هكذا تغري الصين الدول بالقروض ثم تبتلعها، وبلدان عربية مهددة
تتزايد المخاوف والتحذيرات من أن تقع الدول العربية في فخ الديون الصينية، كما حدث مع بعض الدول الآسيوية والإفريقية، التي أفلست إحداها بالفعل.
وتوسعت العديد من الدول العربية في الاقتراض من الصين، رغم ارتفاع أسعار فوائد قروض بكين، وترى الصين في القروض التي تقدمها للدول العربية “مصلحة متبادلة”؛ لكن الخطر يكمن في وصول هذه الدول إلى مرحلة تجد نفسها غارقة في هذه الديون، وعاجزة عن السداد.
وفي نهاية عام 2020، كانت الدول الـ68، الأفقر في العالم مجتمعة، تدين بنحو 110 مليارات دولار أمريكي للعديد من المقرضين الصينيين في الديون الثنائية الرسمية، وفقاً لتقديرات مركز التمويل والتنمية الأخضر في جامعة فودان في شنغهاي، أوردتها صحيفة “ساوث تشاينا مورننغ بوست”، ارتفاعاً من 105 مليارات دولار أمريكي في عام 2019. وكانت الصين أكبر دائن منفرد بعد جمعية التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي، كما يقول التقرير.
ويثير توسع الديون الصينية للدول العربية مخاوف من أن تجبر بكين الدول المدينة، في مرحلة ما، على التخلي عن بعض أصولها للشركات الدائنة، أو تغيير مواقفها الدبلوماسية من قضايا معينة، استجابة للضغوط الصينية، وربما حتى فتح المجال لبكين لإقامة قواعد عسكرية.
ويقول رئيس الوزراء الماليزي السابق، مهاتير محمد، إن فخ الديون الصينية لا يختلف عن فخ الديون الأمريكية والأوروبية، إنه أشبه بـ”نسخة من استعمار جديد”، حسب تعبيره.
والجمعة الماضية، حذّر المستشار الألماني أولاف شولتس، من أن القروض التي تمنحها الصين منذ سنوات إلى بلدان فقيرة، خصوصاً في إفريقيا، تشكل “خطراً جدياً” يمكن أن يغرق العالم في أزمة مالية جديدة.
وقال شولتس: “يوجد حقاً خطر جدي” من أن تنجم أزمة مالية في “دول الجنوب عن قروض منحتها الصين عالمياً من دون أن تتمتع باطّلاع شامل عليها، لكثرة الجهات الضالعة فيها”.
لكن! لماذا تلجأ الدول العربية إلى الاستدانة “الكثيفة” من الصين رغم المخاطر التي قد يحملها ذلك؟ ولماذا تنفق بكين مليارات الدولارات على مشاريع في دول عربية قد لا يتمكن بعضها من سدادها؟
الديون الصينية تأتي بلا شروط سياسية أو حقوقية أو تقشفية
تحتاج الدول العربية، كغيرها من الدول، إلى قروض وتمويلات لمشاريعها، خاصة المتعلقة بالبنية التحتية أو الفوقية من طرق وسكك حديدية وموانئ وسدود وسكنات ومستشفيات ومدارس، بل وحتى لتمويل عجز الحساب الجاري.
وارتفعت الحاجة للسيولة النقدية، خاصة من جانب الدول العربية غير النفطية، خلال جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، للإيفاء بالتزاماتها.
وبالنظر إلى صعوبة الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وشروطهما المعقدة، تصبح الصين أحد الخيارات المفضلة للحكومات العربية، خاصة أنها لا تفرض شروطاً متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
في المقابل فإنها تقدم بفائدة أعلى
بالمقابل، فإن الصين تستفيد من تشغيل فوائضها المالية الضخمة عبر قروض تفوق نسبة الفائدة فيها أحياناً تلك التي تشترطها المؤسسات الدولية.
تستهدف القروض الصينية بالدرجة الأولى البنية التحتية في الدول العربية، خاصة الموانئ والطرقات والسكك الحديدية، والتي تمكنها من تهيئة خطوط النقل والإمداد ضمن مبادرة الحزام والطريق، بالشكل الذي يضمن لها وصولاً دائماً للطاقة، وغزو سلعها للأسواق العربية.
