بلقيس ونزار… قصة حب شائكة أوصلها الموت إلى تخوم الأسطورة
كثيرون بالطبع هم الشعراء العرب، القدماء والمحدثون، الذين شغفوا بالمرأة أشد الشغف، وأفردوا لها مساحة غير قليلة من قصائدهم وأعمالهم الشعرية. ومع ذلك فإن أحداً من هؤلاء، باستثناء عمر بن أبي ربيعة، لم يجعل المرأة قِبلته وملهمته ومحور حياته وشعره، كما هو الحال مع نزار قباني. لا بل لا يكاد اسم نزار يُذكر في أي مناسبة أو محفل، إلا مقروناً بالمرأة ومتصادياً مع الأنوثة الكونية، التي قلّ أن عول الشاعر خارجها على شيء، تماماً كما كان حال محيي الدين بن عربي قبله بقرون عدة.
وإذا كان قباني يجسد بشكل أو بآخر، صورة الشاعر الدون جوان ذي العلاقات العاطفية المتعددة، والباحث بلا انقطاع عن التجليات المتباينة للمطلق الأنثوي، فإنه في مقالة له بعنوان «أنا والدون جوانية» ينكر هذا التوصيف، مؤكداً على تشبثه بالجانب العاطفي والروحي من العلاقة، ومعتبراً أنه لا يتعامل مع الجسد الأنثوي على طريقة القصابين، وأنه لم يغرر بامرأة قط بل كانت علاقاته بالنساء تتم برضا الطرفين وبالتناغم القلبي والفكري. أما عن زعم البعض بأن القصائد الوفيرة التي كتبها نزار في موضوعي الغزل والحب، لا تستند بالضرورة إلى نساء ملموسات وإلى مغامرات عاطفية حقيقية، بل إلى نساءٍ جرى استدعاؤهن من سماء المخيلة، فهو ادعاء يحتاج وفق قوله إلى الكثير من المراجعة والتدقيق، ذلك أنه نشأ في كنف عائلة ميسورة ومنفتحة على الثقافة والفن، إضافة إلى امتهانها المتوارث للعشق والحب، اللذين «يولدان مع أطفال العائلة كما يولد السكر في التفاحة»، على حد تعبيره الحرفي.
على أن ولع نزار بالمرأة لا يعني أن كل قصيدة حب كتبها في حياته ينبغي أن تكون ممهورة بالضرورة بجسد امرأة مختلفة أو توقيع مختلف. إذ يمكن أن تتمحور مجموعة كاملة أو أكثر حول امرأة واحدة جمعتها بالشاعر علاقة حب أو حالة شغف جامحة… فهو يقول في أحد حواراته بأن المرأة في حياته لم تكن أبداً صورة معلقة داخل برواز، بل هي امرأة الحواس واللحم والدم، وبأنه لم يكتب مطلقاً عن نساء متخيلات، لم تربطه بهن صلات عاطفية.
إلا أن صاحب «الرسم بالكلمات» يحذر من قراءة نصوصه على نحو حرْفي. ليس فقط لأن الشعر في الأساس يقوم على المبالغة والتخييل، بل لأن ضمير المتكلم في الكثير من قصائده لا يعود بالضرورة إليه، بل إلى الشخصية التي يتقمصها أثناء الكتابة. ومع ذلك فإن إصرار قباني على التوضيح بأن بيته الشهير «طرزت من جلد النساء عباءة/ وبنيت أهراماً من الحلماتِ»، لا يعكس بالضرورة تجربته الشخصية، بل هو التعبير الفاقع عن التشاوف الذكوري المرَضي لشخصية شهريار، فإن ذلك لا يحجب نزوع الشاعر إلى التلطي وراء أقنعته أو نماذجه الفحولية.
