ما أبشع أن تجمع صورة زعماء طائفة لا يلتقون إلا بصفتهم هذه! مقتدى الصدر ونوري المالكي وهمام الحمودي وقيس الخزعلي وفالح الفياض وغيرهم التقوا في منزل هادي العامري ليبحثوا في تشكيل الحكومة العراقية! هل ثمة ما يدعو إلى التشاؤم في العراق أكثر من هذه الصورة التي جمعت هؤلاء؟ فالمرء لا يبالغ إذا قال إن الاجتماع هو سليل الوعي الإقصائي الذي أسسه صدام حسين!
على ماذا التقى كل هؤلاء، وما الذي يجمعهم؟ فقبل أيام كانت حرب الانتخابات مشتعلة بينهم، والاتهامات التي يتبادلونها لا تخلو من تخوين ومن تلويح بالحروب. بالأمس تماماً أرسلوا طائرات مسيرة لتنفجر في منزل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، فما الذي دها عقولهم لكي يلتئموا؟ وأين؟ في منزل هادي العامري، الرجل الذي انشق عن المجلس الأعلى، والذي تزعم ميليشيا، وعاد بعدها ليتزعم الحشد الشعبي. ثم إن اللقاء أثمر عن توافق على حكومة “أغلبية وطنية”! أي وطنية يتحدث عنها هؤلاء؟ وهل الأغلبية تنعقد من دون السنة ومن دون الأكراد؟ هل لفتكم أنكم توافقتم على “الأغلبية الوطنية” بغياب مركبين “وطنيين”؟
“اتفقنا على حكومة أغلبية وطنية”! لقاء شيعي يصدر بياناً بهذا العنوان.
أي داعٍ قاد هؤلاء إلى هذا اللقاء البائس؟ وأي انتخابات سبقته؟ وأي حكومة ستعقبه؟ وأي عراق ينتظرنا في ظل هذه الخيارات؟ ولعل أول ثمرات هذا اللقاء ما حف به من أحداث، فلجنة التحقيق التي تشكلت لتقصي هوية مستهدفي منزل الكاظمي، وبعدما كانت وعدت العراقيين بالكشف السريع عن منفذي الهجوم، أعلنت أن المنفذ ما زال مجهولاً، وطلبت من أي مواطن يعرف شيئاً عن هوية الفاعلين أن يبلغها به! اللجنة لا تعرف شيئاً وبدل أن تكشف للعراقيين عن هوية المنفذين طلبت منهم أن يخبروها ما يعرفون! هذه إحدى ثمرات التفاهم في “البيت الشيعي”، فقضية بحجم استهداف رأس السلطة التنفيذية، يمكن تمريرها في سبيل “رأب فتنة بين الشيعة والشيعة”، فما بالك إذا كانت الجهة المنفذة قد تمثلت في الاجتماع الذي انعقد في منزل العامري وتصدره زعيم الأغلبية مقتدى الصدر، وهو جلس إلى جانب خصمه نوري المالكي وفصلت بينهما كمامات تقيهما تبادل الفايروس، ولا تقيهما شرور أعمالهما.
لا شك في أن وراء اللقاء جهداً ايرانياً وظيفته رأب الصدع الذي خلفته الهزيمة الانتخابية للفصائل المسلحة، وخلفته أيضاً رغبة صدرية في استيعاب الخاسرين، لكن ومهما كانت الأسباب، فإن مشهداً قبيحاً لاح في بغداد. فالشيعة بصفتهم هذه التقوا، من دون الرغبة في مواربة الوظيفة المذهبية للقاء، وهم جعلوا لتشيعهم وظيفة سياسية عارية من أي ادعاء، على رغم الخلافات التي تفرقهم وعلى رغم الطائرات المسيرة التي استهدفوا بعضهم بعضاً بها، وعلى رغم أن المسافات بينهم توازي مراعي الغزلان لشدة تباعدها. أما ما يجمعهم فهو تشيع غامض تتخلله خصومات وطموحات مضطربة، ورغبة عارمة بالانقضاض على بعضهم بعضاً.
“اتفقنا على حكومة أغلبية وطنية”! لقاء شيعي يصدر بياناً بهذا العنوان. لم يخطر في بال المنظمين أن عبارة “وطنية” تقتضي دعوة سني أو كردي إلى الاجتماع! ولم يلفتهم أن بين الحاضرين من لحق به هزيمة ساحقة في الانتخابات، وأن السلاح الذي بحوزته هو وحده ما دفعهم إلى دعوته إلى اجتماع حكومة “الأغلبية الوطنية”، أما حقيقة أن بين الحضور في الاجتماع من هو متورط بمحاولة قتل رئيس الحكومة، ومن ثبت أن علاقة تربطه بعصابة القتل في البصرة أو بجريمة قتل هشام الهاشمي، فهذه تفاصيل لا ترقى إلى مستوى منعه من حضور اجتماع أركان الطائفة!
إقرأوا أيضاً: