تكلّم مار مارون بصوت بولس حيث في أولِ دخولِه سِلَكَ الواعظين وباسمِ فاتحةِ قُدّاسِه الأول في كاتدرائيةِ وسَط البلد.. استَحقَّ بولس عبد الساتر عن جدارة لقبَ مِطران الثورة لتَكسِرَ الخاتمة التقليدَ الكَنسي وعلى غيرِ العادة إذ تعالى تصفيقُ الحضور ومِن بينهم رئيسُ مجلسِ النواب نبيه بري الذي صفّقَ على عينِ الحقيقة الجارحة في عيدِ الشفيع وعلى رأسِ أبرشية بيروت المارونية لم يَترُكْ المِطرانُ الشجاع “سِتر مغطّى” على المسؤولين السياسيين والمدنيين فبلُغةِ المخاطَب ذَكّرهم بأنّ السلطة خِدمة وبلهجةِ التحذير قالّ لهم: إننا إئتمناكم على أرواحِنا وأحلامِنا ومستقبلِنا فلا تخذُلُونا وبلسانِ الحال التي وَصلْنا إليها سألَهم: ألا يُحرِّكُ ضمائرَكم نحيبُ الأُمّ على ولدِها الذي انتحرَ أمامَ ناظريها لعجزِه عن تأمينِ الأساسي لعائلتِه؟ أَوَليست هذه المِيتةُ القاسية كافيةً حتى تُخرِجوا الفاسدَ من بينكم وتحاسبُوه وتَستردّوا منه ما نَهبَهُ لأنه مِلكٌ للشعب؟. بعِظةٍ أشبهَ ما تكونُ ببيانِ الثورة رقْم واحد طالب المِطران ثالوثَ الرئاسة بإصلاحِ الخلل في الأداءِ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي وبالعملِ ليلَ نهار معَ الثوار الحقيقيين أصحابِ الإرادةِ الطيبة على إيجادِ ما يؤمِّنُ لكلِ مواطنٍ عِيشةً كريمة وإلا فالاستقالةُ أشرف. وبالعِظةِ العَصماء وجَهّ المِطران بولس عبد الساتر نقدَه اللاذع إلى رؤساءِ الصفّ الأول حيث جَلسوا مَقلوبي الخِلْقة ليَضعَهم أمامَ أنفسِهم بقولِه: إنّ القديس مار مارون لم يَبْنِ مملكةً على الأرض ولا نَصّبَ نفسَه زعيماً على حَفنةٍ من البشر فليس زعيماً وطنياً ولا مسؤولاً صالحاً مَن يُشجّعُ على التعصبِ والتَفرِقة وليس زعيماً مَن يَحسِبُ الوطنَ مِلكيةً له ولأولادِه من بعدِه ويَحتكرُ السلطة ويَستبدُّ ويَظلُم بل الزعيمُ الأصيل هو مَن يُنكِرُ ذاتَه ويَتنكّرُ لمصالحِه الشخصية والسياسية والزعيمُ الحقيقي هو من يقولُ الحق من دونِ مواربة وبِلا خوف ولا يساومُ عليه والزعيمُ الصالح هو مَن يختارُ الرحيلَ أو التخلي عن الزعامة على أنْ يَخذِلَ شعبَه ويُسيءَ إليه. وكجبلٍ من صوّان كادَ المِطران يقول: “ما في حبوس تساع كل الناس” لكنَ المِطران صار ناطوراً للمفاتيح وخَتَمَ عِظتَه بالقول: “ما حدا بيقدر يحبس المي.. والناس متل المي إلا ما تلاقي منفذ تنفجر منو”.. وخوفي أنْ ينفجرَ الشعبُ كلُه فيختار أن يرحلَ عن شوارعِه وبيوتِه ساعياً خلفَ أوطانٍ جديدة. لكنْ على مَن قرأتَ مزمورك يا بولس والسلطةُ على أعتابِ الكنيسة سَيّجت المجلس “وعلّت سياجو” واستَقدمت مزيداً من جُدرانِ العار لتَفصِلَ الشعبَ عن مجلسِه إلا أنّ الثوار رَسَموا خريطةَ الطريق ليُحاصِروا حِصارَهم ووَضعوا الحكومة أمام امتحانين: امتحانِ اجتيازهمِ للوصول إلى ساحة النجمة وامتحانِ نيلِ الثقة في المجلس بأصواتٍ ضئيلة لكنّها ثقةٌ ستَبقى مهزوزةً طالما لم تأتِ من الشارع ومِن أول استحقاقِ أمام رئيسِ الحكومة في التعاملِ مع مُزوّرِ الشهادات أحمد الجمال الذي انتَقلتِ الوصايةُ عليه من الحريري إلى دياب وعندَها يُكرَمُ حسان أو يُهان.