نقلت كل من وكالة رويترز وصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن مسؤولين أوروبيين، قولهم إن الاتحاد الأوروبي يستعد لتجميد أصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وذلك بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن ما حجم ثروة بوتين، وهل يمتلك بالأساس أصولاً مالية داخل أوروبا؟ وما مدى تأثره شخصياً بالعقوبات التي طالت “دائرة النخبة” ممن حوله التي فرضت من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبريطانيا؟
ما مدى تأثر بوتين بالعقوبات المفروضة على روسيا؟
يقول مسؤول أوروبي لوكالة رويترز، الجمعة 25 فبراير/شباط 2022، إن مبعوثي الاتحاد الأوروبي الذين يجتمعون في بروكسل لصياغة تفاصيل عقوبات على روسيا وافق عليها زعماء دول التكتل الخميس 24 فبراير/شباط، قرروا “تجميد أصول في أوروبا يملكها كل من بوتين ولافروف”. ووفقاً لثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر، فإن وزراء خارجية الاتحاد يخططون للموافقة على حزمة العقوبات هذه، إلى جانب عدد من الإجراءات ضد البنوك والصناعة الروسية.
ومع ذلك، تقول مصادر صحيفة “وول ستريت جورنال“، إن كلاً من بوتين ولافروف لن يخضعا لحظر السفر بموجب هذه الإجراءات، مما يؤكد “استعداد الاتحاد الأوروبي لإبقاء الإمكانيات الدبلوماسية الرمزية مفتوحة”.
ومساء الخميس، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات وُصفت بـ”القاسية”، على الأفراد المحيطين ببوتين والشركات الروسية والبنوك في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
مع ذلك، فإن الشخص الأكثر مسؤولية عن قرار الغزو، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه “اختار هذه الحرب” في مؤتمر صحفي، يوم الخميس، لم يكن هدفاً للعقوبات حتى الآن، خصوصاً الأمريكية.
وسبب ذلك هو أن بعض الدول الغربية قد ترغب في تجنيب بوتين عقوبات شخصية؛ للحفاظ على إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي، كما تذكر صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التي قالت إن بعض الدول الأوروبية بقيادة ألمانيا أرادت “استبعاد عقوبات على بوتين ووزير خارجيته لافروف؛ لإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع القيادة الروسية العليا”.
وفرضت الدول الغربية تجميد أصول وحظر سفر على أعضاء من “النخبة الروسية”، من ضمنهم الدائرة المقربة من بوتين. كما منعت العقوبات الأفراد والشركات من التعامل مع من تم استهدافهم.
ومنعت الولايات المتحدة بعض أكبر البنوك الروسية، مثل PJSC Sberbank و VTB Bank، من العمل مع النظام المالي الأمريكي. كما يخطط الاتحاد الأوروبي أيضاً لمنع العديد من البنوك الروسية من شراء وبيع الأوراق المالية الأوروبية، وإدراج العديد من الشركات المملوكة للدولة في القائمة السوداء في بناء السفن والبناء.
كما فرضت بريطانيا عقوبات واسعة النطاق على روسيا، حيث جمدت جميع الأصول من البنوك المملوكة للدولة، ومنعت الشركات الروسية الكبرى من تداول الأموال في أسواق المملكة المتحدة، بل ذهبت إلى حد منع شركة الطيران الروسية “إيروفلوت” من الهبوط في البلاد.
لماذا يتردد الغرب في فرض عقوبات شخصية ضد بوتين؟
يصف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في وقت سابق، احتمال فرض عقوبات شخصية على بوتين بأنه “مدمِّر سياسياً، ويشبه قطع العلاقات الدبلوماسية مع الغرب”.
