارقة بالكامل – ستظهر متغيرات جديدة بسهولة أكبر وستستمر المعاناة. لن تنجح أي دولة، ولا حتى الصين، في درء الفيروس من دون إلحاق الهزيمة به في جميع أنحاء العالم”.
وبالنسبة لمشكلة المهاجرين غير الشرعيين، يقول “لم يدرك معظم الناخبين أبدا أن مغادرة الاتحاد الأوروبي تعني أنه لم يعد بإمكاننا حتى محاولة إعادة المهاجرين إلى أول بلد آمن دخلوا إليه في أوروبا، لكن جميع مهربي البشر يعرفون ذلك تماما”.
ويقول “المقاربة القومية تبدو غير ناجحة أكثر من أي وقت مضى. لكن حتى الآن، يخطط دونالد ترامب بسعادة لعودته. وهنا يحذر نايجل فراج من أن أزمة المهاجرين قد تعيده إلى السياسة. وفي فرنسا، يتنافس المتنافسون من اليمين المتطرف على فرصة إزاحة إيمانويل ماكرون العام المقبل”.
ويشير هيغ إلى أن “معظم هؤلاء الأشخاص قد تسببوا في أضرار كافية بالفعل”.
ويرى أن المخاطر التي يواجهها العالم حاليا هي “عالمية بطبيعتها: تغير المناخ والهجرة الجماعية وأنواع جديدة من الأسلحة عالية التقنية، والتنافس في الفضاء، وربما اندلاع الأمراض بشكل متكرر”.
ويوضح “كان الإيمان بحلول أمريكا أولا على غرار شعار ترامب سيئا بدرجة كافية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إنها فكرة مفلسة تماما لعشرينيات القرن الحادي والعشرين”.
ويعتقد هيغ أنه “لدرء هذا النهج الذي يتطلع إلى الداخل، على الحكومات أن تظهر أن إحساسا متجددا بالعالمية يمكن أن ينزع فتيل أشد المخاطر. أولها نقص اللقاحات في البلدان الفقيرة والانهيار الوشيك للاقتصاد في أفغانستان”.
ويختم الكاتب بالقول إن هاتين المسألتين “تتطلبان كل منهما الاهتمام العاجل وتظهران بوضوح تام الحاجة إلى الأممية والكرم والتعاون. لا توجد حلول أخرى. لن نبني أبدا جدارا مرتفعا بما يكفي لإبعاد فيروس متفش أو لإبعاد ملايين اللاجئين”.