بشيء قليل من التحضير والتدبير، يمكن الاستمتاع بطقس أجواء الشتاء الباردة والممطرة بأمان وصحة. ومع ذلك، يمكن أن يكون الطقس البارد صعباً؛ ليس فقط لأولئك الذين يعانون من حالات صحية مزمنة، مثل مرض السكري أو أمراض الأوعية الدموية؛ بل عند عدم التنبه الجيد للخطوات الصحية في التعامل مع تحديات برودة الأجواء.
1- تحديات صحية
وإليك التحديات الصحية الستة التالية في الأجواء الباردة للشتاء:
شعور الجسم بالبرودة: يشير الأطباء من «مايو كلينك» إلى ملاحظة الفرق فيما بين مقدار حرارة الطقس التي يرد ذكرها في نشرات الأحوال الجوية، وبين ما يشعر به الجسم من برودة مباشرة «FeelsLike» أو «RealFeel»، وذلك نتيجة لعدد من العوامل التي تزيد من تعرض الجسم لمزيد من البرودة، مثل سرعة الرياح ودرجة رطوبة الجو. ولذا عندما تشير أخبار الطقس إلى رقم معين مقداراً لدرجة حرارة الأجواء؛ فإن هذا لا يعني تلقائياً أن جميع الناس سيشعرون بمقدار واحد من البرودة في أجسامهم. كما لا يعني تلقائياً أن الشخص في منطقة معينة سيشعر بمقدار البرودة نفسه في منطقة أخرى ذات درجة حرارة الطقس نفسها.
وفي مراحل عُمرية مختلفة وكذلك عند الإصابة المزمنة بأنواع مختلفة من الأمراض، فإن الناس يختلفون في «تقبل» البرودة، وهو ما يتبع طبياً ما يُعرف بـ«التكيف البيئي». وللتوضيح، فإن شعور الجسم بدرجة حرارة الطقس يختلف وفقاً لعدد من العوامل داخل الجسم وفي البيئة المحيطة به. ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، هناك 3 عوامل بيئة مؤثرة على مقدار شعور الجسم بدرجة حرارة الأجواء الخارجية (Perceived Outdoor Temperature) التي يوجد فيها؛ هي: حرارة الهواء، ومقدار نسبة رطوبة الهواء، وسرعة الرياح.
وعلى سبيل المثال، فإن «مؤشر الحرارة (Heat Index)»، يعمل على دمج قيمة درجة الحرارة ونسبة رطوبة الهواء، ويُعطي بالتالي مؤشراً على مقدار درجة الحرارة التي سيشعر بها الجسم. ولذا عندما تكون درجة الحرارة 10 درجة مئوية في مكان ما ذي نسبة رطوبة عالية، يصبح مؤشر الحرارة أعلى، ويكون ذلك المكان أكثر دفئاً من مكان آخر ذي درجة حرارة 10 ولكن نسبة الرطوبة فيه متدنية، كما في المناطق الصحراوية الداخلية.
وهناك أيضاً «درجة حرارة الرياح (Windchill Temperature)»، وعند تعرض المرء للرياح الباردة السريعة، تزول عن الجسم طبقات الهواء الدافئ التي تحمي الجسم. ومثالاً؛ عندما تبلغ سرعة الرياح نحو 45 كيلومتراً في الساعة، في أجواء بدرجة حرارة صفر درجة مئوية، فإن درجة الحرارة التي يشعر الجسم بها هي 10 درجات تحت الصفر.
2- حساسية تقبل البرد
حساسية تقبل البرودة: جسم الإنسان، وهو من الكائنات الحية ذات الدم الدافئ، يحفظ درجة حرارته الداخلية ضمن معدلات طبيعية ومحددة، عبر آليات عدة مختلفة. ومع ذلك؛ لدى البعض حساسية مفرطة تجاه الشعور ببرودة الأجواء، حتى عندما تكون درجة حرارة الطقس معتدلة جداً ودرجة حرارة الجسم طبيعية. وهي حالة طبية تسمى «الحساسية المفرطة لتقبل البرودة (Cold Intolerance)»، وهذه الحالة قد يعاني منها الشخص، بشكل دائم أو من آن لآخر، إما بسبب وجود مشكلة صحية لديه، أو مع عدم ذلك.
