عندما تتحور الجينات، يمكن أن تؤدي إلى طفرات تسبب أمراضاً خطيرة في الجهاز العصبي للإنسان. وقد جذب انتباه عالمَي الأحياء العصبية، توبياس لانغينهان ومانفريد هيكمان، من جامعتي لايبزيغ وفورتسبورغ بألمانيا، أن طفرة مدمرة لأحد بروتينات نقاط الاشتباك العصبي، رغم أثرها السلبي المسبب للعمى، فإن المرضى الذين عانوا منها كانوا أيضاً يتمتعون بذكاء أعلى من المتوسط. ونقاط الاشتباك العصبي، هي مناطق الاتصال في الدماغ التي من خلالها «تتحدث» الخلايا العصبية مع بعضها بعضاً، وتؤدي الاضطرابات في هذا الاتصال إلى أمراض في الجهاز العصبي، لكن الغريب كان في طفرة تصيب أحد بروتينات نقاط الاشتباك فتسبب العمى، لكن من ناحية أخرى ترفع معدل الذكاء، ولكشف أسرار هذه الطفرة، لجأ الباحثون إلى ذبابة الفاكهة، ونشروا نتائجهم في العدد الأخير من دورية «برين».
ولأن 75 في المائة من الجينات التي تنطوي على مرض في البشر، توجد أيضاً في ذبابة الفاكهة، وجد الباحثون أن بروتين الذبابة المسمى «RIM»، يبدو متطابقاً جزيئياً مع البروتين البشري، فأحدث الباحثون طفرة في جينوم الذبابة للتأثير على هذا البروتين بالطريقة نفسها التي تحدث عند البشر، فلاحظوا بالفعل أن الذباب المصاب بالطفرة أظهر نقلاً متزايداً للمعلومات عند نقاط الاشتباك العصبي، وربما يوجد هذا التأثير المذهل على المشابك العصبية بالطريقة نفسها أو بطريقة مماثلة في المرضى من البشر، ويمكن أن يفسر ذلك زيادة أدائهم الإدراكي، ولكنه أيضاً كان مسؤولاً عن إصابتهم بالعمى.
واكتشف العلماء أيضاً كيف يحدث الانتقال المتزايد في المشابك؛ فالمكونات الجزيئية في الخلية العصبية الناقلة التي تحفز النبضات المشبكية تتقارب معاً نتيجة لتأثير الطفرة وتؤدي إلى زيادة إطلاق النواقل العصبية، وكانت طريقة جديدة تسمى «الفحص المجهري فائق الدقة»، هي إحدى التقنيات المستخدمة في الدراسة.
ويقول توبياس لانغينهان، الباحث الرئيسي في الدراسة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة لايبزيغ، أول من أمس «يوضح هذا البحث بشكل مؤكد كيف يمكن استخدام نموذج حيوان غير عادي مثل ذبابة الفاكهة لاكتساب فهم عميق جداً لأمراض الدماغ البشري، حيث تتشابه وراثياً بشكل غير عادي مع البشر، وبالتالي عندما نُدخل الطفرات المسببة للأمراض فيها، يمكننا تكرار المرض البشري وفهمه بشكل أفضل».