وتتولى الشركات الصينية للمقاولة تنفيذ الكثير من المشاريع في الدول العربية التي تمولها بنوك صينية، ما يدرُّ عليها عوائد مالية مهمة.
إذ ساهمت سياسة القروض والتمويل، في ارتفاع عدد شركات المقاولات الصينية من 9 شركات بين أكبر 100 مقاول عالمي في عام 2000، إلى 27 شركة في 2020.
بينما أوروبا لديها 37 شركة، بانخفاض من 41 شركة، ولدى الولايات المتحدة 7، مقارنة بـ 19 قبل 20 عاماً.
أبرز الدول العربية المهددة بديون الصين
جيبوتي تدين بثلاثة أرباع ناتجها المحلي لبكين
وتعد جيبوتي أكثر الدول العربية والإفريقية انكشافاً أمام الديون الصينية؛ فوفق تقديرات “معهد التنمية الخارجية”، ومقره لندن، تمثل القروض الصينية 70% من الديون الخارجية لجيبوتي.
وتوقع تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية في 2018، أن تبلغ ديون جيبوتي 88% من ناتجها الإجمالي، والذي بلغ في العام نفسه أقل من 3 مليارات دولار.
وقدمت الصين لجيبوتي ما يقرب من 1.4 مليار دولار من الأموال، وهو ما يمثل 75% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد؛ ما يجعل البلاد عرضة لتسليم جزء من أصولها إلى الصين في حال عدم قدرتها على السداد.
وجيبوتي، لا تملك موارد طاقة تستحق الذكر، تمكنها من تطوير اقتصادها، لذلك تستغل موقعها الاستراتيجي على مضيق باب المندب، في تأجير قواعد عسكرية لكل من فرنسا والولايات المتحدة والصين، لدعم اقتصادها المتواضع.
وهذه الديون مكنت الصين من بناء أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها، وإدارة ميناء دوراليه، وتشييد سكة حديدية، والعديد من المشاريع الأخرى، ما يجعل جيبوتي في موقع هش أمام تعاظم النفوذ الصيني الذي يقلق واشنطن.
بكين توقف قروضها للسودان بعد عجزها عن السداد
وعلى غرار جيبوتي، تعد السودان من بين الدول العربية التي تورطت في الديون الصينية السهلة والبالغة 10 مليارات دولار من إجمالي 60 مليار دولار.
وأدى تعثر الخرطوم في سداد هذه الديون، إلى ضغوط صينية تمثلت في وقف أو تجميد مشاريعها في البلاد، وعدم تقديم مزيد من المنح والقروض.
مصر.. ديون خفيّة للصين لا يُعرف حجمها
اقترضت القاهرة حوالي 15 مليار دولار أمريكي من المقرضين الصينيين من خلال المبادرة، بما في ذلك 3 مليارات دولار أمريكي لمنطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة من مجموعة من المقرضين بقيادة البنك الصناعي والتجاري الصيني المملوك للدولة، حسب موقع Enterprise.
كما حصلت مصر على قرض بلغت قيمته 3 مليارات دولار من الصين فى أكتوبر/تشرين الأول 2016، قبل أن تحصل على قرض صندوق النقد الدولي.
حيث كان لزاماً عليها الحصول على 6 مليارات دولار، وهي قيمة التمويل اللازم لحصول مصر على الشريحة الأولى بقيمة ملياري دولار من قرض صندوق النقد الدوليّ لمصر بإجمالي 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات.
وأظهر تقرير الوضع الخارجي رقم 74 للاقتصاد المصري، الذي صدر نهاية العام الماضي عن البنك المركزي المصري، وأطلع عليه عربي بوست في ذلك الوقت، أن الصين في صدارة الدول الدائنة لمصر بنهاية يونيو/حزيران 2021، مستحوذة على نحو 4.631 مليارات دولار من إجمالي الديون الخارجية المستحقة على مصر للدول.