ومن الأسباب المرضية، حالة كسل الغدة الدرقية (Hypothyroidism)؛ أي عندما لا تنتج الغدة الدرقية ما يكفي من هرمون الغدة الدرقية الذي يساعد في تنظيم التمثيل الغذائي ودرجة الحرارة في الجسم. وفقر الدم سبب آخر لسهولة الشعور بالبرودة. وذلك عندما لا تحتوي خلايا الدم الحمراء على كميات طبيعية من مركب الهيموغلوبين أو لا يكون لدى الشخص ما يكفي من خلايا الدم الحمراء. وينتج عن فقر الدم نقص في تزويد خلايا الجسم بالأكسجين، بكل تبعات ذلك الصحية.
وتدني وزن الجسم سبب ثالث. ووجود أمراض في شرايين الجسم، خصوصاً شرايين الأطراف العلوية والسفلية، هو سبب رابع. وسبب خامس محتمل؛ ثمة عوامل عصبية عدة تؤثر في الإحساس بالبرودة؛ سواء أكانت اضطرابات عصبية في الجلد، أم مركزية في الدماغ. وتشير بعض الدراسات إلى أن المرأة قد تشعر بالبرودة أكثر من الرجل. وأحد تفسيرات هذه الحالة هو انخفاض معدل الأيض لدى المرأة مقارنة بالرجل، ما يعني أن الجسم الأنثوي قد يستخدم طاقة أقل عند الراحة.
3- الاضطرابات الصحية والبرودة:
تشير المصادر الطبية إلى وجود نوعين من الاضطرابات الصحية ذات الصلة ببرودة الأجواء في الشتاء، وذات الصلة أيضاً بالمظاهر المناخية المرافقة كالمطر والبَرَد والثلج والرياح. ومنها اضطرابات صحية مرتبطة بشكل «مباشر» بموجات البرد والصقيع، والتي من أمثلتها حالات «انخفاض حرارة الجسم»، و«عضات الصقيع» بأصابع القدمين واليدين، وحوادث السقوط والانزلاق على الأسطح المبتلة أو على الجليد، وحالات التسمم بغاز أول أكسيد الكربون، وشرى البرد في احمرار الجلد. والأخرى تكون مرتبطة بشكل «غير مباشر» بموجات البرد والصقيع، كنزلات البرد الفيروسية، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع احتمالات حدوث نوبة الجلطة القلبية، وزيادة الوزن نتيجة اختلال الالتزام ببعض السلوكيات الصحية كممارسة الرياضة البدنية واتباع الحمية الغذائية الصحية.
وعند تعرض الجسم لدرجات حرارة منخفضة، يفقد الجسم بسرعة كميات من الحرارة الداخلية بمقدار يفوق قدرته على تعويضها وإنتاجها لتدفئة الجسم وحفظ حرارته ضمن المعدلات الطبيعية. وتجدر ملاحظة أن غالبية ذلك يحدث عندما يكون المرء داخل المنزل، وليس خارج المنزل. وأن أكثر ما يفقده المرء من حرارة جسمه يتم من خلال العنق والرأس عند عدم الحرص على تغطيتهما وتدفئتهما. ويقوم الجسم بإنتاج الطاقة الحرارية عبر طرق داخلية عدة، كتنشيط حصول العمليات الكيميائية الحيوية، وتنشيط حصول «قشعريرة الرعشة»، والتي يتكرر فيها حصول انقباض وانبساط العضلات الصغيرة في منطقة الجلد. واهتمام المرء بالحركة والنشاط البدني، والقيام ببعض الحركات الرياضية في تحريك الأطراف العلوية أو السفلية أو فرك اليدين كلتيهما بالأخرى، سينتج مزيداً من الدفء بالجسم.
