لن تعرف ماذا يعرض الفرنسيون. تعتقد أنهم يعرضون آخر فتوحات الصناعة، البالون، أو المنطاد القادر على رفع حاوية وزنها 60 طناً، من الباخرة إلى الميناء. صحيح. لكنهم يعرضون أيضاً شيئاً أكثر فرنسية، الترجمة العربية لكتاب «الأمير الصغير» الذي وضعه العام 1942 الطيار الأرستقراطي أنطوان دو سانت إكزبوري، وزيّنه برسوم كاريكاتورية ساذجة وملونة. بيع من الكتاب حتى الآن 150 مليون نسخة، وتُرجم إلى 300 لغة، بينها محكيات كثيرة في أعمق أدغال أفريقيا.
ما هو سر هذه القصة القصيرة التي لا أحداث خارقة فيها ولا دراميات؟ سرها، نص لا مثيل له. شيء مثل الموسيقى، يحدد لك منذ الصفحة الأولى ماذا سيكون مزاجك ومشاعرك. بأسلوب بسيط عادي. أو هكذا تشعر. وهكذا تعيد قراءته مرة أخرى. وتدعوك هذه إلى قراءته مرة ثالثة. فتجده سهلاً ودافئاً لكن غامضاً أيضاً. حاول مجدداً، الغموض يزداد، والراوي يزيد التفسير. تتساءل لماذا تريد القراءة مرة أخرى ولا فائدة لك؟ ربما للعذوبة. للأسلوب. للمسحة الجمالية التي تظلل الكلمات، واحدة بعد أخرى. كتب دو سانت إكزبوري شيئاً ثم رسم شيئاً، وأعتقد أنه وضع نصاً عادياً لتجربة غير عادية. فقد سقطت طائرته في الصحراء الليبية، وظل أسبوعاً في الحر والخوف والهلوسة. ثم جاء هذا النص الغامض البديع. البعض قال إنه يكتب رمزيات الحرب، آخرون قالوا بل رمزيات فرنسا التي فقدت نفسها. ثم من قال إنها رمزية زوجته الكولومبية، كوسويلو، التي هام بها، وارتكب في حقها خيانات كثيرة، واسمها في النص روز، الوردة، ومن أجلها يعلن أن ليس في إمكان الرجل أن يحب جميع الورود، هناك وردة واحدة.
150 مليون نسخة باع «الأمير الصغير»، أكثر من جميع كتّاب فرنسا في القرن الماضي. وفي معرض يجمع آخر اختراعات المستقبل، لا تزال فرنسا تقدم لنحو 20 مليون زائر «أميرها الصغير»، وأحجياته الماتعة. هل هي قصة الحرب والخيانة؟ هل هي قصة الحب ووردة واحدة؟ ثم هناك الغموض الأكبر. فقد استقبل النقاد هذا العمل في البداية على أنه كتاب جيد لتعليم القراءة للمبتدئين. فإذا هو قراءة الكبار من نيويورك إلى مجاهل الكونغو. وأعترف أن الصورة انتصرت على الكلمة في هذا المعرض. لا كلام يصف هذه المغامرة في آفاق المستقبل. فقط بعض الكلام عن آفاق «الأمير الصغير».