تختلف أيام شهر رمضان المبارك ولياليه في بلاد فارس التي تتميز بالتنوع القومي والثقافي، وتحظى كل منطقة منها بتقاليد وطقوس رمضانية خاصة تم تصنيفها ضمن قائمة التراث المعنوي في إيران، نظرا لأهميتها لدى الشعب الإيراني.
ولطالما عرف رمضان المبارك في إيران “بشهر الطاعة وضيافة الله وليس كمثله وربيع القرآن”، ويستبق الإيرانيون رؤية هلال الشهر بتنظيف البيوت والمساجد في آخر جمعة من شهر شعبان، اعتقادا منهم بأنها الخطوة الأولى لإزالة آثار الذنوب عن قلوبهم وتطهيرها لاستقبال الشهر الفضيل، فضلا عن إعداد وتحضير ما يحتاجون إليه طوال الشهر من المواد الغذائية.
وكالأعوام الماضية، أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي عشية حلول شهر رمضان تقليص فترة الدوام في الدوائر والمؤسسات الحكومية ساعة واحدة من انتهاء وقت العمل في الأيام العادية، تقديرا لوضع الصائمين.
ويفضل الإيرانيون وجبة خفيفة عند رفع أذان المغرب، تتكون من كأس من الشاي أو الحليب الساخن وخبز وتمر وجبن ولوز والخضار الطازج، إلى جانب حساء الآش أو الهريسة، على أن يتناولوا وجبة العشاء الدسمة بعد ساعة تقريبا من إقامة صلاة العشاء.
فارس ورمي الحجارة
تختلف الطقوس والتقاليد الرمضانية من مدينة إلى أخرى في فسيفساء الطوائف والقوميات الإيرانية، كالفرس والعرب والأتراك والتركمان والأكراد والبلوش واللور.
ففي مدينة شيراز (مركز محافظة فارس) يستقبل السكان رمضان المبارك برمي الحجارة، ويسألون البارئ المغفرة والتوفيق لصيام رمضان بالقول “ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وها نحن تركنا أعمالنا البذيئة كهذه الحجارة التي قمنا برميها على الأرض”.
وقبيل الغروب في آخر جمعة من شعبان، يخرج الناس من البيوت إلى الطبيعة حاملين معهم قطعا من الطين الجاف، ويقومون برميها على الأرض لتتلاشى؛ إيمانا منهم بأن أداء هذه الطقوس سيمحو ذنوبهم وسيئاتهم.
العرب وقرقيعان
وفي مدينة الأهواز (جنوب غربي البلاد)، قد لا تجد فرقا كبيرا في التقاليد الرمضانية مع الدول العربية، لا سيما الثقافة العراقية والخليجية.
وتمسي ليالي رمضان المبارك عامرة جدا في مدينة الأهواز (مركز محافظة خوزستان) والمحافظات الأخرى التي تقطنها القومية العربية، منها بوشهر وهرمزغان وجزيرتي كيش وقشم.
ومن أهم التقاليد الرمضانية في المناطق العربية في إيران الاحتفال بمنتصف الشهر المبارك، إذ يتجمع الأطفال عقب تناول الإفطار ويقومون بجولة على بيوت الأزقة القريبة من منازلهم، ويصطحبون معهم أكياسا لجمع الهدايا والحلويات من المنازل، مرددين أناشيد شعبية مثل “قرقيعان وقرقيعان الله يعطيكم رضعان” و”يا أهل السطوح تعطونا لو نروح”.
وقامت منظمة التراث الثقافي والسياحة الإيرانية عام 2017 بتصنيف تقاليد قرقيعان ضمن قائمة التراث المعنوي للعرب في إيران.
البلوش والمسحراتي
وليس بعيدا عن المناطق الجنوبية، يقطن البلوش الضفة الشمالية لمياه بحر عمان في محافظة سيستان وبلوشستان المحاذية للحدود مع باكستان وأفغانستان. وتشتهر المناطق البلوشية بنشاط المسحراتي طيلة الشهر الفضيل، إذ يمر شخص من كبار السن في الشوارع والأزقة ينشد عبارات مسجوعة وأبيات شعرية متناغمة لإيقاظ الناس للسحور.
ومن العادات الأخرى التي يسعى البلوش إلى الحفاظ عليها قدر المستطاع تقليد “آرك وبرك” (بمعنى الأخذ والعطاء)، حيث تقوم العائلات بتقديم جزء من وجبة الإفطار إلى الجيران وكل من تصله رائحة الطعام التي تعده العائلة، وبذلك يتقاسم أهالي القرى طعامهم في الإفطار.
التركمان ونماز ليق
وفي محافظة كلستان (شمال شرقي إيران)، يعمد التركمان إلى صعود المرتفعات والأسطح العالية من أجل تحري هلال الشهر المبارك، معتقدين أن الشخص الذي يرى هلاله قبل الآخرين يحصل على أجر وثواب كبير.
ومن يحالفه الحظ ويستهل شهر الصيام، فيبادر إلى قراءة آيات شريفة من سورة البقرة، ويعلن بصوت عال وبفرح وسرور رؤيته هلال رمضان.
وتقوم نساء التركمان بحياكة سجادات صغيرة للصلاة تعرف “بنماز ليق”، ثم يتم إهداؤها إلى مساجد الحارة مع حلول شهر رمضان.
ومن التقاليد التركمانية الأخرى في رمضان “مراسم المصالحات”، إذ يقوم المخاتير المعرفون “بياش أولي” بدعوة الأشخاص المتخاصمين في منازلهم، لحلحة الخلافات ووضعها جانبا تمهيدا للدخول في شهر الطاعة.
الآذريون وأكياس البركة
ومن التقاليد والعادات الرمضانية لدى الأتراك والآذريون في إيران خياطة أكياس البركة في الأيام الأخيرة من رمضان؛ ففي يوم 27 من الشهر المبارك تحمل النساء الصائمات كمية من القماش والخيط والإبرة معها إلى المسجد.
وبعد أداء صلاة الظهر يبدأن خياطة كيس أو أكياس قبل إقامة صلاة العصر. ويعتقد أهالي المحافظات التي يقطنها الآذريون -مثل أذربيجان الشرقية وهمدان- بأن كل من يدخل مبلغا من المال في هذه الأكياس يضاعف الله سبحانه وتعالى له ويبارك في أمواله.
ودأبت بعض المناطق في إيران على حياكة أكياس البركة يوم الجمعة الأخير من رمضان، ثم يوضع فيها مبلغ يُحفظ بها حتى العام المقبل، إيمانا منهم بأنها تجلب البركة للبيت حتى رمضان العام المقبل.
الأكراد وصلاة التراويح
ومثل المناطق السنية الأخرى في إيران، يحرص أهل السنة والجماعة من الأكراد المنتشرين في محافظات أذربيجان الشرقية وكردستان وكرمانشاه على إقامة صلوات التراويح مع حلول الشهر المبارك في المساجد.
وعادة تكون صلاة التراويح 20 ركعة أو 8 رکعات في بعض المناطق، كما يصلي الصائمون قيام الليل في العشر الأواخر من رمضان.
ومهما تنوعت العادات والتقاليد لدى القوميات الإيرانية في رمضان المبارك، فإنها تتوحد في إحياء ليلة القدر، إذ يقضيها الصائمون بالصلاة والدعاء والتوبة.
كما أن الشارع الإيراني يخرج في مظاهرات نصرة للقدس الشريف في يوم الجمعة الأخير من رمضان المبارك الذي أسماه الخميني مؤسس الثورة الإيرانية “يوم القدس العالمي”.