كما يتطلب الأمر التنبه إلى ضرورة حفظ حرارة الجسم، وتقليل التعرض المباشر للأجواء الباردة داخل وخارج المنزل. وذلك عبر: التغذية الجيدة، وممارسة الحركة البدنية، وارتداء الملابس بطريقة صحيحة داخل وخارج المنزل، والحرص على التدفئة المنزلية المعتدلة. والخطوة الثانية: الاهتمام بالحالة الصحية عند وجود أمراض مزمنة لدى الشخص، كارتفاع ضغط الدم ومرض السكري وأمراض الشرايين القلبية… وغيرها.
4- دفء الملابس والتغذية
الملابس لتدفئة الجسم: للتغلب على البرودة، يجدر ارتداء الملابس بطريقة صحيحة تمنح لنا الدفء، وتوفر عزل الجسم عن البرودة المحيطة به، لتساعده على حفظ الدفء الذي يصنعه لتدفئة نفسه، أثناء النهار والليل، خصوصاً أثناء النوم. وكذلك يجب ارتداء أحذية عازلة للبرودة ومانعة للانزلاق، لتروية القدمين بالدم وتدفئتهما ولمنع حدوث حالات السقوط والانزلاق؛ أي إن من المهم ارتداء الملابس على هيئة طبقات، والحرص على تدفئة الرأس والرقبة وأطراف الأصابع في اليدين والقدمين.
ووفق ما تشير إليه مصادر طبية عدة؛ فإن الطريقة الصحيحة لارتداء الملابس هي: ارتداء طبقات عدة من الملابس التي لا تتسبب في التعرق وتعطي الدفء، وتغطية الرأس ومنطقة العنق ما أمكن. وبشكل خاص للأطفال وكبار السن والمُصابين بأمراض مزمنة، كمرضى كسل الغدة الدرقية، ومرضى السكري، ومرضى التهابات المفاصل، ومرضى مرض «باركنسون» العصبي، والذين أصابتهم الحروق في مناطق واسعة من الجلد، ومنْ لديهم تضيقات في الشرايين الطرفية.
ويجدر اتخاذ الاحتياطات اللازمة عند الخروج من المنزل أثناء الطقس القاسي، وذلك عبر ارتداء الملابس الكافية كما لو كان المرء سيظل بالخارج في البرد لفترة طويلة. وذلك بارتداء طبقات عدة من الملابس كي تعمل عازلاً للحفاظ على دفء الجسم. ويعدّ اعتمار قبعة أو غطاء رأس فكرة جيدة، حيث يتبدد كثير من حرارة الجسم من خلال الرأس والرقبة. كما يجدر الحفاظ على دفء اليدين والقدمين والأذنين؛ لأنها عرضة بشكل كبير لتأثير البرودة، خصوصاً «قضمة الصقيع».
5- التغذية والأجواء الباردة
مع برودة الطقس، قد يلجأ البعض إلى تناول أنواع مختلفة من الأطعمة بطريقة غير صحية وعشوائية، ولكن الغالبية تجدها فرصة للحرص على التغذية الجيدة لإمداد الجسم بالأنواع المختلفة من المعادن والفيتامينات والسكريات والدهون والبروتينات الطبيعية الصحية. ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، فإن الخطوة الأهم للتدفئة هي الحرص على شرب الماء؛ لأنه عنصر أساسي في تنشيط العمليات الكيميائية الحيوية بالجسم، والتي تعطي الجسم الطاقة الحرارية. كما أن الماء في الجسم يُسهل تدفق الدم الدافئ إلى مناطق الجسم البعيدة والباردة في الأطراف. وبالتالي تجري كميات كافية من الدم في أجزاء الجسم المختلفة لتوزيع الحرارة فيها وتدفئتها.
