يستعد عام 2021 للرحيل، وعلى الأرجح قد يسقطه أغلب الأمريكيين من ذاكرتهم، بعد أن شهدوا خلاله أحداثاً سيئة قد تمثل بداية النهاية للإمبراطورية التي تحكمت في مصير العالم لعقود طويلة.
فمن مشاهد اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، إلى مشاهد الهرولة للانسحاب من أفغانستان قبل الموعد النهائي الذي حددته حركة طالبان للجيش الأقوى في العالم، إلى “خطوط بوتين الحمراء” في أزمة أوكرانيا، وصولاً إلى رفع إيران سقف مطالبها في مفاوضات الاتفاق النووي بصورة غير مسبوقة، يجد الأمريكيون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه.
وهذه فقط بعض من ملفات السياسة الخارجية التي واجهت فيها إدارة الرئيس جو بايدن في عامها الأول تحديات كان بعضها “مهيناً”، لكن الأوضاع الداخلية ربما كانت أسوأ بكثير، سواء من الجانب الاقتصادي وأزمة جائحة كورونا وتبعاتها الصحية والاجتماعية، أو من الجانب السياسي الذي غلب عليه الاستقطاب بصورة غير مسبوقة، وتسبب في حالة من الضبابية التشريعية تُغلّف أروقة الكونغرس.
اقتحام الكونغرس قمة جبل الجليد
رفع الستار عن أحداث 2021 على الأراضي الأمريكية ليكشف عن مشهد معتاد ربما في دول كانت تصنفها أمريكا نفسها “عالماً ثالثاً”. انتخابات رئاسية أجريت 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 فاز بها الديمقراطي جو بايدن، ورفض الجمهوري دونالد ترامب النتيجة، ووصف العملية الانتخابية بالتزوير والسرقة. من كان يتصور أن جدالاً من هذا النوع قد يحدث في بلاد العم سام رافعة لواء الديمقراطية حول العالم؟
لكن الأيام الأولى من 2021 كانت تحمل مفاجآت غير سارة وأكثر قسوة بكثير مما تخيله ألد أعداء أمريكا أنفسهم. ففي يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، احتشد الآلاف من أنصار ترامب، كثير منهم مدجج بالسلاح، وخطب فيهم الرئيس السابق مطالباً إياهم بالتوجه إلى مبنى الكابيتول (مقر الكونغرس ورمز الديمقراطية الأمريكية) لوقف “السرقة”. وعلى مقربة من الحشود الغاضبة، كان جميع أعضاء الكونغرس، بمجلسيه النواب والشيوخ وبرئاسة مايك بنس نائب ترامب، يستعدون لجلسة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، وهي جلسة بروتوكولية بحتة تعلن رسمياً من خلالها الرئيس الأمريكي الذي يتم تنصيبه رسمياً، ظهيرة 20 يناير/كانون الثاني.
النتيجة كانت معروفة للجميع، فاز بايدن بـ306 أصوات من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 صوتاً فقط لترامب (المجمع الانتخابي هو من يقرر نتيجة الانتخابات، وعدد الأصوات فيه 338 مقسمة على الولايات الأمريكية بحسب ثقلها السكاني والجغرافي، وهو نظام فريد لا يوجد له مثيل في العالم). النتيجة إذا لم تكن متقاربة أو محل شك، خصوصاً أن معسكر ترامب كان قد استنفذ جميع الوسائل القانونية والسياسية للتشكيك في نتائج بعض الولايات.
لكن ما لم يتوقعه أحد حدث بالفعل، فاقتحم أنصار ترامب الغاضبون مبنى الكابيتول وسقط عشرات الجرحى وستة من القتلى، وهرول أعضاء الكونغرس هرباً بحياتهم، وسط مشاهد من الفوضى العبثية تبثها العدسات للعالم أجمع لحظة بلحظة. وانهالت التعليقات المتهكمة من الأعداء التقليديين للولايات المتحدة، كروسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وغيرها، واهتزت صورة الديمقراطية الأمريكية بصورة غير مسبوقة.
لكن في نهاية المطاف تمت السيطرة على الحشود الغاضبة، وعاد أعضاء الكونغرس لاستكمال جلسة التصديق، ليبدأ فصل جديد من مسلسل انهيار الديمقراطية في البلد الذي لطالما تدخل في شؤون دول أخرى وأطاح بأنظمة الحكم فيها، تحت شعار “الديمقراطية”، إذ اعترض مشرعون جمهوريون على النتائج لتمتد الجلسة ساعات طويلة، وانتهت بإعلان بايدن فائزاً بالرئاسة، والدعوة لعزل ترامب مرة أخرى.
