خيري الذهبي: وفاة الكاتب والروائي السوري عن عمر ناهز الخامسة والسبعين
غيّب الموت الكاتب والروائي السوري، خيري الذهبي، أمس الاثنين، عن عمر ناهز الـ75 عاما.
ونعته ابنته الإعلامية سهير الذهبي، عبر صفحتها الشخصية في موقع فيس بوك، بالقول: “راح أبي، لكن أنا من مات” دون الإعلان عن المزيد من التفاصيل.
ووُلد الذهبي في دمشق عام 1946، حيث نال تحصيله العلمي قبل أن يُغادر إلى القاهرة؛ لمتابعة دراسته الجامعية.
وتوزعت أعمال الذهبي الأدبية ما بين الرواية والقصّة القصيرة والأعمال الدرامية والأفلام، غير أن رواية “حسيبة” الصادرة عام 1987 تبقى أشهر رواياته التي ارتبط اسمه بها. كما تعد رواية “الجنة المفقودة.. من القنوات إلى كفر سوسة” الصادرة عام 2021 آخر أعمال الروائي الراحل.
ومع اندلاع الانتفاضة الشعبية السورية عام 2011، غادر الذهبي وطنه متّجهاً إلى مصر وعدد من البلدان العربية، قبل أن يستقرّ في فرنسا حيث وافته المنية أمس.
صدرت حديثاً للشاعر السوري المقيم في السويد، فرج بيرقدار، مجموعة شعرية جديدة بعنوان «عروة في قميص السؤال»، عن دار «سامح للنشر» في السويد، وهي التاسعة ضمن أعماله الشعرية.
وجاء في تقديم الناشر:
تمتد قصائد «عروة في قميص السؤال» على مدى عشرين عاماً رأى فيها الشاعر ما رأى، فصدَّق ما كان يكذِّب، وكذَّب ما كان يصدِّق، عشرين عاماً دُقّت في داخله وحوله أجراس وطبول وصفارات إنذار وحروب ومجازر وانتفاضات وقصف وخراب وهجرات، ودُقّت أيضاً موسيقى الحب والفرح والورد والأمل والجمال وما تنطوي عليه الطبيعة من دراما تمسرح الجبال والوديان والغابات والبحيرات والجزر والآفاق وما وراءها من احتمالات أكثر جمالاً. هي مجموعة شعرية من ألم وأمل، من حزن وحب وعتبٍ وغفران، من أنقاض دمشق وحمص وبغداد وبيروت… ولأن الشاعر ابن مدينة حمص ونهرها العاصي الذي تعلَّم منه بلاغة العصيان، فقد كانت حضورهما وظلالهما مبثوثة في العديد من القصائد، دون أن تغمض عينه عن الأنهار والمدن الأخرى، ولا عن البحر الأبيض المتوسط الذي يخاصر سوريا، ويفتح شدقيه على اتساعهما لابتلاع آلاف مؤلفة من السوريين الهاربين على أمواجه من موت محتَّم إلى موت محتَمَل. كل ذلك وغيره مما ترونه على السطح ليس إلا رأس جبل جليد حالنا، ليس إلا عروة في قميص السؤال الذي لا يرغب عالمنا المعاصر في الإجابة عنه، وذلك هو ما يحاول أن يقوله الشاعر في هذه المجموعة.
فرج بيرقدار شاعر سوري و«مواطن سويدي»، كما يعرِّف بنفسه ويوقَّع بعض نصوصه. وكان بيرقدار قد قضى أربعة عشر عاماً في سجون النظام السوري، أثناء حكم حافظ الأسد.
من أجواء المجموعة:
النوارس
كبناتِ أفكار البحار
هي النوارسُ
غير أني يا صحارانا
وأمَّ رمالنا
وخلاصة الأهواء والأديانْ
لا أشتهي منها سوى معنى الشراعِ
وقد أجذِّف في الرمالِ
وربما أستلُّ مئذنة من التاريخ
أطعنني بها
كي لا أنامْ.
