تنتظر إيران رد الولايات المتحدة الأمريكية على المطالب التي أرسلتها لها لإحياء الاتفاق النووي لسنة 2015، وذلك بعد 5 أيام من المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين احتضنتها العاصمة النمساوية فيينا، وانتهت بتقديم مسودة مفوض الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
وكشف مصدر دبلوماسي إيراني لـ”عربي بوست” أن “طهران درست مقترحات الاتحاد الأوروبي، لكن القيادة العليا في إيران والمؤسسات المعنية بالبرنامج النووي لديها بعض التحفظات والمطالب، وتم إرسالها إلى الاتحاد الأوروبي في وثيقة يوم 15 أغسطس/آب، وفى انتظار الرد الأمريكي”.
وأضاف المصدر أنه “في حال وافقت واشنطن والأطراف الأوروبية على الوثيقة الأخيرة التي أرسلتها إيران، بالطبع سنكون على بعد أيام من إعلان إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأعاد فرض العقوبات على إيران”.
ملاحظات إيرانية
طوال الأيام الخمسة من المفاوضات في فيينا، في بداية شهر أغسطس/آب الجاري، كان الفريق النووي المفاوض الإيراني، يحاول مناقشة العديد من المسائل في المسودة النهائية للاتحاد الأوروبي، التي وضعت لحل الخلافات بين واشنطن وطهران.
وقال مسؤول إيراني مطلع على الملف، إن “مسودة بوريل كانت تحمل مزايا لواشنطن، لذلك كنا نسميها المسودة الأمريكية، لكن استطاع فريقنا انتزاع بعض المزايا لإيران بإضافة بعض البنود الجديدة، وهذا لا يعني الانتهاء، فعندما عاد الفريق المفاوض إلى طهران، أضاف ملاحظات أخرى”.
والقضايا العالقة بين واشنطن وطهران 4 قضايا: رفع العقوبات، وشطب الحرس الثوري من لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، ورغبة إيران فى الحصول على ضمانات أمريكية لضمان عدم تخريب الصفقة النووية مرة أخرى، وإغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
يقول أحد مستشاري الفريق النووي الإيراني المفاوض في فيينا،: إن “إغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية مسألة مهمة لإيران؛ لأنه إذا لم يتم ضمان إغلاق هذا التحقيق، من الممكن فتحه في أي وقت واستخدامه كذريعة لإعادة فرض عقوبات دولية على طهران”.
4 مراحل لإحياء الاتفاق
كشف دبلوماسي إيراني مقرب من الفريق النووي المفاوض الإيرانيأن المسودة التي أرسلتها طهران إلى الاتحاد الأوروبي تتضمن 4 مراحل زمنية رئيسية للعودة المتبادلة لبنود الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وتمتد هذه المراحل الزمنية إلى حوالي 6 أشهر، وهي:
- المرحلة الأولى: يوم اختتام مفاوضات فيينا، وبعد انتهاء توقيع وزراء خارجية كل من إيران والولايات المتحدة، والأطراف الأوروبية على الاتفاق النووي الإيراني، يتم الإعلان عن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، ويوم يُعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، التنازل عن عدد من الأوامر التنفيذية التي اتخذها سلفه، دونالد ترامب.
وعن هذه المرحلة يقول مصدرنا: إن “من ضمن المطالب الإيرانية النهائية، هو إعلان بايدن عن تنازله عن بعض الأوامر التنفيذية التي بموجبها تم فرض عقوبات على 155 مؤسسة مالية إيرانية وحوالي 15 مصرفاً”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن التنازل عن هذه القرارات التنفيذية التى تخص الكيانات المالية والبنوك الإيرانية، لن يتم رفع العقوبات عنها مباشرة؛ لأنه مجرد تنازل وليس إلغاءً.
- المرحلة الثانية: بعد مرور 60 يوماً من توقيع وزراء الخارجية للاتفاق النووي الإيراني، واختتام مفاوضات فيينا، يبدأ كل من الكونجرس والبرلمان الإيراني العمل على كتابة الخطوات اللازمة لكلا البلدين للعودة المتبادلة للاتفاق النووي.
- المرحلة الثالثة: بعد مرور 120 يوماً على اختتام المفاوضات النووية في فيينا، وإعلان التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي، تبدأ طهران في إعلان استعدادها للعودة الكاملة لتنفيذ بنود صفقة العمل الشاملة المشتركة.
وعن هذه المرحلة يقول مصدر مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إنه “بعد مرور 120 يوماً منذ بدء إعلان إحياء الاتفاق النووي، سيكون على الرئيس الأمريكي إعلان إلغائه الأوامر التنفيذية (المذكورة أعلاه)، والتنازل عنها، ومن تم تبدأ طهران في الالتزام ببنود الاتفاق”.
وأضاف المصدر أنه بعد 120 يوماً يجب على الإدارة الأمريكية إعلان إلغاء الأوامر التنفيذية بفرض عقوبات على 155 مؤسسة مالية إيرانية، وستكون هذه الخطوة بمثابة إشارة البدء لإيران للعودة للامتثال الكامل لبنود اتفاق النووي لعام 2015.
- المرحلة الرابعة: بعد مرور 45 يوماً على 120 يوماً من إعلان إحياء الاتفاق النووي، أي بعد مرور 165 يوماً على اختتام مفاوضات فيينا، ستكون هذه المرحلة النهائية التي سيتم فيها الإعلان من كلا الجانبين (واشنطن وطهران)، عن العودة الكاملة للالتزام ببنود الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
عن هذه المرحلة، يقول الدبلوماسي الإيراني: “في اليوم الـ165 ستكون كل من واشنطن وطهران قد نفذا الشروط المطلوبة منهما، من أجل العودة الكاملة للاتفاق النووي، وهو يوم النهاية”.
