لسنوات، كان يُعتقد أن الدماغ هو جهاز كومبيوتر بيولوجي يعالج المعلومات من خلال دوائر تقليدية، حيث تنتقل البيانات مباشرة من خلية إلى أخرى.
وفي حين أن هذا النموذج لا يزال دقيقاً، أظهرت دراسة جديدة لباحثين من معهد «سالك» للدراسات البيولوجية بأميركا، تم نشرها أمس في دورية «ساينس أدفانسيس»، أن هناك أيضاً طريقة ثانية مختلفة تماماً يوزع بها الدماغ المعلومات، ولم يجد الباحثون أفضل من «موجات المحيط» لتقريب ما يحدث.
ووفق النموذج التقليدي فإن المعلومات الحسية، مثل مشهد الضوء أو صوت الجرس، يتم اكتشافها بواسطة خلايا الدماغ المتخصصة ثم تنتقل في تناوب من خلية عصبية إلى أخرى، وهذا النموذج للدماغ لا يفسر كيف يمكن لخلية حسية واحدة أن تتفاعل بشكل مختلف مع الشيء نفسه في ظل ظروف مختلفة، فقد يتم تنشيط الخلية، على سبيل المثال، استجابة لوميض سريع من الضوء عندما يكون الإنسان في حالة تأهب بشكل خاص، ولكنها تظل غير نشطة استجابة لنفس الضوء إذا كان انتباه الإنسان ينصبّ على شيء آخر.
ويشبّه الباحثون الفهم الجديد بنظرية ازدواجية الموجة والجسيم في الفيزياء والكيمياء، ففي بعض الحالات، يتصرف الضوء كما لو كان جسيماً (يُعرف أيضاً باسم الفوتون)، وفي حالات أخرى، يتصرف كما لو كان موجة.
ويقول توماس أولبرايت، مدير معمل مركز الرؤية بمعهد «سالك»، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد بالتزامن مع نشر الدراسة: «يمكن تشبيه الأمر بموجات من النشاط عبر الكثير من الخلايا المجاورة، مع قمم وقيعان متناوبة من التنشيط، مثل أمواج المحيط، فعندما يتم إنشاء هذه الموجات في وقت واحد في أماكن مختلفة من الدماغ، فإنها حتماً يصطدم بعضها ببعض، فإذا اجتمعت قمتان للنشاط، فإنهما تولدان نشاطاً أعلى، بينما إذا التقت موجة منخفضة النشاط مع أخرى في ذروة النشاط، فقد تلغيها، وهذه العملية تسمى تدخل الموجة».
ولاختبار نموذجهم لكيفية حدوث الموجات العصبية في الدماغ، صمم الفريق تجربة بصرية مصاحبة، حيث طُلب من شخصين اكتشاف خط ضعيف رفيع يقع على شاشة محاطة بأنماط ضوئية أخرى، فوجد الباحثون أن مدى جودة أداء الأشخاص لهذه المهمة يعتمد على مكان وجود الخط الرفيع، حيث تم رفع القدرة على اكتشاف الخيط في بعض المواقع ومنخفض في مواقع أخرى، مما شكّل موجة مكانية تنبأ بها النموذج.
«خوارزمية» تساعد على تعديل انطباعات الآخرين
عندما يلتقي شخصان، فإنهما يصدران أحكاماً سريعة بعضهما عن بعض، بدءاً من عمر الشخص الآخر ومستوى ذكائه أو حتى مصداقيته، وذلك استناداً إلى صورة الوجه التي تشكل الانطباعات الأولى، والتي على الرغم من عدم دقتها في كثير من الأحيان، فإنها يمكن أن تكون قوية للغاية، وتشكل علاقاتنا، وتؤثر على كل شيء من قرارات التوظيف إلى الأحكام الجنائية.