وتذكر مصادر طبية عدة أن هناك مجموعة من الأطعمة التي تسهم في تزويد الجسم بالعناصر الغذائية الباعثة على الدفء وإنتاج الطاقة والمحتوية على مواد تُقوي جهاز المناعة، مثل الخضراوات والفواكه والمكسرات والبقول والحليب. وعلى سبيل المثال، فإن المكسرات الدافئة، مثل الكستناء، أو المكسرات الجافة، مثل اللوز والجوز والفستق، تُعطي الجسم تشكيلة واسعة من المعادن والألياف والفيتامينات والسكريات والدهون الصحية. كما أن تناول مشتقات الألبان، كلبن الزبادي، يُزود الجسم بالبروتينات والمعادن والفيتامينات التي ترفع من كفاءة عمل جهاز مناعة الجسم. وتناول العسل يقدم وسيلة صحية لمقاومة الأمراض وإمداد الجسم بالطاقة. كما يعطي الدفء وتنشيط جهاز مناعة الجسم في فصل الشتاء، تناول الأطعمة الدافئة والمحتوية على مرق اللحوم والدجاج، وأيضاً الإضافة المعتدلة لأنواع من البهارات التي تبعث الشعور بالدفء كالزنجبيل وغيره.
6- إشعال الحطب للتدفئة
يحلو استخدام الحطب أو الفحم للتدفئة في فصل الشتاء، فهو وسيلة سهلة وتُعطي دفئاً جميلاً. وللبعض، يمثل إشعال الحطب وسيلة للمتعة بالسمر في ليالي الشتاء الباردة. ولكن رغم هذا، تظل الإشكالية الصحية الأهم هي كيفية تحاشي التعرض لغاز أول أكسيد الكربون، الذي قد يسبب استنشاقه حالة التسمم بهذا الغاز. وأول أكسيد الكربون غاز لا لون له ولا طعم ولا رائحة. ولذا يصعب تحاشي استنشاقه عند عدم الاهتمام بالوقاية منه. وأولى خطوات منع حدوث ذلك هو الحرص على إشعال الحطب بشكل كاف، وذلك بانتقاء أنواع جافة من الحطب. والخطوة الثانية الأهم هي عدم إشعال الحطب داخل المنزل أو الأماكن المغلقة فيه كالحجرة مثلاً؛ بل في الهواء الطلق، كي يتشتت ويطير ذلك الغاز الضار وتقل احتمالات استنشاقه.
ومن السهل أن يدخل غاز أول أكسيد الكربون إلى الدم عند استنشاقه مع دخان الحطب. وحينها يلتصق بشدة مع الهيموغلوبين في داخل خلايا الدم الحمراء، مما يعوق بالتالي قدرة الدم على حمل الأكسجين وتزويد أعضاء الجسم المختلفة به. كما أن وصول غاز أول أكسيد الكربون إلى الجهاز العصبي يتسبب في أعراض الدوار أو القيء أو الغثيان أو تدني مستوى الوعي والإدراك أو الإغماء أو تلف دائم في الخلايا العصبية، وفي الحالات الشديدة قد يتسبب في الوفاة. وتضيف المصادر الطبية أن هذه الحالة تعدّ آنذاك حالة طبية طارئة تتطلب نقل المصاب إلى مكان به هواء نقي، وسرعة طلب المعونة الطبية. ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، فإن مقدار الضرر الصحي يعتمد على درجة شدة التعرض للتسمم بأول أكسيد الكربون ومدته، مما قد يتسبب في تلف دائم بالدماغ أو القلب.
* استشارية في الأمراض الباطنية
الميكروبات والإنسان: مناوشات على جبهة البرد
ما الذي نحتاجه لتعزيز الاستعداد المناعي مع حلول موسم البرد والإنفلونزا في زمن الوباء؟
هذا الموسم هو ذلك الوقت من العام الذي نحتاج فيه إلى بعض التذكير بأننا بتنا نعيش في عالم ميكروبي. إذا كان هناك أي عزاء لظهور موسم البرد والإنفلونزا الذي أدى إلى تفاقم وباء «كوفيد19»، فهو أن موسم البرد الحالي يتوج عامين من التركيز المكثف على طرق تقوية الدفاعات المناعية ضد فيروسات الجهاز التنفسي.
فيروسات والتهابات
تشير الأبحاث إلى أن 15 في المائة من نزلات البرد الشائعة، مثل «كوفيد19»، ناتجة عن فيروس «كورونا». وفي حين أن فيروسات «كورونا» المسببة للبرد قابلة للانتقال مثل «كوفيد19»، فإنها تفضل الجهاز التنفسي العلوي بدلاً من الاستقرار في أعماق الرئتين. غير أن الضرر الذي يحدث يكون قصير الأجل.