وَتَرٌ على أوجاع روحك يا غريبُ
عنيتُني
وخجلتُ من نفسي
وواسيتُ النوارسَ
واشتهيتُ لو أنني
ما كنتُ أشبُهها بترحالي
ولا كانت جنازاتُ الهوى
حلباً وشامْ.
«تشريح الرغبة»… صراع الموروثين الشرقي والغربي
اعتمدت الروائية والشاعرة المغربية ريم نجمي في روايتها «تشريح الرغبة» أسلوب (تكنيك) الرسائل المكتوبة لبناء عالم فني، تطرح من خلاله طبيعة العلاقات العاطفية والزوجية وتعقيداتها وتشريحها النفسي. تدور أصوات الرواية بين الزوجة الألمانية «يوليا»، وعادل الزوج من أصل مغربي، و«جوري» التي تصبح طرفاً في علاقة الزوجين بعدما تربطها بعادل قصة حب، في وقت يعاني فيه من ندوب الانسحاب من علاقة طويلة بزوجته.
ومنذ الأسطر الأولى تطالعنا الرسائل بنبرة حادة حاملة رغبة هشة في الحسم: «لا بد لهذا الأمر أن ينتهي» هكذا تقول بطلة الرواية، ثم تسترسل في استدعاء ذكريات شجية وهي تبحث عن سبيل للخروج من الشقاق الذي ألم بعلاقتها مع زوجها. ولم تكن تلك العبارة صدى لشجار زوجي مشتعل، بل كانت واحدة من الرسائل الإلكترونية المتعاقبة التي تبادلها الزوجان في محاولة لإيجاد مخرج من تعقيدات العلاقة الزوجية بينهما.
وجها العملة
يبدأ مبكراً المأزق العاطفي الذي تعاني منه يوليا، الزوجة الألمانية الخمسينية، وهي تواجه قرار زوجها بالابتعاد، وإنهاء علاقتهما الزوجية. تكتب رسالتها الأولى لزوجها الذي غادر بيت الزوجية في بون لبيته الجديد في برلين، تخاطبه بلغة هلوعة وهي «في بئر عميقة من الخوف» كما تصف له، وتحاول استدرار مشاعره من جديد بدفق لحظاتهما السعيدة الطويلة على مدار خمسة وعشرين عاماً، مصحوبة بأمل أن يستطيعا تجاوز ما تراكم بينهما من شجارات.
إلا أن القارئ الذي يتعاطف مع رسالة يوليا ومشاعرها بالتيه، سرعان ما يرتبك مع قراءة رسائل الزوج لها، الذي رغم لغة التعاطف والتفهم التي يبديها لها في لغة خطابه، إلا أنه يبدو أكثر حسماً في قرار الانفصال: «يوليا عزيزتي، لو فتحنا أبواب الذاكرة لن نخرج منها سالمين» كما يقول، لتبدو الرسائل المتبادلة بين الزوجين أقرب لتقليب وجهي العملة الواحدة، حيث وجهتا النظر تجعل الصورة مغايرة، ما بين طرف يبحث عن إصلاح العلاقة، وآخر يبحث عن باب للخروج حفاظا على لقطة أخيرة مسالمة تتوج سنوات العمر معاً: «من الأفضل أن نتوقف الآن إكراماً لذلك الحب الذي كان يجمعنا» كما يقول بطل الرواية.
مفتاح التغير
على مدار الرواية، تقع في 334 صفحة، الصادرة حديثا عن دار المصرية اللبنانية بالقاهرة، تبدو مراجعة الزوجين لعلاقتهما ذاتية بالأساس نتيجة للتغيرات التي ألمت بهما على مدار السنوات: «تغيرت ملامحنا كصخرة نحتتها الأمواج على مدار سنوات، ليست ملامحنا فقط التي تغيرت إنما دواخلنا أيضاً».
ويبدو التغير إحدى الثيمات الرئيسية التي يمكن فهمها كنواة رئيسية لتصدع العلاقة بين الزوجين، وسط مسارات متوازية للتنقل بين التغيرات الشكلية التي يتركها الزمن في صورة تجاعيد، وثقل حركي، وبين التغير النفسي البطيء المسكوت عنه عبر السنوات. فيوليا تتأمل تجاعيدها التي تمددت كجذور شجرة، وتتساءل إذا كانت سببا في تغير قلب عادل، تغوص في تلك الافتراضات الأنثوية المعروفة وسرعان في وسط هذا التيار تنتبه: «المرأة تبقى المرأة، القلب هو الذي تغير».