وللمساعدة على معرفة كيف سيراك الآخرون، بما يمنحك الفرصة لتعديل بعض التفاصيل التي قد تعطي انطباعاً خاطئاً عنك، قام باحثون أميركيون من معهد ستيفنز للتكنولوجيا، بالتعاون مع جامعة برينستون وجامعة شيكاغو، بتدريب خوارزمية للذكاء الاصطناعي، يمكنها معرفة الانطباعات الأولى التي ستتشكل بناءً على صورة وجهك، وكشفوا عن تفاصيل هذا الإنجاز أول من أمس في دورية «بروسيدنجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينس». وتوصل الباحثون لهذه الخوارزمية بعدما طلبوا من آلاف الأشخاص إعطاء انطباعاتهم الأولى عن أكثر من 1000 صورة تم إنشاؤها بواسطة الكومبيوتر للوجوه، وتم استخدام الردود بعد ذلك لتدريب شبكة عصبية على إصدار أحكام سريعة مماثلة حول الأشخاص، بناء على صور وجوههم فقط.
ويقول جوردان دبليو سوتشو، عالم الإدراك وخبير الذكاء الاصطناعي بكلية إدارة الأعمال بمعهد ستيفنز، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد بالتزامن مع نشر الدراسة، إنه «بالنظر إلى صورة لوجهك، يمكننا استخدام هذه الخوارزمية للتنبؤ بالانطباعات الأولى للأشخاص عنك، والقوالب النمطية التي قد ينقلونها إليك عندما يرون وجهك».
ويتوافق عديد من نتائج هذه الخوارزمية مع الحدس المشترك أو الافتراضات الثقافية، فمثلاً الأشخاص الذين يبتسمون يُنظر إليهم على أنهم أكثر جدارة بالثقة، وينظر الناس للأشخاص الذين يرتدون النظارات على أنهم أكثر ذكاء، وفي حالات أخرى كان من الأصعب قليلاً أن نفهم بالضبط لماذا تنسب الخوارزمية سمة معينة إلى شخص ما.
وعن قيمة هذه الخوارزمية، يوضح سوتشو أن الأشخاص الذين يرعون بعناية شخصيتهم العامة، يمكنهم -على سبيل المثال- مشاركة الصور التي يعتقدون أنها تجعلهم يبدون أكثر ذكاء وثقة وجاذبية، والخوارزمية يمكنها دعم هذه العملية.
ولم ينكر الباحثون أن هذه الخوارزمية تثير بعض القلق؛ حيث يمكن استخدامها للتلاعب بالصور، لجعل مرشح سياسي يبدو على غير الحقيقة أكثر جدارة بالثقة، أو جعل خصمه يبدو غير ذكي أو مريب.
أ
شجرة أسترالية سامة تنتج مركباً مضاداً للسرطان
الشجرة اللاذعة الأسترالية المعروفة باسم «الجيمبي جيمبي»، هي نبات يتجنبه كثير من الناس بأي ثمن، لأنه مغطى بإبر رقيقة من السيليكون، ومغطى بواحد من أكثر السموم المؤلمة في الطبيعة، وهو مركب يسمى «المورودين».
غير أن هناك جانباً آخر لهذا المركب، فرغم تسببه في الألم، فإنه يرتبط بالهيكل الخلوي للخلايا، ما يمنعها من الانقسام، ما يجعله مرشحاً واعداً كعلاج كيميائي للسرطان، لكن المشكلة تكمن في عدم القدرة على حصاد ما يكفي منه بسبب طبيعة هذه الشجرة، وهي المشكلة التي حلها فريق بحثي من معهد «وايتهيد» لأبحاث الطب الحيوي في ماساتشوستس بأميركا، خلال دراسة نشرت أول من أمس في دورية «الجمعية الكيميائية الأميركية»، حيث أعلنوا عن أول طريقة لتخليق مركب «المورودين» بيولوجيا داخل أنسجة نبات التبغ، ما يسهل استخدامه في علاجات السرطان.
و«المورودين» هو جزيء ثنائي الحلقات وتركيبته الكيميائية معقدة للغاية، وتعود خصائصه المضادة للسرطان إلى التركيب الفريد له الذي يسمح له بالارتباط ببروتين يسمى «توبولين»، والذي يشكل نظاماً هيكلياً للخلايا الحية، وتمكن الباحثون من محاكاة هذا الجزيء، وتمكنوا ببعض الطرق الجينية من إنتاج نظير له في نبات التبغ، سموه «سيلوجنتين سي». واختبروا نشاطه المضاد للسرطان ضد خط خلايا سرطان الرئة البشرية. ووجدوا أن «المركب كان ساماً للخلايا السرطانية».