ولذلك قد ترغب الحكومات الغربية أيضاً في فرض عقوبات تدريجية بدلاً من فرضها دفعة واحدة؛ للاستجابة بشكل أفضل إذا تغير الوضع في أوكرانيا. وهذا ليس بجديد، إذ ناقش المشاركون في صياغة عقوبات الولايات المتحدة لعام 2014 ضد روسيا -والتي فُرضت في أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم- أهمية الحفاظ على مجال للمناورة في فرض العقوبات.
ويقول داليب سينغ، نائب مستشار الأمن القومي لبايدن للاقتصاد الدولي والمهندس الرئيسي لبرنامج العقوبات الحالي -في جلسة استماع لمجلس الشيوخ عام 2018، إن “العقوبات ضد اقتصاد سوق كبير ومعقَّد ومتكامل مثل روسيا، يجب أن يكون بها مجال لرفع التصعيد أو خفضه”.
والعقوبات الشخصية ضد بوتين ليست الخيار السياسي الوحيد الذي تتم تنحيته جانباً في الوقت الحالي. قال بايدن خلال تصريحاته يوم الخميس، إنَّ “قطع روسيا عن النظام المصرفي الدولي (سوفيت) SWIFT لم يكن الموقف الذي ترغب بقية أوروبا في اتخاذه”، ويصف البعض هذا الإجراء بـ”الخيار النووي”.
وتستثني العقوبات الحالية أيضاً قطاع الطاقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف بشأن تعطيل أسواق الطاقة العالمية. ويشعر البيت الأبيض أيضاً بالقلق من أن تأتي عقوبات الطاقة بنتائج عكسية، حيث أخبر أحد مسؤولي الإدارة بوليتيكو بأنه “نظراً إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، سيؤدي قطع النفط والغاز الروسيَّين إلى رفع الأسعار لصالح بوتين”. كما تتجنب الولايات المتحدة فرض عقوبات على صناعة الألمنيوم الروسية؛ حتى لا يتفاقم النقص العالمي في المعدن.
ما حجم ثروة بوتين، وهل تُهددها العقوبات الغربية بالأساس؟
يقول تقرير لمجلة فورتشن الدولية، المتخصصة بقضايا المال والأعمال، والتي تصدرها “تايمز” الأمريكية، إنه إذا قرر قادة العالم معاقبة بوتين، فسيكون من الصعب قياس عواقب مثل هذا الإجراء؛ لأن صافي ثروة الرئيس الروسي هو “موضوع نقاش” غير محسوم.
وفقاً للإفصاحات الرسمية من الكرملين، يكسب الرئيس الروسي دخلاً قدره 140 ألف دولار ويمتلك ثلاث سيارات ومقطورة وشقة مساحتها 800 قدم مربع، كما أنه يستخدم شقة مساحتها 1600 قدم مربع في موسكو.
ومع ذلك، فإن الدائرة المقربة من بوتين ثرية للغاية، مما يشير إلى أن الرئيس الروسي أغنى مما يسمح الكرملين به من معلومات. وكشفت تسريبات مثل أوراق بنما وأوراق باندورا، التي تضمنت معلومات حول أولئك الذين يخفون الأموال في الملاذات الضريبية الخارجية، أن “النخبة” الذين تربطهم صلات وثيقة ببوتين جمعوا ثروات تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
وعند سؤاله عن آثار العقوبات الشخصية على بوتين، أشار بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين في تصريحات الشهر الماضي، إلى أن “مسؤولي الدولة في روسيا باختصار شديد ممنوعون بالأساس من الاحتفاظ بأموالهم في حسابات بنكية أجنبية”.
وتقول مجلة فورتشن إن هناك تقديرات قليلة لثروة بوتين الفعلية، لكن تلك الموجودة تضع الرئيس الروسي بين أغنى أثرياء العالم.
فقد قدر ستانيسلاف بيلكوفسكي، المحلل السياسي الروسي والناقد لبوتين، أن الرئيس الروسي كان لديه صافي ثروة قدره 70 مليار دولار في عام 2012 لمكتب الصحافة الاستقصائية الدولية (Bureau) بناءً على مزاعم بأن الرئيس الروسي لديه حصص في شركات النفط والغاز الروسية مثل غازبروم وسورجوتنيفتيجاس.