من ناحية أخرى؛ نظراً إلى أن فيروسات «كورونا» تنتشر باستمرار في جميع أنحاء العالم، جنباً إلى جنب مع 200 من الفيروسات التنفسية الأخرى، فإن فيروسات «كورونا» تميل إلى معاودة إصابة ضحاياها. وشأنها شأن جميع أنواع العدوى، فإنها تثير استجابة مناعية تنتج الالتهاب بسرعة. وهذه الاستجابة تعمل خلال اندفاعها لمواجهة الغزاة على صب المواد السامة في دورة الجهاز الدموي. وبقدر ما هو جزء من الدفاع المناعي، فإن الالتهاب في النهاية عملية مدمرة. وهو اضطراب معروف في الوظيفة العقلية ويعدّ متورطاً في كل مرض عقلي.
أول وأسرع الأدوات اللاعبة التي تصل إلى موقع الإصابة هي «مكونات الجهاز المناعي الفطري (innate immune system)»؛ أي «المناعة الطبيعية» أو «المناعة الخَلقية»، وهذا الجهاز المناعي المتأصل يوجد هناك في انتظار الانقضاض على أي مسبب للمرض، ليجعل بقاء الإنسان لائقاً مناعياً؛ أمراً حتمياً.
لياقة مناعية
يعود الفضل في «اللياقة المناعية» إلى «اللياقة البدنية»، وتساهم العوامل نفسها لنمط الحياة في كليهما. ويحافظ النشاط البدني المنتظم على المناعة، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الغذائي الصحي، خصوصاً النظام الذي يغذي «ميكروبيوم الأمعاء» بكثير من الألياف والمواد النباتية.
يلعب عدد من المغذيات الدقيقة المحددة أدواراً مهمة أيضاً. ففيتامينات «سي» و«دي» والزنك المعدني من أهمها. وقد توصلت دراسات متعددة إلى أن كلا الفيتامينين يساهم في الوظيفة المناعية بعدد من الطرق المحددة وغير المحددة. علاوة على ذلك؛ فإن أوجه القصور في هذه المغذيات الدقيقة تظهر باستمرار بين أولئك الذين ينتهي بهم الأمر إلى العدوى.
> فيتامين «سي»: يُعرف فيتامين «سي» منذ فترة طويلة بأنه مكافح للعدوى. وبصفته مضاداً للأكسدة؛ فهو لا يقوي الحاجز المخاطي ضد الغزو فحسب؛ بل يعزز أيضاً من القدرة القتالية لـ«الخلايا الحبيبية المتعادلة»، أو «العدلات (neutrophils)»، وغيرها من الخلايا المناعية الفطرية التي تندفع إلى مكان الإصابة. وهو أيضاً ينشط خلال الموجة الثانية من الدفاع المناعي؛ أي رد الفعل من نظام المناعة المكتسب أو المتكيف، التي تتشمل إنتاج خلايا «بي» و«تي» التي تستهدف مستضدات معينة. وهذه هي القوات التي تخلق ذاكرة مناعية لغزو مسببات الأمراض في المستقبل.
رغم أن فيتامين «سي» أحد المغذيات الدقيقة الأساسية، فإن 46 في المائة من البالغين الأميركيين لا يتناولونه بشكل كافٍ، فوفقاً لـ«المسح الوطني لفحص الصحة والتغذية»، لا يؤدي نقص فيتامين «سي» إلى زيادة قابلية الإصابة بالعدوى فحسب؛ بل إن العدوى بدورها تدفع إلى زيادة كبيرة من متطلبات مستويات فيتامين «سي».
يعدّ الحفاظ على مستويات كافية من فيتامين «سي» في الأنسجة لدرء العدوى أمراً واحداً، حيث تشير الدراسات إلى أن تناول مكملات فيتامين «سي» بانتظام يمكن أن يمنع التهابات الجهاز التنفسي وغيرها من الالتهابات. فمحاربة العدوى النشطة قضية أخرى، مما يضاعف من حالة التحصين.
