يوم غنى عبد الحليم حافظ «ضي القناديل»، فإنه كان يتحدث عن موعد عاطفي جميل في الشارع الطويل. ورحل العندليب الأسمر ليأتي عازفون يقترحون على الجمهور الفرنسي التمتع بحفلات موسيقية على ضوء الشموع. وأين؟ في صالة «غريفان» التي تحتضن متحف الشمع في باريس.
مع اقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة، يبرع أصحاب الصالات في ابتكار أفكار جديدة تستهوي الزبائن، كما يرتفع منسوب الرومانسية باعتبارها التعبير عن السلام الداخلي، طالما أنها مرتبطة بالأضواء الخافتة والموسيقى الكلاسيكية. ولتحقيق هذا الجو الشاعري أعلن متحف الشمع عن سلسلة من العروض بعنوان «كاندل لايت»، أي أضواء القناديل، يستعاض فيها عن النور الكهربائي بآلاف الشموع الصغيرة المزروعة حول الموسيقيين على المسرح.
يقع المتحف في الحي التجاري القريب من الأوبرا القديمة، وما يسمى بمنطقة الجادات الكبرى. وهو مبنى تاريخي حمل في السابق اسم مسرح جولي وفيه عُرض أول فيلم للرسوم المتحركة في العالم، قدمه إميل راينو عام 1892، وبمبادرة من غابرييل توما، الذي كان مدير المسرح، أعيد بناؤه عام 1900 بدعم من صديقيه النحات أنطوان بورديل ورسام الملصقات جول شيريه. وأبدع الاثنان في تزيين الصالات وتصميم عمل بارز على شكل غيوم معلقة، مع ستارة بارتفاع خمسة أمتار ومثلها عرضاً، تحمل رسوماً من شخصيات «كوميديا ديلارتي»، وهو فن مسرحي إيطالي ازدهر في عصر النهضة. وبهذا تحول المبنى إلى عنوان بارز من عناوين الفنون الباريسية.
بعد 6 عقود على ذلك التاريخ، وفي زمن أندريه مالرو، وزير الثقافة الفرنسي الأشهر، أضيف المسرح ذو الصالة الوسطى والشرفات المطلة عليها إلى قائمة التراث الوطني. وها هو متحف الشمع يستعيد مكانته كصالة للعروض الموسيقية على مدى ثلاث ليالٍ من أواخر الشهر المقبل، تنتهي في الثلاثين منه بعزف منفرد على البيانو وسط غابة من القناديل الصغيرة.
ويجمع البرنامج المنوع للحفلات ما بين المقطوعات الكلاسيكية الشهيرة وأغاني الميلاد وبين موسيقى الجاز وأغنيات المغني الشهير لويس آرمسترونغ العابرة للزمن.