نعم غادر ترامب البيت الأبيض في اليوم الأخير لرئاسته -20 يناير/كانون الثاني- دون أن يقابل خليفته أو يحضر تسليمه السلطة كما جرت العادة، لكن أحداث العام من رئاسة بايدن كشفت أن مشاهد اقتحام الكونغرس لم تكن سوى قمة جبل الجليد، وأنه في حال ترشح ترامب مرة أخرى بعد 3 أعوام وخسر الانتخابات ربما تشهد أمريكا حرباً أهلية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
وهذا التحليل ليس صادراً عن وسائل إعلام دول معادية لأمريكا كما قد يتصور البعض، لكنه أصبح وجبة شبه يومية في وسائل الإعلام التقليدية في أمريكا، وعلى منصات التواصل الاجتماعي هناك، رغم حظر حسابات دونالد ترامب ومحاصرته إعلامياً.
وبمناسبة استعداد عام 2021 للرحيل، نشرت مجلة Newsweek الأمريكية تحقيقاً استقصائياً عنوانه “ملايين الأمريكيين غاضبون ومسلحون استعداداً للسيطرة على البلاد حال خسارة ترامب عام 2024″، رصد كيف أن الجماعات اليمينية المتطرفة المسلحة من أنصار ترامب ليسو التهديد الأخطر الذي تواجهه البلاد.
ورصد تحقيق المجلة الأمريكية ظاهرة الارتفاع القياسي في شراء الأسلحة النارية، إذ شهد عام 2020 شراء نحو 17 مليون أمريكي 40 مليون قطعة سلاح، بينما شهد العام الجاري في نصفه الأول شراء أكثر من 20 مليون سلاح ناري آخر. وبحسب الأنماط التاريخية لمن يقتنون الأسلحة، تنتمي الأغلبية الساحقة من هؤلاء إلى الرجال البيض المنتمين للمناطق الحضرية في الولايات الجنوبية وينتمون للحزب الجمهوري، باختصار القاعدة الانتخابية الرئيسية لدونالد ترامب.
حرب اليمن والمواجهة مع إيران
من الوضع الداخلي الشائك والمعقد في الولايات المتحدة إلى سياسة واشنطن الخارجية، ونتوقف عند عبارة “أمريكا” التي رفعها الرئيس جو بايدن شعارا لإدارته، عكس شعار “أمريكا أولا” الذي ارتبط بترامب. والمقصود بالطبع هو عودة أمريكا لتلعب دور القيادة على المسرح الدولي كما اعتادت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، مشاركة مع الاتحاد السوفييتي السابق خلال الحرب الباردة، ومنفردة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
وكانت أولى القرارات التي اتخذها بايدن بشأن ملفات الشرق الأوسط هي إعلانه وقف الدعم الأمريكي للسعودية والإمارات في العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، وإلغاء قرار إدارة ترامب إدراج جماعة أنصار الله الحوثية على قائمة المنظمات الإرهابية، وتعيين مبعوث أمريكي خاص باليمن وحفنة أخرى من القرارات، الهدف منها “إنهاء الحرب في اليمن“. بايدن اتخذ قراراته مطلع فبراير/شباط 2021، وها هو العام يهم بالرحيل بينما الحرب في اليمن لا تزال مستمرة وتزداد مأساويتها بالنسبة لليمنيين.
قرارات بايدن وخطاباته الحماسية لم تحقق أي تقدم من أي نوع في مأساة الحرب في اليمن، وهو مؤشر لافت على مدى تراجع التأثير الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، التي كانت منطقة نفوذ أمريكي خالصة تقريباً على مدى عقود طويلة. لكن ذلك ليس المؤشر الوحيد الذي تكشف خلال 2021، فالمواجهة مع إيران بشأن برنامجها النووي مؤشر آخر.
