وافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على طلب السويد وفنلندا الانضمام لحلف الناتو بعد موافقتهما على طلبات تركيا، فما هي تلك الطلبات؟ وماذا قدَّم الرئيس الأمريكي جو بايدن لأنقرة؟
كانت السويد وفنلندا قد تقدمتا رسمياً، منتصف مايو/أيار الماضي، بطلب الانضمام للحلف العسكري الغربي، بعد أن تسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا في تغيير موقفهما التاريخي التزام الحياد في الصراع بين روسيا والغرب.
لكن تركيا أعلنت معارضتها انضمام السويد وفنلندا للناتو، وهو ما يعني عملياً استحالة الموافقة على طلبهما، كون انضمام أي عضو جديد للحلف يتطلب موافقة جميع أعضائه، الذين يبلغ عددهم حالياً 30 عضواً، أي إن أي عضو في الحلف يمتلك حق الفيتو في هذا الشأن.
ماذا قدَّمت السويد وفنلندا لتركيا؟
اعتراضات تركيا كانت لها أسباب محددة ومعلنة، تتمثل في استضافة السويد وفنلندا أعضاء في جماعات تعتبرها أنقرة إرهابية، وكان الرئيس التركي قد قال في مؤتمر صحفي قبل تقدمهما بالطلب رسمياً إن أنقرة لن توافق على مساعي البلدين للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، واصفاً السويد بأنها “مفرخة” للمنظمات الإرهابية، مضيفاً أن لديها إرهابيين في برلمانها.
وبعد محاولات مستمرة من جانب الدولتين ورئاسة حلف الناتو وإدارة الرئيس جو بايدن، أعلنت تركيا مساء الثلاثاء 28 يونيو/حزيران أنها توصلت لاتفاق مع الدولتين الإسكندنافيتين يفتح الباب أمام ترحيب أنقرة بانضمامهما لحلف الناتو.
وبموجب مذكرة تفاهم ثلاثية، تعهدت السويد وفنلندا بالتعاون التام مع تركيا في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وبالتحديد التعاون التام في مكافحة تنظيم “بي كي كي” الإرهابي، وعدم توفير الدعم لتنظيمي “بي واي دي/ واي بي جي” و”غولن”، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وأضافت المذكرة أن فنلندا والسويد تتعهدان بمنع أنشطة “بي كي كي” وجميع المنظمات الإرهابية الأخرى والأفراد المرتبطين بها. وأعربت عن إدانة السويد وفنلندا بشكل واضح وصريح لكل هجمات التنظيمات الإرهابية ضد تركيا.
المذكرة أكدت أيضاً أن الناتو هو حلف يقوم على أسس الدفاع والأمن المشترك، مضيفة أن تركيا والسويد وفنلندا تلتزم بالمبادئ والقيم المذكورة في اتفاقية واشنطن للحلف.
وأهم عناصر هذا التحالف هو “التضامن والتعاون التام في مكافحة شتى أشكال ومظاهر الإرهاب، الذي يشكل تهديداً مباشراً على السلم والاستقرار الدوليين والأمن القومي للدول الأعضاء”.
وفي هذا السياق، تتعهد السويد وفنلندا، العضوين المرشحين في الحلف، “بالتعاون التام مع تركيا في مواجهة كل التهديدات التي تستهدف أمنها القومي، ولن تقدما الدعم لتنظيمات بي واي دي/ واي بي جي وغولن”، بحسب المذكرة.
كما أشارت المذكرة إلى أن تركيا بدورها تعلن دعمها التام للسويد وفنلندا في مواجهة التهديدات التي تطال أمنهما القومي. ولفتت إلى أن السويد وفنلندا ترفضان وتدينان بأشد العبارات كل أشكال الإرهاب.
وأعرب البلدان عن إدانتهما بشكل واضح وصريح لكل هجمات التنظيمات الإرهابية ضد تركيا، وتضامنهما مع أنقرة ومع ذوي الضحايا. وأكد البلدان على اعتبار “بي كي كي” تنظيماً إرهابياً محظوراً، وتعهدا بمنع أنشطته وأنشطة جميع المنظمات الإرهابية الأخرى والأفراد المرتبطين بها.