حول رد الفعل المؤلم للمركب، الذي يجربه كل من تعامل مع شجرة «الجيمبي جيمبي». يقول رولاند كيرستن من معهد «وايتهيد» لأبحاث الطب الحيوي، إن «النبات طور هذا المركب على مدى ملايين السنين من التطور، لردع أي حيوانات تريد أن تأكل الأوراق، ولكن الوضع يختلف عند استخدامه كدواء». ويضيف في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد بالتزامن مع نشر الدراسة أن «رد الفعل المؤلم الذي يحدث عندما يدخل المورودين الجسم من خلال لسعة من الشجرة لن يكون مشكلة، فالألم الذي يحدث إذا تم حقن المركب في الجلد، لن يكون كذلك إذا تناولته عن طريق الفم أو الوريد، فمن المرجح ألا يشعر جسمك بالألم».
عنب السياح يرفع مستوى السكر في دم الإغوانا على شواطئ جزر الباهاما
ترفع أسياخ العنب التي يرميها مئات السياح لحيوانات الإغوانا في جزر الباهاما مستوى السكر في الدم لفترة طويلة لدى هذه الحيوانات المهددة بالانقراض، وتتسبب بعواقب غير معروفة بعد، على ما أفادت دراسة نُشرت الجمعة.
وترسو عشرات القوارب السريعة يومياً على الشواطئ الرملية البيضاء لجزر أرخبيل إكزوما، وتجذب نوعاً معيناً من الإغوانا هو «سيكلورا سيشلورا» العاشب الذي قد يصل حجمه إلى خمسين سنتيمتراً. وتُصنف هذه الزواحف ضمن الحيوانات «المهددة بالانقراض» وتلك «المهددة بشكل حرج بالانقراض».
وتتغذى السحالي الكبيرة من أسياخ عنب يرميها السياح الذين يقومون بنزهات سياحية بيئية في المنطقة. وقرر فريق يضم باحثين أميركيين دراسة تأثير هذا الطعام غير الطبيعي، الذي تأكله الإغوانا باستمرار، على عملية الأيض الخاصة بها. فقارنوا مستوى السكر في دم الإغوانا مع المستوى نفسه لدى حيوانات من النوع ذاته، لكنها تعيش في جزر مجاورة تحول تضاريسها دون وصول السياح إليها.
وبعدما أجروا دراستهم على أربع مجموعات من الإيغوانا (اثنتان تتغذيان من العنب والأخريان من الطبيعة مباشرة)، أظهرت النتيجة النهائية المنشورة في مجلة «جورنال أوف إكسبريمانتل بايولودجي»، «تأثيرات كبيرة» لدى الإغوانا، التي تغذت على أطعمة السياح، إذ سجلت مستويات سكر في الدم أكثر ارتفاعاً.
وللتأكد من أن العنب هو المسبب في ارتفاع مستوى السكر في الدم، أعادوا إجراء التجربة في المختبر على حيوانات الإغوانا الخضراء الشائعة، وهي نوع غير محمي، وأتت النتائج مطابقة للاختبار الأول.
وأكد الباحثون أنفسهم عدم معرفتهم ما إذا كان هذا التغيير الذي طرأ على عملية الأيض لدى الإغوانا ضاراً على صحتها. وأوضحت معدة الدراسة الرئيسية سوزانا فرنش لوكالة الصحافة الفرنسية، أن التغيير «لو رُصد لدى فئران أو بشر لكنا صنفناه كداء سكري». وأشار الباحثون إلى تأثيرات فسيولوجية طرأت على البراز مثلاً، إذ يصبح «على شكل سيجار كوبي» عندما تتغذى الإغوانا من النباتات الطبيعية، فيما يكون سائلاً أكثر بكثير عندما تأكل الفاكهة.
كانت دراسة سابقة أظهرت أن الإغوانا التي تعيش على الشواطئ، وتتغذى من أطعمة السياح، تكون أكبر وأثقل وتنمو أسرع من تلك التي لا يراها السياح.