ففي خطابه بمناسبة مرور 100 يوم على توليه المسؤولية، وضع بايدن الاتفاق النووي الإيراني هدفاً وحيداً له في الشرق الأوسط، وكأن إعادة إحياء الاتفاق الذي كان ترامب قد انسحب منه عام 2018 هي العصا السحرية التي ستجعل الشرق الأوسط واحة من الاستقرار والسلام. وها هو العام يستعد للرحيل دون أن تبدي إيران أي مرونة أو استعداد للتفاوض حول مطالبها، التي وصفها مفاوضون غربيون “بالاستفزازية”، خلال الجولات الأخيرة من مفاوضات فيينا.
وضعت إيران شروطاً، أبرزها رفع العقوبات الأمريكية كاملة، ودفع تعويضات عن تلك العقوبات، قبل الحديث عن عودة طهران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وتبدو الإدارة الأمريكية عاجزة عن اتخاذ القرار أياً كان، سواء بالمواجهة العسكرية أو الموافقة على الشروط الإيرانية، أو على الأقل هذا ما يرشح عن التقارير الإعلامية الأمريكية في هذه الأيام الأخيرة من العام.
حرب غزة وقلة الحيلة الأمريكية
خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، كان واضحاً أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني لا يمثل أولوية لإدارة بايدن، حتى إن واشنطن لم تعين سفيراً لها لدى تل أبيب، ولا لدى السلطة الفلسطينية، وغابت فلسطين عن السياسة الخارجية الأمريكية ربما للمرة الأولى على الإطلاق. لذلك عندما اشتعلت الأوضاع بفعل فاعل معلوم، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، سعياً منه للبقاء في منصبه، كانت إدارة بايدن آخر من يعلم.
ثم جاء التدخل الأمريكي خلال وبعد انتهاء حرب الـ11 يوماً، خلال مايو/أيار 2021، بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، متخبطاً وبدون أهداف استراتيجية، باستثناء تقديم الدعم للاحتلال الإسرائيلي. ولجأ بايدن إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان الرئيس الأمريكي قد توعد بعدم التساهل معه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لتتوسط القاهرة ويتم التوصل لوقف إطلاق النار.
ورغم مواصلة إسرائيل انتهاكاتها بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية، والسعي لتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، وبناء مستوطنات في الأراضي المحتلة، والتنكيل بالأسرى، عادت الإدارة الأمريكية لتجاهُل الملف الأساسي في صراعات الشرق الأوسط، بعد أن بات واضحاً أن “قلة الحيلة” أصبحت السمة الأبرز للدور الأمريكي في المنطقة.
وقلة الحيلة الأمريكية في ملفات الشرق الأوسط لم تتجلَّ فقط في فلسطين، فالانقلاب الذي قام به عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مؤشر آخر على تراجع الدور الأمريكي في المنطقة بشكل بات صعباً أن يجادل فيه أحد.
إذ كشفت تقارير أمريكية أن فيلتمان، المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الإفريقي، الذي كان متواجداً في الخرطوم حتى قبل ساعات من الانقلاب، اجتمع مع البرهان مساء الأحد 24 أكتوبر/تشرين الأول، ووجه الأول للثاني “تحذيراً” من الإقدام على الانقلاب على المرحلة الانتقالية والشراكة مع المدنيين.
واستيقظ السودانيون والعالم، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على حملة اعتقالات، شملت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدداً من وزرائه ومستشاريه، وقادة قوى “إعلان الحرية والتغيير”، المكون المدني في السلطة الانتقالية في البلاد، ثم ألقى البرهان بياناً في اليوم نفسه، أعلن خلاله جملة قرارات أنهت عملياً الشراكة بين العسكر والمدنيين في البلاد.
قرر البرهان إقالة حكومة حمدوك ومديري الولايات في السودان، كما حل مجلس السيادة، وألغى قرار حل المجلس العسكري، وجمّد عدداً من مواد الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019، بمثابة دستور للفترة الانتقالية في البلاد، وانفرد البرهان وزملاؤه في المجلس العسكري بالسلطة في البلاد. ولا يزال السودان، رغم الإفراج عن حمدوك وإعادته لمنصبه بعد توقيع الاتفاق السياسي الجديد، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أبعد ما يكون عن الاستقرار أو العودة للمسار الديمقراطي.
وفي ليبيا أُجلت الانتخابات، التي كانت مقررة 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، رغم أن انعقاد تلك الانتخابات في موعدها كان هدفاً آخر للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. وفي سوريا باتت عودة بشار الأسد رئيس النظام المدعوم روسياً وإيرانياً إلى المجتمع الدولي مسألة وقت، بعد أن كانت الإطاحة به هدفاً أمريكياً على مدى سنوات.
