في 6 نقاط..
أثار تصاعد التوتُّرات على الحدود بين روسيا وأوكرانيا مخاوف من أن أزمة إمدادات الغاز في أوروبا يمكن أن تصبح أكثر خطورة. وقد تجاوزت أسعار سوق الغاز بالفعل ارتفاعاتٍ قياسية وتهدِّد بإرهاق الأسر الأوروبية بأزمة تكاليف المعيشة.
تُعَدُّ روسيا أكبر مورّد للغاز في أوروبا، حيث يتدفق ثُلُث هذا الغاز عبر خطوط أنابيب الغاز الأوكرانية إلى دول عبر القارة. كانت تدفُّقات الغاز الروسي أقل بمقدار الربع عن المعتاد خلال العام الماضي، لكن القادة الأوروبيين يخشون الآن من أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يؤدِّي إلى كارثة طاقة إذا قُطِعَت صادرات الغاز.
وقال مسؤولو البيت الأبيض هذا الأسبوع إن إدارة بايدن تستعد لوضع اللمسات الأخيرة على صفقةٍ “لضمان أن تكون أوروبا قادرةً على اجتياز الشتاء والربيع” من خلال التوسط بين الدول الرئيسية المُنتِجة للغاز لإرسال الغاز الطبيعي المُسال بواسطة الناقلات إلى أوروبا، لكن هذه الخطة ليست بدون تحديات.
1- من أين يمكن أن تأتي إمدادات الغاز الطارئة إلى أوروبا إذ قطعت روسيا صادراتها عنها؟
يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، إن ليبيا قد تكون أيضاً قادرةً على المساعدة في ضوء إنتاجها القوي من الغاز وقربها من أوروبا. لكن من المرجَّح أن يتركَّز الحديث على قطر، أحد أكبر مُنتِجي الغاز في العالم وثاني أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المُسال بعد أستراليا. تُعَدُّ قطر حليفاً غربياً قوياً في الشرق الأوسط، وقد زوَّدَت المملكة المتحدة ودولاً أوروبية أخرى بالغاز الطبيعي المُسال لسنوات.
وفي مقالٍ نَشَرَه موقع Middle East Eye البريطاني، كَتَبَ أندريس كريغ، الأستاذ المساعد في قسم دراسات الدفاع في كلية كينجز في لندن، إن قطر، على عكس روسيا، لم تستخدم الطاقة في سياسات القوة الصارمة، بل استثمرت في عقودٍ موثوقة طويلة الأجل، ما يوفِّر إمكانية التنبؤ والاستدامة بعيداً عن تقلُّبات أسعار السوق.
وفي لفتةٍ إنسانية، زودت الدوحة اليابان بأربعة ملايين طن إضافية من الغاز الطبيعي المُسال في أعقاب كارثة تسونامي التي دمرت العديد من المفاعلات النووية في عام 2011. وفي أواخر عام 2021، أعادت قطر توجيه أربع ناقلات للغاز الطبيعي المُسال إلى بريطانيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتخفيف تأثيرات أزمة الطاقة الناجمة عن التعافي الاقتصادي العالمي بعد اندلاع جائحة كوفيد-19.
وأضاف أندريس كريغ، إنه بالنسبة لقطر، تعتبر الطاقة وسيلةً للقوة الناعمة. وهي تتناسب بشكل جيد مع قوتها الناعمة الحالية كحَكَمٍ إقليمي ووسيط سلام. وباعتبارها دولةً صغيرةً في بيئةٍ غير مستقرة، تحاول قطر خلق ترابط يوفِّر لها الأمن في نهاية المطاف. وبالتالي، على عكس روسيا، فهي غير مهتمة باستغلال التبعيات من جانبٍ واحد في سياسات القوة الصارمة.
وقال إنه على العكس من ذلك، لا تقوم قطر بتسييس إمداداتها من الطاقة. خلال الحصار المفروض على الدوحة من قِبَلِ السعودية والإمارات وجيرانٍ آخرين بين عامي 2017 و2021، ظلَّت قطر ملتزمةً بالحفاظ على خط أنابيب دولفين قيد التشغيل، وتزويد أبوظبي ودبي بإمدادات الغاز الحيوية.