وقررت تركيا والسويد وفنلندا تعزيز التعاون فيما بينها بخصوص منع أنشطة التنظيمات الإرهابية. ونصت المذكرة على رفض ستوكهولم وهلسنكي “كل مشاريع وطموحات التنظيمات الإرهابية”.
ماذا قال الناتو عن الاتفاقية مع تركيا؟
أعلن أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ، أن قادة دول الناتو سيتخذون الأربعاء 29 يونيو/حزيران، قراراً بدعوة السويد وفنلندا للانضمام إلى الحلف. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده بعد توقيع مذكرة التفاهم الثلاثية بين تركيا والسويد وفنلندا، في العاصمة الإسبانية مدريد، التي تستضيف قمة الناتو.
وقال ستولتنبرغ: “السويد وفنلندا توصلتا إلى تفاهم مع تركيا من أجل الانضمام إلى الناتو، وسيتم تبديد مخاوف أنقرة”، وأضاف أن قادة دول الناتو سيتخذون اليوم الأربعاء، خلال قمتهم في مدريد، قراراً بدعوة السويد وفنلندا للانضمام إلى الحلف.
وحول المذكرة، قال أمين عام الحلف العسكري الغربي إن السويد وفنلندا توصلتا إلى تفاهم مع تركيا لتمهيد الطريق أمامهما للانضمام إلى الناتو، وأن المذكرة الموقعة جاءت لتبديد مخاوف تركيا بشأن توريد السلاح ومكافحة الإرهاب.
ولفت إلى أنه لم يعانِ أي حليف في الناتو بقدر ما عانت تركيا من هجمات المنظمات الإرهابية بما فيها “بي كي كي”، مؤكداً أن فنلندا والسويد لن تدعما تنظيمات “بي واي دي PYD” و”واي بي جي YPG” و”غولن” الإرهابية.
وستقوم فنلندا والسويد بتغيير قوانينهما الوطنية، وستتخذان التدابير ضد أنشطة “بي كي كي” وستتفقان مع تركيا على تسليم المجرمين، وفي المقابل ستدعم أنقرة عضوية البلدين في الناتو، بحسب ستولتنبرغ.
من جانبه، قال الرئيس الفنلندي، سولي نينيستو، للصحفيين إن المذكرة الثلاثية لا تتضمن أسماء أفراد مطلوب تسليمهم، وأضاف أن المذكرة، التي سيُعلن عنها لاحقاً، تصف مبادئ تسليم المجرمين المتعلقة بالإرهاب، ولا تتضمن أفراداً، بحسب رويترز.
ماذا تريد تركيا من بايدن؟
لا شك أن موقف إدارة بايدن من هذا التطور المهم، الذي تعتبره واشنطن انتصاراً لها على أساس أن فكرة انضمام والسويد وفنلندا بالأساس مصدرها بايدن نفسه، من قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، يمثل حجر الزاوية في الانفراجة المتمثلة في تغيير تركيا موقفها بهذه السرعة، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
نعم، حصلت تركيا على ما أرادته من السويد وفنلندا كاملاً، لكن أنقرة لها مطالب أيضاً أرادت من واشنطن تقديمها، ومنها على سبيل المثال مقاتلات إف-16 الأمريكية التي تريد تركيا شراءها، فماذا عن تلك الأمور العالقة مع إدارة بايدن؟
وجه الصحفيون بالفعل سؤالاً إلى ستولتنبرغ بشأن هذه النقطة، فرد بأن المذكرة الموقعة بين تركيا والسويد وفنلندا ” لا تشير إلى أي سلاح”، لكن مسؤولاً أمريكياً كبيراً قال ل”رويترز” إن الرئيس جو بايدن يدعم الاتفاق الذي سيسمح لفنلندا والسويد بالانضمام إلى الناتو، مضيفاً أن بايدن لعب دوراً خلف الكواليس في مفاوضات دولتي الشمال الأوروبي مع تركيا.
