كان الرئيس اللبناني الراحل لماحاً كثير الدعابات. وكان يروي في التندر على خصومه عند تشكيل الحكومات حكاية فتاة قروية أراد أهلها تزويجها من شاب لا تحبه. وفي يوم العرس أخذت تبكي بكاء شديداً، فاقتربت منها والدتها وقالت لها: «إذا كان الرجل مش عاجبك إلى هذه الدرجة، بلاش تروحي عالعرس». فأجابت، وهي لا تزال تدمع: «ببكي وبروح».
نشر الرئيس جو بايدن مقالاً في «الواشنطن بوست» أمس الأحد شرح فيه لماذا يبكي ولماذا «يروح» إلى قمة جدة. ذكرني ذلك بحكاية أحد أساتذة التاريخ في جامعة كولومبيا، الذي كان يحاضر عن جون كيندي، فلما وصل إلى موعد اغتياله، ذكر أنه قتل في 23 نوفمبر (تشرين الثاني)، فقاطعه أحد تلامذته قائلاً إن اليوم هو 22 وليس 23، فقال الأستاذ، المسألة التي نتحدث عنها هي انعكاسات مقتله، وليس موعده.
كان الأحرى بالرئيس الأميركي ألا يبدو في مثل هذا الضعف وهو يبرر الحدث الخطر الذي هو مقبل عليه، أي إقامة «شراكة استراتيجية مع السعودية». مثل هذه الشراكة، أي الأعلى درجة في العلاقات، خيار لا اضطرار. وإذا كان لإقامتها كل هذه الأهمية والضرورة، فلا يعود ذلك إكراهاً.الحقيقة أن مقال الرئيس بايدن لا يشكل مدخلاً، أو تمهيداً حسناً للقمة التي يقطع نحو عشرة آلاف ميل لحضورها، فيما العالم، وخصوصاً أميركا، يمر بمرحلة شديدة الاضطراب والخطورة. وواضح حتى لطفل، أن بايدن يخاطب في بيانه السياسي، فريقاً من الأميركيين، لكن بديهيات الدبلوماسية تقتضي أن يخاطب أيضاً في جزء منه، مضيفيه وشركاءه المستقبليين.
سوف يكون ذلك، على الأرجح، في جدة، عندما يتوسع في الحديث عما أشار إليه من 80 عاماً من العلاقات الثنائية الاستثنائية.
ولا سابقة لهذه القمة من قبل: لا في التوقيت، ولا بمن تجمع من حضور، ولا في مكان الانعقاد. أكبر قوة عسكرية في العالم تحضر وهي في حالة حرب شبه معلنة مع نظيرتها الروسية. وأهم قوة نفطية في العالم، تستضيف القمة فيما الحرب العسكرية في أوكرانيا تترك على العالم آثاراً اقتصادية تقريباً في حجم الآثار التي تتركها الحروب العالمية. يراقب العالم أجمع قمة جدة وهو يتساءل: هل نحن أمام نظام عالمي جديد؟ الجواب الفوري، لا. ليس في مثل هذه السرعة، ولا في مثل هذه السهولة. يجب ألا نكرر الخطأ التاريخي الذي وقع فيه فرنسيس يوكوهاما، عندما هتف لدى نهاية الاتحاد السوفياتي، إنها «نهاية التاريخ»، أي انتصار الغرب وزوال القوى المضادة. ثم اكتشف سريعاً، أن التاريخ لا ينتهي والأمم تنكفئ ولا تزول.
سبقت قمة جدة مجموعة قمم هدفها إبراز المعالم الأساسية على خريطة العالم، في ضوء المتغيرات الاستراتيجية والسياسية التي جرت في الآونة الأخيرة. وكانت أبرز تلك الخطوات جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على مصر وتركيا والأردن. وفي الدول الثلاث أكد على ما يمكن للسعودية أن تساعد حلفاءها في الأزمات الكبرى. لم تتفرد السعودية في هذه المقدرة على الصعيد الخارجي فحسب، بل كانت أيضاً الدولة القادرة على منح مواطنيها 20 مليار ريال للتخفيف من أحمال ظواهر الكساد والتضخم التي تضرب العالم.