يمكن للولايات المتحدة نفسها أن تلعب دوراً مباشراً في تعزيز إمدادات الغاز في أوروبا أيضاً. غادرت شحناتٌ قياسية من الغاز الطبيعي المُسال الولايات المتحدة مُتَّجِهةً إلى الموانئ الأوروبية خلال الشهر الماضي، ولدى الولايات المتحدة حافزٌ قويٌّ طويل الأجل لتشجيع أوروبا على التخلِّي عن اعتمادها على روسيا -ومشروع خط أنابيب نورد ستريم 2- لصالح احتياطيات الغاز الصخري الخاصة بها.
2- ما كمية الغاز في حالات الطوارئ التي تحتاجها أوروبا؟
ترسل روسيا ما يقدَّر بنحو 230 مليون متر مكعب من الغاز إلى أوروبا كلَّ يوم، يسافر حوالي ثُلُثها غرباً عبر أوكرانيا. لكن خبراء السوق منقسمون حول ما إذا كان من المرجَّح أن تعطِّل روسيا جميع صادرات الغاز إلى أوروبا، أو تلك التي تعتمد فقط على أنابيب الغاز الأوكرانية. ويشكِّك آخرون فيما إذا كان الكرملين سيشدِّد الخناق على الإطلاق على صنابير الغاز الروسية.
3- هل يوجد غاز احتياطي كافٍ لسدِّ الفجوة؟
وفقاً للمُحلِّل شي نان من شركة Rystad Energy لأبحاث الطاقة، فإن أزمة إمدادات الغاز العالمية التي ظهرت مع بدء الاقتصادات في الانتعاش في أعقاب ركود كوفيد-19 تعني أن هناك القليل فقط من الغاز الطبيعي.
وقالت الولايات المتحدة إن محادثاتها “واسعة حقاً، مع الكثير من الشركات والبلدان في جميع أنحاء العالم”، بحيث لا تحتاج إلى “مطالبة أيِّ شركة أو دولة بمفردها بزيادة الصادرات بكمياتٍ كبيرة، ولكن بكمياتٍ أصغر من مصادر متعدِّدة”.
تنتج قطر حالياً 77 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المُسال، لكنها تعاقدت بحوالي 97 مليون طن سنوياً مع المشترين في آسيا وأوروبا والكويت وشركات الطاقة الكبرى التي يمكنها اختيار مكان إرسال كل شحنة. وخصَّصَت الولايات المتحدة 80 مليون طن من إنتاج الغاز الطبيعي المُسال للمشترين في آسيا وأوروبا.
وذكر المقال المنشور على موقع Middle East Eye أن الدوحة قالت إنها تستهدف الوصول إلى 126 مليون طن سنوياً في السنوات الخمس المقبلة. وهذا من شأنه أن يترك حوالي 75 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المُسال بدون عقود لتُباع لعملاءٍ جدد أو حاليين، ما يعزز قوة رافعة الطاقة في قطر.
لوضع هذا في السياق فإن 75 مليون طن تعادل ما يقرب من 100 مليار متر مكعب من الغاز، وهو أمرٌ مثيرٌ للإعجاب عند الأخذ في الاعتبار أن قدرة الغاز الطبيعي المُسال الجماعية في أوروبا تقع في حدود 240 مليار متر مكعب سنوياً.
4- كيف يمكن أن تصل إمدادات الغاز الطارئ إلى أوروبا؟
تتم إمدادات الغاز في العالم عبر طريقتين:
الأولى: خطوط الأنابيب، كما هو الحال مع تغذية روسيا دول الاتحاد الأوروبي عبر خطي نورد ستريم.
وتعتبر خطوط الأنابيب من أهم الطرق لنقل الغاز والبترول من أماكن الإنتاج إلى محطات التكرير وأيضاً لمحطات المعالجة وذلك لعدة أسباب، على رأسها أنها تعد الأكثر أمنا وأقل في التكلفة، كما أنه يصعب سرقتها، حيث تكون تلك الأنابيب مجهزة بالصمامات، والمضخات، وأجهزة التحكم.