> فيتامين «دي»: فيتامين «دي»؛ الذي يُصنع عندما تصيب الشمس الجلد، عنصر غذائي له مجموعة متزايدة باستمرار، ويشارك في العديد من أجهزة الجسم؛ بما في ذلك الدماغ. ولا تزال أهميته بالنسبة لجهاز المناعة غير معروفة تماماً؛ لكن كل خلية في الكتيبة المناعية تقريباً بها مستقبلات لفيتامين «دي» والقدرة على استقلابه.
حتى وقتنا الحالي، وُجد أن فيتامين «دي» يحفز إنتاج المواد التي تعمل مضادات حيوية للجسم، وتقتل مسببات الأمراض. لكن قد يكون هذا مجرد بداية لها. وقد عُثر على مستويات منخفضة من الفيتامين بانتظام بين أولئك الذين يعانون من التهابات الجهاز التنفسي وغيرها. وهناك علاقة عكسية بين عدوى الجهاز التنفسي العلوي ومستويات فيتامين «دي» في الدم.
سواء أكان فيتامين «دي» يمنع العدوى أم لا، فقد ثبت أنه يخفف من شدة المرض، حيث إنه يضع قيوداً على إنتاج المستجيبات الداعمة للالتهابات. وقد أدى ذلك إلى تدريب الانتباه إليه أثناء الوباء، حيث يرتبط الالتهاب الجامح بأخطر عواقب «كوفيد19»، كما أنه يجعل حالة فيتامين «دي» لدى الأميركيين مقلقة. وقد وجدت الدراسة ذاتها أن 95 في المائة من البالغين الأميركيين يحصلون على كميات غير كافية من المغذيات.
الزنك والأعشاب
> الزنك: يتخذ معدن الزنك منهجاً مختلفاً تجاه المناعة؛ حيث يجري توفيره للنظام الغذائي الأميركي بشكل أساسي من اللحوم الحمراء، فهو يساهم في المناعة الفطرية والتكيفية. ويحفز المعدن المستجيبات المناعية الأولى للتوجه إلى موقع الإصابة، وبمجرد وصوله، يمنع الالتهاب من الانتشار خارج نطاق السيطرة. ومن دون الزنك، تصبح الاستجابة المناعية مفرطة الحماس ومدمرة للأنسجة، فالزنك يؤثر أيضاً على نشاط الخلايا التائية للمناعة التكيفية؛ حيث يجري تخصيصها لاستهداف مستضدات معينة على مسببات الأمراض الغازية.
من المعروف أن نقص الزنك يزيد من قابلية الإصابة بالعدوى؛ فوفقاً للدراسة، فإن 15 في المائة من الأميركيين لا يتناولون كميات كافية من الزنك. ويقدر الباحثون أن 40 في المائة من كبار السن يعانون من نقص تام، وتؤخذ مكملات الزنك على شكل أقراص استحلاب، لتقصير مدة نزلات البرد. لكن الحكم بشأن قدرتها على درء نزلات البرد تماماً لم يصدر بعد.
> عشب وقائي: هناك نبات «البلسان (elderberry)»، وهو ليس من المغذيات؛ بل هو علاج تقليدي لأمراض الجهاز التنفسي الفيروسية، وقد زاد «كوفيد19» من الاهتمام به. تعدّ ثمرة شجرة «السمبوسك»، أو البلسان، غنية بمضادات الأكسدة؛ ففي إحدى التجارب السريرية العشوائية، حدّ ذلك النبات من مدة وشدة نزلات البرد بين المسافرين جواً. لكن كيف يمكن أن يعمل بالضبط؟ سؤال لا يزال من دون إجابة واضحة.
كلما زاد عدد العلماء الذين يستقصون جهاز المناعة؛ زاد التعقيد. لكن تبقى حقيقة بسيطة أمام أعيننا: غالباً ما تحتاج المناعة إلى دَفعة لتكون جاهزة لعدد كبير من الميكروبات الموسمية التي تعمل على مهاجمتنا.
* مجلة «سايكولوجي توداي»