ولكن قال الكاتب عادل صبري، المتخصص في الشأن الصيني، إن هناك ديوناً مستترة اقترضتها مصر من الصين لإنشاء البرج الأيقوني ومجمع الوزارات التي تنفذه شركات صينية، ولشراء قطار العاصمة والقطار السريع.
وأشار صبري أيضاً، خلال مقال في موقع “الجزيرة نت“، إلى وجود قروض حصل عليها البنك الأهلي وبنك مصر، وشركات قطاع الأعمال التي حصلت بمفردها على ما يزيد عن نصف مليار دولار من الصين لتطوير قطاع الغزل والنسيج.
ولكن قيمة هذه القروض اختفت، حيث أشار صبري إلى أن تقارير البنك المركزي والموازنة العامة للدولة جاءت دون أرقام الدين الخاصة بالشركات والجهات المحلية التي اقترضت أموالاً من دول ومؤسسات أجنبية بالعملة الصعبة، والتي تحصل عادة على ضمان من وزارة المالية.
وذكر صبري أن تكلفة بناء البرج الأيقوني بالعاصمة الإدارية الجديدة تبلغ 3.2 مليارات دولار، ما يعني أن الصين حولت القرض إلى شركة العاصمة الإدارية الجديدة.
لذلك لم يظهر في الميزانية العامة ولا التقارير الدولية، ولم يعرض على البرلمان، ولم تظهر تفاصيل عقوده في الصحف أو أية جهة رسمية، أسوة بغيره من القروض الصينية المماثلة، ولا تظهر أرقام هذه القروض إلا فيما تذكره بيانات السفارة الصينية بالقاهرة أو حكومة بكين، وفق تعبير صبري.
كما أن البنوك الصينية يفترض أنها قدمت نحو 85% من التمويل اللازم لبناء ناطحة السحاب في العاصمة المصرية الجديدة والبالغ قيمتها 3 مليارات دولار، وذلك حسب تصريحات أحد المسؤولين في الشركة الحكومية الصينية المسؤولة عن مشروع العاصمة الجديدة، لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية.
وتلقى البنك الأهلي نحو 600 مليار دولار أمريكي من بنك التنمية الصيني، ونحو 500 مليون دولار لبنك مصر على هيئة ضمانات تصل لتمويل المشروعات التي تساهم فيها شركات صينية، ناهيك عن قروض أخرى لم يتم الإعلان عنها.
ومن المعروف أن هناك شكوى بعدم شفافية الصين في تقديمها للقروض، حيث تعتمد الحكومة الصينية منذ عقود على الاقتراض خارج الموازنة العمومية من خلال آليات التمويل الحكومية المحلية، ولا يتم تسجيل العديد من هذه القروض، فالشفافية ضعيفة عندما يتعلق الأمر بكيفية استخدام الأموال.
وبالتالي لا تظهر مثل هذه القروض في الحسابات الرسمية للديون الحكومية؛ وذلك لأن مؤسسات الحكومة المركزية لم يتم ذكرها في الكثير من الصفقات التي أبرمتها البنوك الحكومية الصينية.
ما يجعل مثل هذه الصفقات خارج الميزانيات العمومية للحكومة، وتحجبها بنود السرية التي يمكن أن تمنع الحكومات من معرفة ما تم الاتفاق عليه خلف الأبواب المغلقة.
وقدرت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، هذه الديون الخفية بما يتراوح بين 30 تريليون يوان (4.2 تريليونات دولار أمريكي) و40 تريليون يوان (6.2 تريليونات دولار أمريكي) في عام 2018، ووفق تقرير مركز أبحاث AidData، فإن الديون الخفية أو المستترة تمثل نحو 38.6% من إجمالي الديون المستحقة للصين.
الصين تغري الجزائر بالاقتراض رغم تجربتها الأليمة السابقةلكن الوفرة المالية التي تمتلكها الجزائر، سواء بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز أم من خلال احتياطات العملة الصعبة؛ فإن ذلك لا يتوفر في بلدان عربية أخرى مثل موريتانيا، التي تعد أيضاً من البلدان المنكشفة على القروض الصينية، وإن استفادت في 2021 و2022 بإلغاء بعض ديونها المستحقة.