الثانية: الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وهو الذي يتم نقله بواسطة ناقلات متخصصة ثم يُعاد تحويلها إلى غاز في محطات متخصصة.
والغاز المسال هو غاز طبيعي تم تحويله من حالته الغازية -التي يوجد عليها في الطبيعة- إلى الحالة السائلة، عن طريق تبريده إلى 162 درجة مئوية تحت الصفر. ويكون على شكل سائل عديم اللون والرائحة، ولهذا تضاف إليه كميات من مركب كيميائي (يشبه الكبريت في رائحته) قبل الشروع في توزيعه، من أجل إعطائه رائحة مميزة كعنصر أمان يسمح بالتعرف على وجوده في الهواء إذا وقع أي تسرب.
ويقول تقرير لصحيفة The Times البريطانية، إن قطر تعد من أبرز الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال لأنه ليس لديها خطوط أنابيب غاز رئيسية. وتعد الدولة الخليجية الصغيرة بالفعل مورداً مهماً لبريطانيا، فهي تلبي ما يقل قليلاً عن عُشر احتياجات البلاد.
ولكن في حين أن معظم الغاز البريطاني يأتي من بحر الشمال والنرويج، فإن حوالي ثلث الغاز الأوروبي وأكثر من نصف الغاز الألماني يأتي من روسيا، حيث تعتبر ألمانيا أكبر مستهلك للغاز في أوروبا.
5- ما المشاكل التي قد تواجه أوروبا في اعتمادها على غاز قطر المسال؟
تقول صحيفة The Times، إنه مع الارتفاع الصاروخي للأسعار مع عودة الإنتاج الصناعي بعد فيروس كورونا إلى طبيعته في جميع أنحاء العالم، بدأت أوروبا بالفعل في استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال. كانت بريطانيا في مقدمة المشترين، فقد بدأت مفاوضات مع قطر لزيادة المعروض في أكتوبر/تشرين الأول.
لكن حتى لو كانت مساعدة قطر وشيكة، تبقى مشكلتان. الأولى هي أن الأوروبيين اعتادوا على الحصول على الغاز عبر خطوط الأنابيب، ومع اعتمادهم التاريخي على الفحم غير العصري الآن لتوليد الطاقة، فإن دولاً مثل ألمانيا لم تستثمر في محطات الغاز الطبيعي المسال.
فيما تعمل بقية المحطات الأوروبية، التي لم تكن مستغلة بشكل كافٍ، بأقصى سرعتها بالفعل، حتى قبل اندلاع أزمة بشأن أوكرانيا.
ويقول مايكل ستوبارد، المحلل لدى شركة الاستشارات IHS Markit: “يقدم الغاز الطبيعي المسال بالفعل مساهمة كبيرة لاستبدال التدفقات الروسية المتراجعة، ومع ذلك، فإن الغاز الطبيعي المسال غير قادر على تغطية جميع الواردات الروسية”.
أما المشكلة الثانية، فهي مسألة مقدار الغاز الذي يتم ضخه بالفعل من الأرض. وتعتمد قطر على حقل غاز الشمال أو “حقل فارس الجنوبي” هو حقل غاز طبيعي يقع في الخليج العربي، تتقاسمه كل من قطر وإيران، وهو أكبر حقل غاز بالعالم حيث يضم 50.97 ترليون متر مكعب من الغاز، لكن التسليم لا يزال يتطلب استثمارات دولية في الحفر والناقلات والمحطات، كما تقول صحيفة “التايمز”.
ويقول روبن ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة Qamar Energy، وهي شركة استشارية مقرها الخليج: “جميع مصانع الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم تعمل بأكبر قدر ممكن من السعة، لذلك هناك القليل جداً من الطاقة الاحتياطية”.