هل ستُرفع العقوبات عن إيران؟
كشف الدبلوماسي الإيراني المقرب من الفريق النووي المفاوض، أن المسودة الأخيرة التي أرسلتها طهران، تتضمن بنوداً تتعلق بالرفع الكامل للعقوبات المفروضة على أهم الكيانات الاقتصادية الإيرانية، وتتضمن أيضاً تخفيف العقوبات عن كيانات ومصارف أخرى”.
وبحسب المصدر ذاته، طالبت طهران فى مسودتها الأخيرة، بأن يتم رفع العقوبات عن كل من مؤسسة العتبة الرضوية المقدسة، مقر تنفيذ أوامر الإمام، ومؤسسة إغاثة الإمام الخميني، ومؤسسة المستضعفين.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المؤسسات هي شركات اقتصادية ضخمة، تقع تحت إشراف مباشر من المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، ولا تخضع للمراقبة الحكومية أو دفع الضرائب، وتشكل أهم الكيانات المالية في المؤسسة الاقتصادية الضخمة لعلي خامنئي، والحرس الثوري.
وأضاف مصدر “عربي بوست” أن “إيران طالبت في المسودة التي قدمتها إلى الاتحاد الأوروبي، إلغاء تجميد الأصول الإيرانية وبالتحديد الموجودة فى كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى السماح لإيران بتصدير نفطها والنفط المخزن في الموانئ كما كان في بداية تنفيذ الاتفاق النووي”.
وتقدر قيمة الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، بحوالي 7 مليارات دولار أمريكي، وقد حاولت طهران مراراً التفاوض مع كوريا الجنوبية للإفراج عن الأموال، إلا أن سيول رفضت خوفاً من العقوبات الأمريكية.
في حديثه لـ”عربي بوست”، قال المصدر المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، المطلع على سير المفاوضات النووية: “إن رفع العقوبات عن هذه الكيانات (المذكورة سابقاً)، شرط أساسي، وهناك بعض المصارف والمؤسسات المالية التي يمكن تخفيف العقوبات عنها”.
كما أشار المصدر ذاته إلى أن إيران من المفترض أن تحصل على حوالي 3 سنوات من رفع وتخفيف العقوبات، لكن الفريق المفاوض طلب فترة من سنتين إلى 3، وهي مدة إضافية لاستكمال الشركات الأوروبية عملها في إيران فى حالة انسحاب واشنطن مرة أخرى من الصفقة النووية”.
اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي
هناك مسألة أخرى مهمة بالنسبة للجانب الإيراني، قد تناولها بصرامة في المسودة التي أرسلتها طهران إلى الاتحاد الأوروبي يوم 15 أغسطس/آب 2022، وهي اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي.
يقول المصدر الدبلوماسي الإيراني لـ”عربي بوست”: “في المسودة الإيرانية المقترحة، طلبت طهران عدم تصدير اليورانيوم المخصب، وبدلاً من ذلك تخزينه بجانب أجهزة الطرد المركزي عندها”.
ويذكر أن الاتفاق النووي لعام 2015، اشترطت فيه واشنطن والأطراف الأوروبية أن تقوم إيران بتصدير كل الكميات الموجودة لديها من اليورانيوم المخصب والماء الثقيل، وأجهزة الطرد المركزي، إلى خارج البلاد، وقد تم تصديرها إلى روسيا والولايات المتحدة في ذلك الوقت.
لكن بحسب الدبلوماسي الإيراني الذي تحدث لـ”عربي بوست”، فإن إيران في هذه المرة تريد الاحتفاظ باليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي التي حصلت عليها فى الآونة الاخيرة وبالتحديد منذ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي.
عقبة الحرس الثوري الإيراني
من أهم العقبات الرئيسية التي كانت تقف في طريق التوصل إلى صفقة بين واشنطن وطهران لإحياء الاتفاق النووي؛ الإصرار الإيراني على إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التابعة للولايات المتحدة.
وفي الأشهر الـ5 الأخيرة من عمر مفاوضات فيينا، أصرت طهران على هذا الأمر، بينما رفضت واشنطن في المقابل الانصياع لهذا المطلب الإيراني، وبررت أنه خارج نطاق عمل خطة العمل الشاملة المشتركة.
يقول مصدر “عربي بوست”: إنه “في الجولة الأخيرة من مفاوضات فيينا، تمت مناقشة هذا الأمر مراراً، حاول الأمريكيون المساومة على مسألة إزالة الحرس الثوري، وطالبوا في المقابل بإعلان إيران تخليها عن الانتقام لمقتل سليماني، لكن الفريق المفاوض الإيراني رفض الطلب الأمريكي”.
وتخشى أمريكا أن تستهدف إيران عدداً من المسؤولين السابقين فى إدارة دونالد ترامب، والذين تتهمهم طهران بالتورط في اغتيال قائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة عام 2020، مع رفيقه العراقي “أبو مهدي المهندس”، نائب رئيس وحدات الحشد الشعبي العراقي.
بالعودة إلى المطلب الإيراني النهائي فيما يخص تلك المسالة، يقول المصدر الدبلوماسي الإيراني لـ”عربي بوست”: إنه “لم يتوصل الجانبان إلى حل وسط بخصوص هذا الأمر، لذلك أظهرت إيران بعض المرونة في هذه المسألة، وتم إرجاؤها بعد نجاح العودة الاتفاق النووي”.