وقال المسؤول إن تركيا لم تصر على إدراج مطالبها بالحصول على طائرات حربية أمريكية متقدمة في المفاوضات، مضيفاً أنه من المتوقع أن يجتمع بايدن وأردوغان على هامش قمة الناتو اليوم الأربعاء.
لكن تقرير CNN، الذي يكشف كواليس المفاوضات المحمومة على مدى الأسابيع الماضية وحتى الإعلان عن الاتفاق الثلاثي بين تركيا والسويد وفنلندا، يوضح الدور الرئيسي لبايدن في إقناع نظيره التركي بإعطاء الضوء الأخضر خلال قمة الحلف في مدريد.
إذ كان بايدن قد طلب من الرئيس الفنلندي ورئيسة الوزراء السويدية الانضمام للناتو منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، وجاء الهجوم الروسي على أوكرانيا ليمثل عاملاً رئيسياً في تحويل الحياد التاريخي في البلدين إلى رغبة في الانضمام للناتو.
وبعد أن تقدمتا بالطلب رسمياً وأعلنت تركيا موقفها المعترض، وهو الموقف الذي كان متوقعاً بطبيعة الحال، سعى الرئيس الأمريكي إلى عدم الدخول مباشرة في المفاوضات الشاقة بين العواصم الثلاثة ورئاسة حلف الناتو، حتى لا يضطر إلى تقديم تنازلات لأنقرة، بحسب مسؤولين في البيت الأبيض تحدثوا للشبكة الأمريكية.
لكن مع اقتراب قمة الناتو في مدريد وعدم حدوث تغيير في الموقف التركي، بدأ الإحباط يتسلل إلى بايدن وكبار مسؤوليه، أدرك الجميع أن الرئيس التركي لن يغير موقفه إلا إذا حصل على أكبر قدر ممكن مما يريده، ليس فقط من السويد وفنلندا، ولكن من الولايات المتحدة كذلك.
وعبر مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، عن تلك النظرة المتشائمة الإثنين 27 يونيو/حزيران بقوله إنه “لا يجلس هنا مقترحاً أن جميع القضايا (المتعلقة بطلب الانضمام للناتو واعتراضات تركيا)، سيتم حلها قبل قمة الناتو في مدريد”.
كان ذلك قبل يومين فقط من موعد قمة مدريد، لكن الثلاثاء تلقى بايدن، الذي كان في جبال الألب بألمانيا في قمة مجموعة السبع، طلباً خاصاً من نينستو (الرئيس الفنلندي) وماغدولينا أندرسون (رئيسة وزراء السويد)، وهو أن الوقت أصبح مناسباً كي يتصل بايدن بأردوغان مباشرة، بحسب الشبكة الأمريكية.
وقال مسؤول أمريكي للشبكة إن بايدن شجَّع نظيره التركي على أن ينتهز الفرصة التاريخية ويوافق على انضمام السويد وفنلندا للناتو؛ ليعلن ذلك رسمياً خلال قمة مدريد، مضيفاً أن ذلك سيمهد المسرح لعقد قمة ثنائية بينهما (بايدن وأردوغان) في إسبانيا.
مسؤول أوروبي لم تذكر CNN اسمه قال إن “تركيا لا تقدم أي تنازلات بشكل عام، وتنتظر حتى اللحظة الأخيرة، وفي هذه الحالة تمثل اللحظة الأخيرة قمة ثنائية بين بايدن وأردوغان”. وقد أثبتت استراتيجية أنقرة فعاليتها، وأعلنت تركيا أنها “حصلت على ما تريده”، لكن المسؤول الرفيع في إدارة بايدن قال للشبكة الأمريكية إنه لا “توجد في بيان مذكرة التفاهم كلمة واحدة تتعلق بأهم جزء”، أي موافقة تركيا رسمياً على انضمام السويد وفنلندا.
الإشارة هنا إذاً تتعلق بقمة بايدن وأردوغان، والتي ستكون فيها صفقة الإف-16 وترحيل عبد الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالتخطيط للانقلاب الفاشل عام 2016، أبرز النقاط على الأجندة، فهل تحصل أنقرة على تلك الطائرات الأمريكية على أقل تقدير؟ هذا ما يتوقعه من تحدثوا للشبكة الأمريكية.