6- كيف يمكن أن تستفيد دول غنية بالغاز مثل قطر من الأزمة الحالية؟
لهذا السبب تقول قطر إنها إذا أرادت تقديم المزيد من الغاز إلى أوروبا، فإنها بحاجة إلى مساعدة في إقناع الدول الآسيوية، أكبر عملائها، بالموافقة على تحويل إمداداتها. ومن بين هؤلاء اليابان وكوريا الجنوبية، الحلفاء الغربيون الذين قد يسعدهم تقديم المساعدة، وكذلك الصين، التي من المحتمل أن تفعل ذلك، ولكن فقط بثمن كبير.
على مدار سنوات، كانت الدول الأوروبية تشتري إمداداتها من السوق “الفورية”، مستفيدة من انخفاض الأسعار، لكن الآن الظروف قد اختلفت، والموردون لديهم الميزة.
وقعت الدول الآسيوية في الغالب عقوداً طويلة الأجل -20 أو 25 عاماً- بدلاً من استخدام السوق الفورية مثل الغرب، ما يعني أنها دفعت مؤخراً أسعاراً أعلى، وهذا ما سيتعين على أوروبا الآن دفعه لتحويل مسار ناقلات الغاز المسال من الشرق إلى الغرب.
لطالما أرادت قطر من أوروبا توقيع عقود طويلة الأجل معها أيضاً، وتعتقد الدوحة أن الأزمة الأوكرانية أثبتت الحاجة إلى ذلك. وقال مصدر غربي رفيع المستوى لصحيفة “التايمز”: “قطر تبحث عن عقود طويلة الأجل لمواجهة العواصف الطبيعية أو السياسية، مضيفاً أن الاعتماد المستمر على العقود قصيرة الأجل لن يكون مستداماً لأمن الغاز الطبيعي المسال في أوروبا على المدى الطويل”.
وتخطط قطر بالفعل لزيادة السعة في حقل الشمال بأكثر من النصف بحلول عام 2027، وهي ترى الآن فرصة لتأمين العملاء لدفع ثمنها. بالطبع سيكون لذلك تأثير آخر. فكلما زاد ضمان الاتحاد الأوروبي لشراء الغاز القطري، قلت الحاجة من روسيا. ويعتقد البعض أن هذا سيكون بمثابة خطر على ازدهار روسيا على المدى الطويل لدرجة أن بوتين نفسه لا يريد تحمله.
الغاز الروسي في قلب العاصفة.. ما هو خط “نورد ستريم 2″، ولماذا تبحث أمريكا عن بديل له من الشرق الأوسط؟
في الوقت الذي تحاول فيه القوى الغربية تجنب الغزو الروسي لأوكرانيا، يمكن أن يصبح خط غاز “نورد ستريم 2”، وهو مشروع البنية التحتية للطاقة الذي تم الترويج له منذ فترة طويلة والذي تسبب بالفعل في إحداث شرخ بين ألمانيا والولايات المتحدة، ورقة مساومة رئيسية، إذ يعتبر الخط شرياناً حيوياً لمبيعات الغاز الروسي نحو أوروبا.
فما هو هذا الخط وما قصته؟ وما البدائل التي تبحث عنها واشنطن وحلفاؤها للغاز الروسي في حال اندلاع الحرب وغزو روسيا لجارتها أوكرانيا؟
ما هو خط غاز نورد ستريم 2؟
يمتد خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي “نورد ستريم 2” الذي تبلغ قيمته 11 مليار دولار عبر بحر البلطيق، وهو مملوك لشركة غاز بروم الروسية العملاقة للطاقة، من غرب سيبيريا إلى ألمانيا، وهو مسار جديد لإمداد الغاز الروسي نحو أوروبا، لدعم خط “نورد ستريم1” الأصلي المستخدم بالفعل.
وعلى مسافة 1200 كيلومتر من فيبورغ في روسيا، عبر بحر البلطيق، إلى لوبمين في ألمانيا، يمتد الخط الروسي متجاوزاً أوكرانيا وبولندا، ليكون رابطاً مباشراً بين موسكو المنتجة للغاز والمستهلكين الأوروبيين.