أما الإمارات، أحد حلفاء أمريكا الاستراتيجيين في الشرق الأوسط، فقد فاجأت واشنطن مؤخراً بالتهديد بتعليق المناقشات حول صفقة طائرات إف 35 الشبحية، رفضاً لشروط واشنطن بأن تستبعد أبوظبي شركة هواوي الصينية، في مؤشر آخر على تراجع الدور الأمريكي في المنطقة.
الانسحاب من أفغانستان
وبعيداً عن الشرق الأوسط، كان مشهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، في أغسطس/آب 2021، واحداً من أبرز الدلائل على غروب شمس الهيمنة الأمريكية على العالم، حتى إن ترامب وصفه بالمشهد “المهين”، وطالب بايدن بالاستقالة. فبعد 20 عاماً من احتلال أفغانستان للإطاحة بحركة طالبان، انسحبت أمريكا بصورة فوضوية، ذكّرت الأمريكيين والعالم بمأساة فيتنام والانسحاب الأمريكي منها، بعد إنفاق تريليونات الدولارات والتسبب في مئات الآلاف من القتلى وملايين المصابين والنازحين، دون أن تحقق واشنطن شيئاً، باستثناء اهتزاز ثقة الحلفاء في الالتزام الأمريكي بشكل عام.
وربما يكون خطاب الرئيس جو بايدن حول الانسحاب من أفغانستان، ووصفه لتلك الكارثة المهينة “بالنجاح غير العادي”، مؤشراً على مدى تركيز الرئيس على توجيه الخطاب إلى الداخل الأمريكي المنقسم بشدة، فقد أكد على “تحقيق الولايات المتحدة أهدافها كاملة” في أفغانستان، رغم أن طالبان عادت للحكم هناك، في تناقض فجّ مع الواقع.
وكانت الصورة المتداولة عبر وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي حول العالم، للواء في الجيش الأمريكي “كريس دوناهيو”، قائد الفرقة الـ82 المحمولة جواً، وهو آخر عنصر من القوات الأمريكية يغادر أفغانستان، رمزاً للانكسار الأمريكي، وليست رمزاً لما وصفه بايدن بالنجاح وتحقيق الأهداف، بحسب أغلب المحللين الأمريكيين أنفسهم.
ومع انكشاف تفاصيل قرار الانسحاب الأمريكي، اتضح أن إدارة بايدن لم تناقش القرار مع حلفائها من أعضاء حلف الناتو، الذين كانت لهم قوات في أفغانستان، ليتقلص مستوى التنسيق بين الحلفاء إلى الصفر تقريباً، وتخرج الأمور بتلك الصورة الفوضوية والدموية، لتلقي بظلالها على ثقة الحلفاء حول العالم في قيادة الولايات المتحدة ومدى التزامها بما هو متفق عليه.
ثم جاء إعلان أمريكا وبريطانيا وأستراليا عن اتفاقية “أوكوس” الأمنية فيما بينهم ليصيب فرنسا بصدمة هائلة، إذ نتج عن ذلك إلغاء أستراليا لصفقة غواصات فرنسية واستبدلتها بغواصات أمريكية وبريطانية، لتصدر تصريحات من باريس تتحدث عن “الغدر”، وتقرر فرنسا سحب سفيرها لدى واشنطن.
نعم حاول بايدن استرضاء نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد يكون نجح في امتصاص غضب الرئيس الساعي إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية العام المقبل، إلا أن العلاقات الفرنسية- الأمريكية قد تحتاج لوقت طويل كي يلتئم شرخ الثقة العميق الذي أصابها، هذا إن التأم على الإطلاق، بحسب المراقبين.
التحدي الروسي والخطر الصيني
وبعد أن كانت الولايات المتحدة تكاد تكون القوة الأكثر سيطرة وقدرة على فرض رؤيتها على العالم خلال السنوات والعقود الماضية، كشفت أحداث العام الذي يستعد للرحيل عما يمكن وصفه بعالم متعدد الأقطاب، فالصين أصبحت منافساً يرى البعض أنه يمتلك اليد الأعلى، بينما رفعت روسيا راية التحدي عالية، وها هو فلاديمير بوتين يستعرض قوته في أزمة أوكرانيا ويضع “خطوطه الحمراء” لساكن البيت الأبيض.
