“اللي إلو عمر ما بتقتلو شدة” فكيف إذا كانت بئراً بعشرات الأمتار عمقاً في باطن الأرض؟ خمسة أيام بنهاراتها ولياليها التحف فيها الطفل ريان بالظلمة والخوف لكن غريزة البقاء كانت أقوى وبوضعية الجنين في رحم من صخر تمسك بالحياة إلى أن فتحت فرق الإنقاذ ممراً للخلاص وأول الواصلين إليه كان فريقاً طبياً مدعوماً بآخر هندسي يشرف على عملية إخراج ريان من البئر بأقل ضرر ممكن فيما الطواقم الأخرى في الخارج مجهزة بالمروحيات وعلى أتم الاستعداد لمعاينته ونقله للعلاج الفوري.
مشاهد عمليات الإنقاذ أبلغ من الكلام وانتظار إشارة حياة من قلب النفق حبست أنفاس العالم أما صورة ريان خارج البئر المهجورة فستصبح أيقونة وستنطبع في ذاكرته بكل وجعها وخوفها وحسرتها. ريان والبئر هي حكاية الزمن القادم ربما تروى في الأفلام والمسلسلات كواقعة حقيقية كتب نهايتها السعيدة وأخرجها بلد وضع كل إمكانياته لإغاثة ابن الخمسة أعوام فماذا لو كان ريان في لبنان؟ السؤال مشروع لكن أوجه الشبه معدومة . فلبنان ومنذ ثلاثين عاماً دخل في نفق لا نور في آخره سلطته رمته في البئر وأجهز عليه إخوته محكوم من منظومة تحاول إعادة إنتاج ذاتها بتسليم الدفة لأبنائها وفي مواسم الانتخابات فإن الأبناء لن يأكلوا الحصرم لأن الآباء أكلوا الأخضر واليابس وقضوا على كل الحقوق والمكتسبات. لو كان ريان في لبنان لكان المسؤولون سلموا بالقضاء عليه وتركوه لقدره كما فعلوا بتفجير العاصمة وكما تعاملوا مع سلسلة الحرائق التي لفت البلاد من أقصاها غلى أقصاها واكتفوا بالندب على الحال وانعدام الحيلة لأنهم أدرى بشعاب ما اقترفت أياديهم بحق هذا البلد وناسه. وعدوه بجهنم فكان بئس المصير على الأرضنهبوا عرق جبينه وجعلوه متسولاً على أبواب الدول المانحة وغير المانحة وها هم اليوم في رحلة التسليم والتسلم يديرون الأزمة ويبحثون في موازنتهم عن جنس الدولار الجمركي ويسعون فيما تبقى من فلس الأرملة لتطويق أبسط سبل العيش والحقوق بضرائب جديدة. لو كان ريان في لبنان لقضى عند أبواب المستشفيات وكان ليستجدي نفس الأوكسجين من مافيا الدواء ووكالاتها الحصرية في القبض على الأرواح وما كانت المنظومة لتنير عتمته بشمعة لأن تجار الأزمات راكموا الملايين من بؤس الناس ولأن وعود الكهرباء صرفت هدراً في سوق المناقصات والمحسوبيات وسلفتها الموعودة لن يكون مصيرها أفضل من مصير البواخر التي تبخرت على خطوط التيار السياسي العالي . لو كان ريان في لبنان لجعلت السلطة من قضيته قميص عثمان “ودبت الصوت” على الدول طلباً للمساعدة تماماً كما فعلت بتفجير المرفأ حيث الشاي السيلاني وزع على حاشية القصر والطحين العراقي قضى نحبه تحت المطر في مدرجات المدينة الرياضية في وقت عز الحصول فيه على رغيف خبز أما المساعدات المالية فحدث عنها ولا حرج . الحمدلله أن ريان لم يكن في لبنان.