وسيُساهم “نورد ستريم 2” في مضاعفة السعة الإجمالية لخط نورد ستريم 1، لتصل لنحو 110 مليارات متر مكعب في السنة.
وتقول وثيقة رسمية من إعداد خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي إن نصف تكلفة تشييد هذا الخط، كانت بتمويل من خمس شركات أوروبية هي “إنجي” الفرنسية، و”أو.إم.في” من النمسا، و”شل” المملوكة لكل من هولندا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى “يونيبر” و”ووترشال” من ألمانيا.
عُلّق العمل في خط الأنابيب هذا مبدئياً في ديسمبر 2019، بعد إقرار عقوبات أمريكية ضد روسيا مسّت خط الأنابيب، بسبب احتلال شبه جزيرة القرم، لكن البناء استؤنف في ديسمبر 2020. ورداً على ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 23 من الكيانات والسفن الروسية.
ما أهمية خط “نورد ستريم 2” لدى ألمانيا؟
بالنسبة لألمانيا، يمكن لخط الأنابيب الروسي أن يمد 26 مليون منزل ألماني بالتدفئة بسعر مناسب، وتم الانتهاء من بنائه في سبتمبر/أيلول 2021. ومع ذلك، لم يصدر المنظمون الألمان بعد الإذن القانوني النهائي الذي تحتاجه شركة غاز بروم لبدء عملياتها.
وبينما أكدت ألمانيا أن “نورد ستريم 2 مشروع تجاري فقط“، إلا أن الخط له أيضاً عواقب جيواستراتيجية، حيث يتجاوز أوكرانيا ويحتمل أن يحرمها من حوالي ملياري دولار كرسوم عبور تدفعها روسيا حالياً لإرسال الغاز عبر أراضيها.
وتواجه ألمانيا معضلة منذ محاولتها الابتعاد عن الوقود الأحفوري، فقد قررت برلين التخلي عن الطاقة النووية، لكن مصادر الطاقة المتجددة في ألمانيا لن تولد سوى القليل جداً من الكهرباء في المستقبل المنظور، ولذلك بدت البنية التحتية لنقل الغاز، والتي غالباً ما تستثني دول العبور، التي تعاني من مشاكل مثل بولندا وأوكرانيا، مثالية لبعض الوقت، أمام صُناع القرار في ألمانيا.
وتجد ألمانيا نفسها في مأزق خاصة وسط ضغوط ومطالب من الولايات المتحدة لاستخدام خط الغاز “نورد ستريم 2” كورقة ضغط لردع روسيا عن أي توغل يستهدف أوكرانيا، فضلاً عن مخاوف من أن يؤدي الاعتماد على هذا الخط إلى الإضرار بقطاع الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
الخلاف الأمريكي الألماني.. لماذا تعارض واشنطن “نورد ستريم 2″؟
تعتبر الولايات المتحدة خط الأنابيب الروسي أداة جيوسياسية لروسيا لتقويض الطاقة والأمن القومي، ما زاد من نفوذ موسكو على أوروبا، حيث ارتفعت أسعار الغاز.
وتعرضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لانتقادات من مشرعين من الحزب الجمهوري، “لأنها لم تفعل ما يكفي لوقف المشروع”، وانتقدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الخط، منذ إطلاق خط نورد ستريم1، الذي افتتح في عام 2011.
وتأكدت مخاوف الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، منذ ذلك الحين، إذ أصبحت أوروبا تعتمد على نحو 43% من وارداتها من الغاز الروسي، وفق الأرقام التي قدمها تقرير سابق لمجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
وفي عام 2015، أعدت المفوضية الأوروبية بياناً تضمن اعتراضات على الخط، وكان من أبرزها انتهاكات شركة غاز بروم التي تضخ الغاز لأوروبا عبر خط نورد ستريم الأصلي، لقواعد المنافسة، والتي قوضت سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي، بسبب الاحتكار، وفقاً للبيان.