وإذا كان لكل هذه المقدمات أن تصب في مآل أو خانة معينة، فهي لا تنفك تحملنا على الاستنتاج بأن شاعراً ملولاً ومفطوراً على الحرية وبالغ الجموح كنزار قباني، سيكون بالضرورة أقل البشر تناغماً مع المؤسسة الزوجية، وتكيفاً مع إيقاعها الرتيب ومستلزماتها المحبِطة. فكيف لنا أن نفسر في هذه الحالة إقدام الشاعر على الزواج لمرتين اثنتين، وهو الذي ظل على امتداد حياته مطارَداً من نساءٍ كثيرات، وفارس أحلام المئات من المراهقات؟
اللقاء ببلقيس الراوي
إن أي قراءة متأنية لزواج نزار الأول من الفتاة الدمشقية زهراء أقبيق عام 1946، لا بد أن تقودنا إلى الاستنتاج بأن حبه لزهراء، ذات الإشراقة الجمالية اللافتة، كان أحد العوامل التي دفعته إلى الإقدام على خطوة كهذه، لكن عوامل أخرى «مسانِدة» قد لعبت دوراً في ذلك، بينها صلة القربى بين الطرفين، حيث تعمد العائلتان إلى ترسيخ العلاقة بينهما عن طريق المصاهرة، وبينها التقاليد الاجتماعية المتوارثة التي ترى في الزواج المبكر، الطريقة الأنجع لمنع الشبان والشابات من الانجراف وراء علاقات محرمة. إلا أن كل تلك العوامل مجتمعة، ما لبثت أن فقدت مفاعيلها على الأرض الشائكة للمسرح الزوجي. ذلك أن زهراء التي أهدت نزاراً ابنته هدباء وابنه توفيق، لم تستطع التكيف مع التصاعد المطرد لشهرة الشاعر، ولا كبح شعورها المدمر بالغيرة إزاء تحلق الكثير من المعجبات حول زوجها الوسيم. وهو ما تعترف به الزوجة بعد سنوات طويلة من الطلاق الذي تم عام 1952، حيث أقرت في حوار صحافي بأن غيرتها المفرطة على نزار هي التي قادت علاقتها به إلى انهيارها السريع.
كان على نزار قباني أن ينتظر سنوات عشراً بعد ذلك لكي يلتقي ببلقيس الراوي، التي تؤكد معظم الروايات على أنها استرعت اهتمامه بحضورها الباهر، أثناء أمسية شعرية له، أقيمت في بغداد عام 1962، وإذ أدرك قباني آنذاك أن الفتاة الجالسة قبالته هي ضالته المنتظَرة منذ سنوات، لم يتردد في البحث عن هويتها ومكان إقامتها، ليكتشف أنها تسكن مع عائلتها في منطقة الأعظمية المطلة على دجلة. وإذ لم يتوان الشاعر عن التقدم لخطبتها، فوجئ برفض أبيها الحازم لهذه الخطوبة، بناءً على ما يعرفه عن الشاعر الأشهر في دنيا العرب، الذي لا يكف عن اصطياد النساء وإغوائهن واللعب على مشاعرهن. وهكذا كان على نزار أن يجر وراءه أذيال الخيبة، ليلتحق بالسلك الدبلوماسي السوري في إسبانيا، دون أن تمكنه السنوات السبع التي قضاها هناك، من نسيان «الزرافة العراقية» التي وقع في شباكها من النظرة الأولى. واللافت في الأمر أن الحادثة تلك، ستتكرر في ظروف أقل تعقيداً مع محمود درويش، حيث في أمسية مماثلة في واشنطن، تقع عينا محمود على الشابة السورية رنا قباني، ابنة شقيق نزار، وحين يفاجئها بطلب الزواج منها، تجيبه بالموافقة دون تردد، ثم تعود برفقته إلى بيروت، دون أن تبدي عائلتها الدمشقية المتنورة أي اعتراض على ما حدث.