فيما يقدم أندرس أصلوند، الاقتصادي السويدي ومؤلف كتاب “رأسمالية روسيا: الطريق من اقتصاد السوق إلى نظام كليبتوقراطية”، تقديراً أعلى من ذلك لثروة بوتين، بحجة أن لدى بوتين ما بين 100 مليار دولار و150 مليار دولار في الأصول. بنى أصلوند حساباته على ثروة المقربين من بوتين، ويقدر الخبير الاقتصادي أن أصدقاء بوتين يمتلكون ما بين 500 مليون دولار وملياري دولار لكل منهم نيابة عن الرئيس الروسي.
“لا تحاولوا معرفة حجم ثروة بوتين”!
وربما جاء التقدير الأكثر تطرفاً لثروة بوتين من رجل الأعمال والاقتصادي الأمريكي بيل براودر -وهو من أشد المنتقدين للرئيس الروسي وأحد المؤيدين الرئيسيين لقانون ماغنتسكي– الذي شهد أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 2017 بأنه يعتقد أن الرئيس الروسي هو من أغنى الرجال في العالم، بأصول يصل مجموعها إلى 200 مليار دولار. وهذا المبلغ سيجعل بوتين أغنى من جيف بيزوس وبيل جيتس وإيلون ماسك. واستند براودر في حساباته إلى اعتقاده بأن بوتين أمر أغنياء القلة في روسيا بتقديم نصف ثروتهم في أعقاب اعتقال ميخائيل خودوركوفسكي عام 2003، مؤسس شركة يوكوس النفطية وأغنى شخص في روسيا الذي سُجن بتهمة الاحتيال.
ويجادل آخرون بأن محاولة حساب ثروة بوتين لا تنجح دوماً، إذ يقولون إن الرئيس الروسي يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد الروسي لدرجة أن هذه الممارسة لا معنى لها. كما جادل الملياردير الروسي المنفي سيرجي بوجاتشيف في صحيفة الغارديان في عام 2015 أن “كل ما يخص أراضي الاتحاد الروسي يعتبره بوتين ملكاً له، وأي محاولة لحساب صافي ثروته لن تنجح”.
بغض النظر عن هذه التقديرات، فإن الطبيعة الغامضة لصافي ثروة الرئيس الروسي -وكيف يمكنه توزيعها بين دائرته المقربة- تعني أن جميع التقديرات تستند إلى قدر كبير من التكهنات. من جانبها، اختارت مجلة فوربس عدم إدراج بوتين على قائمتها لأصحاب المليارات، مشيرة في عام 2015 إلى أنها لم تكن “قادرة على التحقق من ملكيته لأصول تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر”.
في إعلانه عن العقوبات الموسعة يوم الخميس 24 فبراير/شباط 2022، وصف بايدن الأفراد المستهدفين بـ “الأشخاص الذين يستفيدون شخصياً من سياسات الكرملين الذين يجب أن يشاركوا في الألم”.
ومع ذلك، ليس من الواضح مدى فاعلية العقوبات الشخصية في تجميد الموارد المالية للأفراد المقربين من بوتين أو تغيير سلوكهم. ويجادل إدوارد فيشمان من صحيفة بوليتيكو الأمريكية، بأن العقوبات المستهدفة “قد تكون فعالة بشكل هامشي فقط عندما يتعامل هؤلاء الأفراد مع الموارد الروسية باعتبارها حصالة شخصية خاصة بهم”، ومن خلال قيادة الشركات الروسية الكبرى، يمكن للنخبة المحيطة ببوتين، أن تستمر في الاستفادة من النشاط الاقتصادي حتى لو مُنعوا من الوصول إلى حساباتهم الشخصية في الغرب.