أحمد بهجت كان حزباً. أو فريقاً كروياً. أو مؤذناً، مثل سيدي ورفيقي ومؤنسي ومبدّد كآبتي، محمد صديق المنشاوي. لم يكن ممكناً أن تقرأ أحمد بهجت من دون أن تهتف وتصفّق وتتمنى لو أنك تتلمذت على سطوره، وتفيأت غصون شجرته، وعرفت معنى النضوج في ألوان ثماره.
لم يكن عادياً على الإطلاق هذا الذي كان يكتب كل يوم في عاديات الأشياء. كل شيء بين يديه كان يتحوّل إلى جوهرة. وكلّ جوهرة إلى قطعة ماسية برّاقة في واجهة «سوق الصياغين» في بيروت القديمة. كتّاب كثيرون صُنِّفوا من أهل السهل الممتنع. أحمد بهجت كان ماسة نادرة، واحدة إلى جانب واحدة، مثل الواجهات الزجاجية في «سوق الصياغين» في بيروت القديمة.
أو ربما مطرة مطرة، مثل وصول الخريف خائفاً من أن ينزع المطر العاجل أوراقه ويكشف عريه. ومثل أعتاب الخريف، كلماته عذبة وتذاق مرتين. عذبة ومثقلة بطعم كل الفصول. ولا تعرف من أين يأتي بها. أو كيف تتجمع في «سلال الوديعة».
نثْرُ أحمد بهجت نصفه شعر، ونصفه خيال، وجمعه ابتهال. جواهر لا تقلّد، كما في رواية غي دوموباسان؛ حيث يخيّل إلى الجميع أن هذه الجواهر في الكيس البسيط، جواهر مزيفة. لكن عندما تعرض على الخبير يصرخ هاتفاً أمام هذا الكنز؛ لا تصنع الأيدي جواهر مثلها.
أحمد بهجت يُقرأ مرتين. والثالثة ستكون مثل الأولى. ولئن اختار واعتمد المقال الصغير فلأن فعل الماس مثل أثر البرق. قال المهندس إبراهيم المعلّم في تكريمه إنّ «دار الشروق» تطبع من كل عمل من أعمال عبقري الاختصار 63 طبعة على الأقل. لا أدري كم طبعة صدرت من «تأملات في عذوبة الكون».
أنا ما أزال أتأمل في الكون كما رآه أحمد بهجت. وكيف سجّل أوّل يوم في التاريخ: «هناك تاريخ لم يكتبه أحدنا هو 1 – 1 – 1 أول يوم في أول شهر في أول عام خلقت فيه الدنيا… لم يكن في الجنة شهور ولا أيام ولا سنوات ولا شمس ولا زمهرير ولا مرض ولا موت ولا هموم. ثمّة خلود فحسب، والخلود لا يعرف همّ القلق والحساب» لكن «العصيان الذي أدى للسقوط إلى الأرض، حوّل كل شيء إلى عذاب».
يقول كاتبنا أقوالاً للحكمة الكبرى، وليس لعجالة المقال اليومي: «في الصداقة حكمة يفتقر إليها الحب»، ويقول إنّه افتقد شرنقة أحبها، فإذا هي فراشة تطير أمامه. ويقول: «الرجل رياح تطوف حول الأرض وتدور، والمرأة بذور تلقى في الأرض فتخرج منها الثمار». ويقول: «كثيراً ما تأملت الأشياء… ثمة شيئان لا يشبع المرء من تأملهما؛ السماء ذات النجوم والوجه البشري»
- أحمد بهجت كان حزباً. أو فريقاً كروياً. أو مؤذناً، مثل سيدي ورفيقي ومؤنسي ومبدّد كآبتي، محمد صديق المنشاوي. لم يكن ممكناً أن تقرأ أحمد بهجت من دون أن تهتف وتصفّق وتتمنى لو أنك تتلمذت على سطوره، وتفيأت غصون شجرته، وعرفت معنى النضوج في ألوان ثماره.
لم يكن عادياً على الإطلاق هذا الذي كان يكتب كل يوم في عاديات الأشياء. كل شيء بين يديه كان يتحوّل إلى جوهرة. وكلّ جوهرة إلى قطعة ماسية برّاقة في واجهة «سوق الصياغين» في بيروت القديمة. كتّاب كثيرون صُنِّفوا من أهل السهل الممتنع. أحمد بهجت كان ماسة نادرة، واحدة إلى جانب واحدة، مثل الواجهات الزجاجية في «سوق الصياغين» في بيروت القديمة.
أو ربما مطرة مطرة، مثل وصول الخريف خائفاً من أن ينزع المطر العاجل أوراقه ويكشف عريه. ومثل أعتاب الخريف، كلماته عذبة وتذاق مرتين. عذبة ومثقلة بطعم كل الفصول. ولا تعرف من أين يأتي بها. أو كيف تتجمع في «سلال الوديعة».
نثْرُ أحمد بهجت نصفه شعر، ونصفه خيال، وجمعه ابتهال. جواهر لا تقلّد، كما في رواية غي دوموباسان؛ حيث يخيّل إلى الجميع أن هذه الجواهر في الكيس البسيط، جواهر مزيفة. لكن عندما تعرض على الخبير يصرخ هاتفاً أمام هذا الكنز؛ لا تصنع الأيدي جواهر مثلها.
أحمد بهجت يُقرأ مرتين. والثالثة ستكون مثل الأولى. ولئن اختار واعتمد المقال الصغير فلأن فعل الماس مثل أثر البرق. قال المهندس إبراهيم المعلّم في تكريمه إنّ «دار الشروق» تطبع من كل عمل من أعمال عبقري الاختصار 63 طبعة على الأقل. لا أدري كم طبعة صدرت من «تأملات في عذوبة الكون».
أنا ما أزال أتأمل في الكون كما رآه أحمد بهجت. وكيف سجّل أوّل يوم في التاريخ: «هناك تاريخ لم يكتبه أحدنا هو 1 – 1 – 1 أول يوم في أول شهر في أول عام خلقت فيه الدنيا… لم يكن في الجنة شهور ولا أيام ولا سنوات ولا شمس ولا زمهرير ولا مرض ولا موت ولا هموم. ثمّة خلود فحسب، والخلود لا يعرف همّ القلق والحساب» لكن «العصيان الذي أدى للسقوط إلى الأرض، حوّل كل شيء إلى عذاب».
يقول كاتبنا أقوالاً للحكمة الكبرى، وليس لعجالة المقال اليومي: «في الصداقة حكمة يفتقر إليها الحب»، ويقول إنّه افتقد شرنقة أحبها، فإذا هي فراشة تطير أمامه. ويقول: «الرجل رياح تطوف حول الأرض وتدور، والمرأة بذور تلقى في الأرض فتخرج منها الثمار». ويقول: «كثيراً ما تأملت الأشياء… ثمة شيئان لا يشبع المرء من تأملهما؛ السماء ذات النجوم والوجه البشري».