ولا يبدو أن واشنطن تمتلك الأدوات اللازمة لمنع بوتين من غزو أوكرانيا، ويتضح هذا من الحديث والتهديدات الأمريكية بفرض عقوبات “ضخمة” إذا ما أقدم بوتين على غزو أوكرانيا. فهل نجحت التهديدات بفرض عقوبات في ردع بوتين عام 2014، عندما احتل شبه جزيرة القرم وضمها إلى روسيا؟ كلا، رغم أن روسيا وقتها كانت أضعف كثيراً اقتصادياً وعسكرياً مما هي عليه اليوم، بينما كانت الولايات المتحدة أقوى كثيراً مما هي عليه اليوم.
أما الصين فيبدو أنها تضع اللمسات الأخيرة على خططها لغزو تايوان أو إعادة توحيدها مع البر الرئيسي للصين، بحسب وجهة نظر بكين، وخصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والرسالة السلبية التي وصلت لحلفاء واشنطن ومنهم تايوان بالطبع.
ويمكن تلخيص أفول نجم الهيمنة الأمريكية خلال 2021 من خلال مشاهد رئيسية، أولها القمة بين بوتين وبايدن منتصف يونيو/حزيران 2021 في جنيف، والتي لم يحقق الرئيس الأمريكي منها أي نتيجة أو هدف كان يسعى إليه، سواء إجبار روسيا على إطلاق سراح أليكسي نافالني المعارض الأبرز لبوتين أو وقف الهجمات السيبرانية ضد أمريكا، أو السماح بفتح ممرات لعبور المساعدات الإنسانية في سوريا أو أي من الملفات الأخرى.
وثاني تلك المشاهد هو اللقاء الافتراضي بين بوتين وبايدن بشأن أزمة أوكرانيا، والذي لم ينجح فيه الرئيس الأمريكي في إقناع بوتين بالتراجع، بينما تمسّك الرئيس الروسي بخطوطه الحمراء ولا يزال.
والمشهد الثالث يتمثل في القمة الافتراضية التي جمعت بايدن بنظيره الصيني شي جين بينغ، التي أكد فيها شي على أن الصين ستتخذ ما تراه مناسباً تجاه تايوان إذا ما تخطت رئيستها ومسؤوليها خطوة واحدة تتجاوز خطوط بكين الحمراء، بينما لا يبدو أن بايدن قد حقق أياً من أهدافه أيضاً، سواء فيما يتعلق باضطهاد الصين لأقلية الإيغور المسلمة أو التهديدات العسكرية لتايوان أو قمع الاحتجاجات في هونغ كونغ.
الخلاصة هنا هي أن عام 2021 بدأ باقتحام الكونغرس وتحويل رمز الديمقراطية الأمريكية إلى مادة للسخرية والتهكم، وها هو العام يستعد للرحيل بينما تعاني الولايات المتحدة من تراجع غير مسبوق في “هيبتها” ونفوذها حول العالم، وفي جميع المناطق، فهل يكون العام هو بداية النهاية للإمبراطورية الأمريكية؟
60 مليون قطعة سلاح استعداداً لساعة الصفر.. قصة أنصار ترامب الذين يخطِّطون “لاستعادة أمريكا”
خطر الانقسام الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، الذي تجسد يوم اقتحم أنصار دونالد ترامب الكونغرس، يبدو أنه لا يزال قائماً ويستفحل، في ظل تسليح الملايين أنفسهم “لاستعادة” أمريكا، حال خسر ترامب مرة أخرى.
مجلة Newsweek الأمريكية نشرت تحقيقاً استقصائياً عنوانه “ملايين الأمريكيون غاضبون ومسلحون استعداداً للسيطرة على البلاد حال خسارة ترامب عام 2024″، رصد كيف أن الجماعات اليمينية المتطرفة المسلحة من أنصار ترامب ليسوا التهديد الأخطر الذي تواجهه البلاد.
كان الجمهوري ترامب قد رفض نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها لصالح الديمقراطي جو بايدن، وظل الرئيس السابق، ولا يزال حتى اليوم، يردد أنه تعرض “للسرقة” دون أن يتمكن هو وأنصاره من تقديم أدلة تقبل بها المحاكم المختلفة، وصولاً إلى المحكمة العليا.