اتفق كبار النقاد في الغرب على أن رواية «يوليسيس» للآيرلندي جيمس جويس، هي واحدة من أهم مائة عمل أدبي في القرن العشرين. اتفقوا أيضاً على أن جويس واحد من ثلاثة متشابهين. الآخران هما الفرنسي مارسيل بروست «البحث عن الوقت الضائع»، والأميركي وليم فوكنر «الصخب والغضب». وقال بعضهم إن من يقرأ بروست يتشمم عطر فرنسا، ومن يقرأ دون كيخوتي يتشمم عطر إسبانيا ومن يقرأ «الصخب والغضب» يغرق في حياة الجنوب الأميركي.
حاولت كثيراً، على مدى السنين، أن أقنع نفسي برأي النقاد في «يوليسيس»، خصوصاً أن دبلن كانت من المدن التي أحببتها قبل الثلاثين من العمر. أو بالأحرى على عتبة الثلاثين. فقد كنت في التاسعة والعشرين، عندما سافرت إليها. وبالتالي عندما قرأت جويس فيما بعد، كان كل شيء مألوفاً: أسماء الشوارع وأسماء الناس وذلك المناخ النفسي البارد الذي يسيطر على كل أعمال جويس، وكلها حول دبلن، المدينة التي صنعت شهرته، لكنه اختار الهجرة إلى باريس لكي يعيش بعيداً عنها.
مضيت سنوات قبل أن أستطيع قراءة «البحث عن الوقت الضائع» وأجزائه التسعة، أو الثمانية، وتمتعت كثيراً بقراءة «الصخب والغضب». وما زلت أحاول أن أقنع نفسي بأن «يوليسيس» تحفة من آداب القرن الماضي. قبل نحو عقدين غامر أحد المثقفين العرب بنقل «يوليسيس» إلى العربية. وكانت مغامرة حقاً. فالكتاب من الصعب أن يكون له في لغته، فكيف إذا نقل إلى لغة بعيدة عن مناخه وحضارته وأجوائه.
ثم إن المشكلة قد تكون بي، وليس في المستر جويس. أو بالأحرى هذا هو الأرجح. والآن في مئويته، لم يبقَ أحد من الصحف الأدبية الكبرى (ملحق: «التايمز» الأدبي) إلا واستعاد بدهشة مؤرخ دبلن وكاتب مفكراتها بدايات القرن الماضي. وقد حاولت مرة أخرى، ولكن عبثاً. على أن هناك نقطة لا تنسى، وهي أن نجيب محفوظ كان من المتأثرين بالآيرلندي و«قاهرته». ومثله قسم القاهرة إلى «ثلاثية». ومثله حوّل الحدث اليومي وأخبار الصحف إلى عمل يومي.