لكن الخط أصبح “مهماً بشكل خاص في الوقت الحالي”، إذ تشهد أوروبا انخفاضاً في إنتاج الغاز المحلي وزيادة في الطلب على الغاز المستورد، وفق الموقع الرسمي لشركة غاز بروم الروسية.
وفي 13 يناير 2022، فشل مجلس الشيوخ الأمريكي في تمرير مشروع قانون برعاية السيناتور الجمهوري تيد كروز لفرض عقوبات على مشروع نورد ستريم 2.
ومارست إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضغوطاً على أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ضد مشروع القانون، خوفاً من تأثيره على العلاقات الأمريكية الألمانية واحتمال أن يزيد من استعداء روسيا وسط الأزمة الأوكرانية.
وفي مايو/أيار 2021، تنازل بايدن عن العقوبات المفروضة على الشركة المملوكة لروسيا ومقرها سويسرا والتي تدير مشروع خط الأنابيب، نورد ستريم 2 إيه جي، كجزء من اتفاقية مع ألمانيا.
ومع ذلك، لم يكن لموقف الولايات المتحدة التأثير المطلوب في ألمانيا، وزادت روسيا من الضغط، حيث قالت وكالة أنباء تاس الحكومية إن العقوبات على خط الأنابيب ستؤدي إلى تراجع إمدادات الطاقة ونمو أسعار الغاز في أوروبا.
ويعزى نقص إمدادات الغاز في أوروبا على نطاق واسع مؤخراً إلى ندرة تدفقات الغاز من روسيا، وقد أصاب بشكل خاص العمال ذوي الدخل المنخفض في ألمانيا، والذين يعتمد عليهم حزب المستشار الألماني أولاف شولتز في التصويت.
“نورد ستريم 2” في قلب الأزمة مع تصاعد احتمالات الغزو الروسي لأوكرانيا
عارضت أوكرانيا وبولندا خط الأنابيب الذي ترك واشنطن في موقف صعب مع بعض حلفائها الأوروبيين، كما تسبب المشروع في صراع سياسي داخل الحكومة الائتلافية الجديدة في ألمانيا وترك الغرب منقسماً في استجابته للوضع.
ويوم الثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني 2022، قدم المستشار الألماني شولتز، الذي كان قد رفض سابقاً الإفصاح علناً عن إمكانية وقف خط الأنابيب إذا هاجمت روسيا أوكرانيا، أقوى مؤشر له على أن هذا لا يزال ممكناً.
وقال شولتز في مؤتمر صحفي مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ: “من الواضح أنه ستكون هناك تكلفة عالية وأن كل هذا سيتعين مناقشته إذا كان هناك تدخل عسكري ضد أوكرانيا”.
والآن، أصبح مشروع نورد ستريم 2 واحداً من أقوى الأدوات المتبقية للغرب للتأثير على صنع القرار الروسي عندما يتعلق الأمر باحتمال غزو عسكري روسي لأوكرانيا.
وكانت ألمانيا تقاوم الضغوطات المستمرة من الولايات المتحدة، لأنها تحتاج تماماً إلى إمدادات غاز موثوقة من روسيا، وعلى الرغم من أنها الآن واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، لا يمكن للولايات المتحدة أن تحل محل روسيا في هذا الدور كمورد رئيسي، كما يقول الخبراء، وذلك بالرغم من زعم روسيا أن واشنطن “أرادت وقف المشروع حتى تتمكن من شحن مزيد من الغاز الطبيعي المسال الخاص بها إلى أوروبا”.
وأدى تجاوز أوكرانيا إلى انخفاض حاد في نفوذ البلاد مع روسيا وخفض دخلها. ومع ذلك، تعتمد أوروبا وألمانيا على الغاز الروسي، حيث يكشف هذا الصراع الحالي عن نقاط الضعف، ما يعني أن نورد ستريم 2 أصبح رادعاً للحرب في أوكرانيا وخياراً للعقاب في حالة نشوبها.