كان يمكن للأمور أن تقف عند هذا الحد، لو لم يكن مآلها معقوداً لطرفين بالغي العناد، وممعنين في الدفاع عن عشقهما المشروع: نزار الذي ضاعف من تشبثه ببلقيس رفض أبيها له، ورغبته في الثأر لكرامته «المغدورة»، كما لنرجسيته المثلومة في العمق، وهو الشاعر الذي تتمنى الاقتران به آلاف النساء العربيات، وبلقيس المتماهية مع ظهيرها الأسطوري، كما مع الأنوثة المتعالية والقابضة على مصيرها، في بلاد الرافدين. وهكذا راح الطرفان العنيدان يتبادلان رسائل الشغف والحب، في غفلة عن الأب، لسبع سنوات «عجاف»، حتى إذا دعي الشاعر للمشاركة في مهرجان المربد الشعري في العراق عام 1969، راح يروي على مسامع جمهوره الذاهل فصولاً من قصته المؤثرة مع بلقيس، ومنها أبياته:
مرحباً يا عراق، جئتُ أغنيكَ
وبعضٌ من الغناء بكاءُ
أكَلَ الحب من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتْه النساءُ
إلى أن يقول:
كان عندي هنا أميرة حب
ثم ضاعت أميرتي الحسناءُ
أين وجهٌ في الأعظمية حلوٌ
لو رأتهُ تغار منه السماءُ؟
وحيث كان الكثير من الحاضرين مدركين تماماً لما يقوله شاعرهم الأثير، وعمن يتحدث، فقد تناهت إلى مسامع الرئيس العراقي آنذاك، أحمد حسن البكر، أصداء تلك العلاقة المجهَضة التي جمعت بين العاشق الدمشقي ومعشوقته العراقية، مع كل ما تحمله من دلالات وأبعاد قومية وسياسية بالغة، فأوفد إلى أبيها كلاً من وزير الشباب العراقي شفيق الكمالي، ووكيل وزارة الخارجية شاذل طاقة، وكلاهما شاعران مرموقان، ليخطباها باسمه الشخصي لنزار قباني.
وحيث لم يكن أمام الأب جميل الراوي، مؤسس الحركة الكشفية في العراق، سوى الموافقة على اقتراح الموفديْن والنزول عند رغبة الرئيس، تمت مراسم الزفاف دون إبطاء. عاد الزوجان إثر ذلك إلى بيروت، التي اختار نزار الإقامة فيها، لأنها المدينة التي تشبه قصائده، وتتسع رغم ظروفها الصعبة، لأفكاره الجريئة وتعلقه المرَضي بالحرية.
وعلى امتداد ثلاثة عشر عاماً من الحياة المشتركة، تقاسم الشاعر الشهير، والزوجة التي تصغره بستة عشر عاماً، ألق المدينة ودمارها الكارثي، بقدر ما تقاسما مغامرة صعبة لم ينجحا في تجاوز أفخاخها إلا ببذل الكثير من الجهد والصبر والعناء.
وإذا لم يكن من المستغرب تبعاً لذلك، أن يتساءل الكثيرون عن الأسباب الفعلية التي وفرت لزواج بلقيس ونزار، سبل النجاح والاستمرار لثلاثة عشر عاماً متواصلة، قبل أن يطيح به انفجار السفارة العراقية الكارثي، مقابل الفشل الذريع لزواج الشاعر السابق، فإن مثل هذه التساؤلات لا تحتمل، على وجاهتها، إجابات قاطعة ويقينية. ليس فقط لأن كل فرد من البشر عالم قائم بذاته، وليس ثمة بالتالي من تماثل تام بين علاقتين، ولا لأن الكيمياء الشخصية تتفاوت، تجانساً وتنافراً، بين فردٍ وآخر، بل لأمر آخر إضافي أخفقت زهراء في اجتياز مطباته، في حين تلقته بلقيس برحابة نادرة، وقدرة هائلة على الصبر والمرونة، وأعني به: امتحان الغيرة المدمر.
ومع أن الزوجة المعتدة بكرامتها، كما بجمالها وذكائها اللماح، لم تكن بمنأى عن لسعة الغيرة التي تطال النساء المرتبطات برجال مشاهير، كما هو حال زوجها نزار، إلا أنها عملت كل ما بوسعها لكبح جماح تلك الغيرة وإبقائها تحت السيطرة، باذلة كل جهدها لتجنب الوقوع في المطب نفسه الذي وقعت فيه زوجة الشاعر الأولى.
ولعل قباني يقصد هذه النقطة بالذات في قصيدته المعروفة «أشهد أن لا امرأة إلا أنت»، التي كتبها لبلقيس في عيد زواجهما العاشر، كما تشير بعض الدلائل، من مثل «أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنتِ واحتملتْ حماقتي عشرة أعوامٍ كما احتملتِ واصطبرتْ على جنوني مثلما اصطبرتِ».
