في التاسع عشر من تشرين الثاني الفائت، منع حراك الشارع إنعقاد الجلسة التشريعية التي وضع على جدول أعمالها إقتراح قانون العفو، يومها وبسبب قطع الطرقات المؤدية الى المجلس وإقفال مداخله من قبل المتظاهرين، لم يتمكن من الدخول الى ساحة النجمة إلا ثلاثة أو أربعة نواب فقط. بالأمس، وبعد مرور تسعة وستين يوماً على ١٩ تشرين الثاني، عقد مجلس النواب جلسة وأقر موازنة العام ٢٠٢٠ بعدما تأمن النصاب (٦٥ نائباً) مع حبّة مسك، وحضر الجلسة ٧٦ نائباً. جلسة العفو قاطعتها كتل القوات والكتائب وتيار المستقبل ونواب مستقلون، بينما إقتصرت المقاطعة في جلسة الموازنة على كتلتي القوات والكتائب وبعض المستقلين، ولو لم يشارك فيها نواب من كتلة “المستقبل”، لبقي النصاب مؤمناً. فما الذي تغيّر بين ١٩ تشرين الثاني ٢٠١٩ و٢٧ كانون الثاني ٢٠٢٠؟ لماذا فشل الشارع بتعطيل الجلسة على رغم محاولاته المتكررة عبر كل المداخل المؤدية الى ساحة النجمة؟.
الأجوبة الآتية من الشارع والمجلس والسلطات الأمنية على هذا السؤال تجمع على المعادلة التالية، “ما حصل هو خليط مؤلف من ضعف الشارع وتشدد لدى القوى الأمنية وقرار سياسي حاسم بإقرار الموازنة العامة”.
بسبعةٍ معَ ذمتِها اجتازَ النوابُ المَسافاتِ للوصولِ إلى المجلس وبأقلِّ الأضرار والأصوات الممكنة أفلتت موازنةُ عامِ عِشرينَ مِن قيودِ الشارع هي جلسةٌ بالتهريب وقد جرى توضيبُ نقاشاتِها واختصارُ جلَساتِها التي غالبًا ما كانت تستولي على ثلاثةِ إلى أربعةِ أيامٍ بلياليها واحتلالِ شاشاتِها واتباعُ التقنينِ في الجلَسات يعودُ الى تعذّرِ تأمينِ الوصولِ في اليومِ التالي ما اضْطَرَّ الأمر الى الحَجْرِ على النوابِ وإلزامِهم إقرارَ الموازنةِ في يومٍ واحد أمّنَ المستقبلُ النصابَ لكنّه حَجَبَ الصوت.. والموازنةُ التي صنعتْها حكومةُ سعد الحريري “كُيّست” إلى حسّان دياب.. خرَجَ منها صناعُها وتبّناها الوزاريونَ الجُدد.. وبتوصيفِ النائب سليم سعادة فقد حَصلنا على موازنةٍ “لقيطة” وكانَ سليم.. سعادةَ الجلسةِ وظِلَّها في الكوميديا السياسيةِ النقديةِ السوداء حيثُ فنّدَ الأزْمةَ بواقعٍ ظريفٍ ومُرّ معلنًا انتهاءَ شهرِ عسلٍ دامَ ثلاثينَ عامًا لا ثلاثينَ يوماً وأصبحنا على معادلة NO MONEY NO HONEY وبحكوماتٍ منذُ الطائف كانت “دنَس بلا حبل” واليومَ نريدُها “حبل بلا دنس” والمولودُ الخارجُ مِن رَحِمِ حكومةِ الحريري أُجريت له عمليةُ تحويلٍ إلى أنابيبِ حكومةِ دياب الذي كان حَضرَ منفردًا مِن دونِ بقيةِ الجِهازِ الوزاري.. لكنّه خرجَ “حاملًا” وُزرَ موازنةٍ لم يَقرَبْها وإذِ التزمَ دياب تبنّيَها وتحمّلَ مسؤولياتِهِ تجاهَها فإنّ أباها السابقَ خرجَ الى الردِّ عن بعدٍ على كلِّ مَن يَجدُ الفرصةَ مؤاتيةً لفبركةِ الحَمَلاتِ وقالَ سعد الحريري إنَّ كُتلةَ المستقبل لن تكونَ أداةً للمقاطعةِ وتعطيلِ المؤسسات وهي قامت بواجبِها ولم تَتهرّبْ مِن مسؤولياتِها مهما تكاثرَت مِن حولِنا أبواقُ المزايدين ومعلّمُ المزايدينَ كانَ النائبَ نهاد المشنوق الذي علّم على الحريري ودياب معاً وقال إنّ الكُتلَ التي شاركت في إقرارِ الموازنة، ثُم صَوّتت ضِدَّها، تحتاجُ إلى خبراءَ بفكِّ الألغازِ والطلاسم ومشهدُ الرئيس حسّان دياب وحيداً على مِنصّةِ الوزراء، بلا حكومتِه، كانَ اعتداءً آخرَ على رئاسةِ الحكومةِ وإهانةً للبنانيين لكنَّ اللبنانيينَ لم يُهانُوا.. لا بل استطاع بعضُهم الوقوفَ سدًا منيعًا امامَ وصولِ النواب.. وجعلوا منهم نوابًا متسللين خائفين يصلونَ بالسرِقةِ الى ساحةِ النجمة وبتعبيرِ النائب جميل السيد: نحن جميعًا ندفعُ ثمنَ ما جنَتْه أيدينا ولو كانت هناك مراقبةٌ ومحاسبةٌ لتجنّبا هذا المشهد.. فنحن في حالةٍ سُرياليةٍ فوضويةٍ غيرِ مسبوقةٍ لا يَنطبِقُ عليها أيُّ نصٍّ دستوريّ، ولا سامحَ اللهُ من أوصلنا الى هنا.