واشنطن تبحث عن بديل للغاز الروسي.. فهل تجده في الشرق الأوسط؟
في خضم ذلك تحاول الإدارة الأمريكية مستغلة احتمالات الغزو الروسي لأوكرانيا، أن تكبح الخط الروسي الذي تعتبر أنه سيعزز النفوذ الاقتصادي والسياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوروبا، وهو ما يعني تهديداً للمصالح الأمريكية الاستراتيجية والعميقة بالقارة الأوروبية.
وبالتالي، تسعى الإدارة الأمريكية للبحث عن بديل للغاز الروسي ولو كان مؤقتاً في ظل تصاعد احتمالات دخول روسيا لأوكرانيا وانقطاع الغاز عن أوروبا التي تعاني بالأساس من أزمة بسبب ارتفاع أسعاره، وقد يكون ذلك البديل لدى الشرق الأوسط الغني بالغاز.
إذ قال البيت الأبيض يوم الثلاثاء، 25 يناير 2022، إن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، سيجري محادثات مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض يوم 31 يناير/كانون الثاني بشأن مجموعة من القضايا أبرزها أمن الطاقة العالمي، والمخاوف بشأن إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وقال موقع Axios الأمريكي إنه علم من مصادره في البيت الأبيض أن بايدن سيناقش مع أمير قطر “خطط الطوارئ لتوفير الغاز الطبيعي لأوروبا في حالة الغزو الروسي لأوكرانيا”.
وأضاف الموقع أن اعتماد أوروبا على روسيا للحصول على 40% من غازها الطبيعي يقوض محاولات بايدن لتنسيق العقوبات “الهائلة” التي سيتم فرضها من كلا جانبي المحيط الأطلسي إذا قامت روسيا بغزوها. ويريد البيت الأبيض من قطر المساعدة في ضمان قدرة الدول الأوروبية على فرض عقوبات صارمة دون المخاطرة بأزمة طاقة.
وأكد كبار المسؤولين في الإدارة يوم الثلاثاء لـ”آكسيوس”، أن الولايات المتحدة تجري محادثات مع دول وشركات في جميع أنحاء العالم -بما في ذلك قطر التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات في العالم- للتخفيف من صدمات الأسعار، من خلال زيادة الإنتاج مؤقتاً أو إعادة تخصيص الإمدادات.
وقال مصدر رفيع مطلع على تفاصيل زيارة الأمير تميم لواشنطن، إن المناقشات بشأن توفير قطر للغاز الطبيعي المسال هي مناقشات أولية، لكن من المتوقع أن يتم تقديم الاقتراح في الاجتماع بين بايدن والشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
في الوقت نفسه، تطمح إسرائيل لنقل كميات الغاز الطبيعي الضخمة المكتشفة لديها إلى أوروبا. وبعدما وجهت واشنطن ضربة لمشروع خط غاز “إيست ميد” بين اليونان وإسرائيل بالانسحاب منه كداعم رئيسي الأسبوع الماضي، أكدت تركيا أنها مهتمة بنقل الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حديث للصحفيين، الثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني، إن بلاده مهتمة “باستئناف المحادثات مع إسرائيل بشأن نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا”، مضيفاً: “إذا نُقل الغاز إلى أوروبا، فلن يتم ذلك إلا من خلال تركيا”.
ونقلت وكالة الأناضول عن أردوغان قوله إن الولايات المتحدة “أجرت تحليلات تكلفة لمشروع خط أنابيب “إيست ميد” الذي يهدف إلى تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل مباشرة إلى أوروبا، وقررت سحب دعمها لأن المشروع سيكون مكلفاً للغاية”، مشيرة إلى أن المشروع “لن يكون ذا جدوى اقتصادية بدون تركيا”.
وذكر أردوغان أن إسرائيل وتركيا أجرتا عدة محادثات لنقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا، مشيراً إلى أن الجانب الإسرائيلي على مستوى الرئيس ورئيس الوزراء يبعثون رسائل في هذا الشأن إلى تركيا، وأن أنقرة لا تزال حريصة على العمل مع إسرائيل حول ذلك.