لكن ذلك الزواج الناجح الذي صمد أمام الكثير من العوائق والملابسات والأنواء، لم يستطع الصمود أمام ضربة القدر القاصمة التي شاءت للزوجة الاستثنائية، وأم عمر وزينب، أن تقضي نحبها بشكل مأساوي تحت ركام الانفجار المروع الذي ضرب السفارة العراقية في بيروت، حيث كانت تعمل لسنوات.
واللافت في الأمر أن بلقيس لم تكف عن مفاجأة شاعرها المكلوم، في الموت كما في الحياة، حيث أبلغه ياسر عرفات آنذاك، بأن زوجته الراحلة لم تتوان عن القدوم إلى الأردن عام 1968، أي قبل زواجها بعام واحد، لتتلقى تدريبات مكثفة على القتال، ولتضع نفسها مع بعض رفيقاتها العراقيات في تصرف الثورة الفلسطينية. وكما رأى نزار في الشعر الصخرة التي عصمته من التصدع والقنوط، إثر الرحيل المدوي لابنه توفيق في أوائل السبعينات، فقد استعان بالصخرة نفسها مرة أخرى، موكِلاً كل ما تجيش به نفسه من سخط على القتلة المجرمين، وحزن على الزوجة المغدورة، إلى قصيدته «بلقيس» ذات النفس الملحمي والنبرة الشبيهة بالمزامير، وهاتفاً من أعماقه المطحونة:
بلقيسُ تذبحني التفاصيلُ الصغيرة
في علاقتنا
وتجلِدُني الدقائق والثواني
فلكل دبوسٍ صغيرٍ قصة
ولكل عقدٍ من عقودكِ قصتانِ
حتى ملاقطُ شَعرك الذهبي
تغمرني كعادتها
بأمطار الحنانِ
بلقيسُ يا بلقيسُ
لو تدرينَ ما وجع المكانِ
في كل ركنٍ أنت حائمة كعصفورٍ،
وعابقة كغابة بيلسانِ
صورة نيرودا تهتز تحت وطأة انتقادات الحركات النسائية
كان الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، ينصح دائماً بتحاشي اللجوء إلى استخدام «أفعل التفضيل» في معرض تقدير الأدباء والشعراء وأعمالهم والحديث عن سيرهم الذاتية، لكنه عندما سئل مرة عن رأيه في الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، لم يتردد صاحب «مائة عام من العزلة» في القول إنه «أعظم شعراء القرن العشرين بكل اللغات».
وكذلك يقول الناقد الأدبي الأميركي الشهير هارولد بلوم، إن نيرودا، الذي وضع أهم ديوان شعري له «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة» وهو ما كان يزال دون العشرين من العمر، إنه «تستحيل المقارنة بين نيرودا وأي شاعر غربي آخر»، معتبراً أنه واحد من أهم عشرين مؤلفاً غربياً في كل العصور.
المعروف، أن نيرودا توفي في سبتمبر (أيلول) من عام 1973، بعد أسبوعين فقط من الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أوغوستو بينوتشيت، ضد الرئيس التشيلي وصديق نيرودا الشيوعي سالفادور الليندي، الذي رفض الاستسلام وقضى مدافعاً بالسلاح عن «إرادة الشعب» في قصر «لا مونيدا». قيل يومها إن الشاعر الذي كان عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي التشيلي ونال جائزة نوبل للآداب في العام 1971، لم يتحمل نبأ مقتل الليندي وانتصار الانقلابيين، وثمة من قال إن المرض العضال الذي كان أصابه دبرته المخابرات الأميركية التي كشفت الوثائق الرسمية بعد سنوات أنها كانت وراء الانقلاب الذي أدى إلى مقتل واختفاء وتعذيب عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين.
يوم رحل نيرودا، لم تكن الحركة النسائية قد انتشرت وترسخت في تشيلي كما حصل بعد سقوط الديكتاتورية العسكرية، ثم وصول المناضلة الاشتراكية ميشيل باشليه مرتين إلى رئاسة الجمهورية، وتشكيل الحكومة التشيلية الأخيرة بأغلبية من النساء.