ورغم ذاتية وخصوصية التجربة التي جمعت يوليا وعادل، إلا أن الرواية تطرح أسئلة جمعية وأزلية حول أزمة منتصف العمر، والأولويات الحقيقية، والسكوت كعلامة للرضا الزائف، والتمرد على نمط الحياة، والبحث عن حلول جذرية باترة في مواجهة الحلقات المفرغة، وتأثير اختلاف الثقافات على العلاقة بين الناس.
مراوحات ثقافية
تظهر في السياق الروائي تراوحات ثقافية متناقضة لا تنهيها الهجرة لبلاد جديدة. فيظل صراع الموروثين الشرقي والغربي ساكنا في عمق العلاقة العاطفية تحت السطح، فعادل الذي ظل يقطن ألمانيا أكثر من عشرين عاماً لم ينفصل عن جذوره المغربية العربية، ويقع في حب فتاة سورية، ويسعى رغم سنوات العمر الطويلة التي تفصل بينهما إلى أن يبدأ معها قصة حب جديدة مصحوبة برغبة في أن يصير أباً وهو في منتصف الخمسينات. ويبدو بكل تشبعه بالثقافة الألمانية، متمسكا بعدم إذابة هويته الشرقية المختلفة عن هوية يوليا تحت اسم مؤسسة الزواج، فالزوج العربي المسلم يلوم في إحدى رسائله زوجته الألمانية على استخفافها بطقس صيام رمضان الذي كان بالنسبة له عادة وطقسا روحيا وليس دينيا فقط.
وفي المسار السردي الثالث تظهر رسائل الحبيبة «جوري»، وتنعكس معها خلفيتها كلاجئة سورية عانت من مأساة الحرب، ثم تظهر مع رسائلها تعقيدات قصة حبها مع عادل الذي يكبرها في السن بنحو عشرين عاماً، وصولاً لتأثير حياته الأولى مع يوليا على ذلك الحب الوليد، ليظل الحب القديم أقرب «لأمواج تسحب صاحبها للوراء ليظل غارقاً في عمقه، لا للوصول لشاطئ جديد».
تطعم الكاتبة ريم نجمي روايتها بفواصل مقتبسة من تراث السينما والأدب والشعر، تبدو كمعادل سردي في حد ذاتها، حيث تعكس مأزق أبطالها، لا سيما الحالة النفسية التي تمر بها رحلة الزوجين منذ ثورة الزوجة على قرار الطلاق وصولاً لترتيب الأمور الإجرائية الأخيرة الخاصة بالانفصال.
أما بالنسبة للرسائل بينهما، فتبدو، رغم امتدادها وتتابعها واختلافاتها بين رسالة وأخرى، مفعمة أحياناً بالشعرية، وأحياناً أخرى مشحونة بصيغ الغضب واللعنات، وصولاً للغة التقبل والتجاوز، وتسرب اللغة العملية الصرفة التي يتطلبها واقع العلاقة بينهما.
كما تتخلل الرسائل مقاطع عامية لا سيما السورية في توظيف يلائم لغة الرسائل الإلكترونية ولغة الخطاب بين الحبيبين، وكذلك عبارات ألمانية تطوعها الكاتبة لصالح السياق المكاني والاجتماعي الذي ظل يجمع الزوجين على مدار سنوات الزواج. فيما تطغى نبرة المكاشفة على الرسائل، لا سيما مع تجاوز مرحلة اللباقة والعتاب، وصولاً لمراحل المصارحة المسكونة بالألم: «كشف مواطن الخلل جارح، لكنه ينقذنا من الاستمرار في خديعة أحدنا الآخر. تماما كما لو أننا نمشي في حديقة جميلة متشابكي الأيدي لكن قدمينا داميتان بفعل الأشواك وشظايا الزجاج، غير أن كل واحد منا يبتسم للآخر ليخبئ شعوره بالألم».