هذه التطورات دفعت باتجاه مراجعة لحياة نيرودا الشخصية تحت مجهر جديد لم تخضع له في الماضي، خصوصاً بعد اعترافه باغتصاب فتاة عندما كان قنصلاً لبلاده في سيلان (سريلانكا)، وبعد انكشاف تفاصيل سلوكياته إزاء زوجته الأولى والابنة الوحيدة مالفا مارينا التي أنجبها وتخلى عن رعايتها، لأنها كانت مشوهة عند الولادة إلى أن توفيت في الثامنة من عمرها، ولم يحضر جنازتها في هولندا.
ولم تقف هذه المراجعة عند السيرة الذاتية لواحد من أهم الشعراء العالميين في كل العصور، بل تجاوزتها لتتناول بعضاً من قصائده الشهيرة التي رأى فيها نقاد شططاً ذكورياً وتحقيراً للمرأة، ودعت إلى إعادة النظر في الرمزية البارزة التي يحتلها ضمن المشهد الثقافي التشيلي «وإنزاله من علياء الانبهار بشعره الشاهق الذي أتاح له تجاوزات كثيرة في حياته، وبعد مماته، من غير ثواب أو عقاب»، كما تقول الباحثة الأكاديمية سوليداد فالابيا التي قادت حملة واسعة ضد إطلاق اسم نيرودا على مطار العاصمة التشيلية سانتياغو.
وكان نيرودا وصف في مذكراته التي صدرت بعد وفاته في مؤلفه الشهير بعنوان «أعترف أني عشت» اغتصابه لفتاة سيرلانكية من إثنية «تاميل» بقوله: «كان أشبه بلقاء بين رجل وتمثال جامد. بقيت طوال الوقت بلا حراك، تنظر بعينين فاغرتين إلى مكان بعيد كأنها تقول لي إنها تحتقرني». وقد أثارت إعادة قراءة هذا النص في السنوات الأخيرة موجة من الاستنكار في الأوساط السياسية التشيلية، على مختلف مشاربها، وبين بعض الأدباء والشعراء، دعت إلى قطع المساعدات الرسمية للمؤسسة التي تعنى بصون تراث الشاعر وإدارة المنازل الثلاثة التي كان سكنها في تشيلي، وتحولت فيما بعد إلى متاحف تستقبل سنوياً مئات الآلاف من الزوار.
ولم تقف الانتقادات عند سلوكيات نيرودا فحسب، بل شملت مواقف أترابه من الشعراء والأدباء، مثل غارسيا لوركا، وفيثنتي آلكسندريه، الحائز أيضاً عن «نوبل للآداب»، الذين رافقوه عن قرب خلال إقامته في مدريد وعاينوا تصرفاته تجاه ابنته المريضة من زوجته الهولندية، حيث كان يرفض رؤيتها أو العناية بها لكونها مشوهة، ويأبى أن يتقبل فكرة إنجابه لها، حتى أنه لم يحضر جنازتها عندما توفيت. وكان لوركا وآلكسندريه أشارا في مناسبات عدة إلى معاناة الشاعر من مرض ابنته، لكن دون انتقاده أو توجيه اللوم إليه.
لكن الكاتب فرناندو سايز، الذي يدير المؤسسة التي تحمل اسم الشاعر، وتواجه اليوم صعوبة كبيرة لمواصلة حفظ تراثه، يقول: «إن الحملة ضد نيرودا أخرجت الأمور عن سياقها الزمني، وتنظر إليها كما لو أنها حصلت البارحة. أعتقد أن ذلك الاعتراف كان مؤلماً جداً بالنسبة له، ومن المبالغة القول إنه كان يعاني من مشكلة في تعامله مع النساء».
كانت الروائية التشيلية المعروفة إيزابيل الليندي، دعت إلى عدم العرض لأعمال الشاعر وتشويهها، قائلة: «يعترف نيرودا أنه اغتصب امرأة، والحركة النسائية التشيلية تريد القضاء عليه. الرجل الخاطئ شيء، وكلنا خطأة، والعمل الأدبي شيء آخر».
ويخشى المشرفون على المؤسسة من أن هذه الحملة التي يشارك فيها عدد من الشخصيات النسائية التي تنتمي إلى الفريق السياسي نفسه، الذي كان نيرودا يناضل في صفوفه، ستحول دون إنجاز المتحف الكبير المخصص للشاعر الذي من المقرر افتتاحه العام المقبل بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين عاماً على رحيل نيرودا، ومائة عام على صدور مجموعته الشعرية الرائعة «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة».