أعربت وزارة الخارجية الروسية اليوم الخميس عن شكوكها بجدوى انضمام فرنسا وألمانيا ودول أخرى إلى المباحثات الروسية التركية حول الوضع في محافظة إدلب السورية.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا اليوم الخميس: “إذا كان الحديث يدور حول المباحثات الثنائية فيجب أن يتم إيجاد الحلول بصيغة ثنائية”.
وأشارت إلى أن دولا أخرى غير روسيا وتركيا لم تلعب “أي دور حاسم” في تسوية الوضع على الأرض بسوريا وتساءلت: “ما الهدف من توسيع الصيغة الثنائية؟”.
وأكدت زاخاروفا انفتاح موسكو على مختلف المبادرات شريطة أن يكون لها ما يبررها، قائلة: “يجب أن نفهم ما هو الجدوى أو الفائدة من كل ذلك.. خاصة أن الطرق الثنائية لمعالجة مختلف المسائل بما فيها المعقدة، لا تزال تعمل بنجاح”.
وجاء تصريح زاخاروفا تعليقا على ما وصفته بمحاولات للصحفيين الربط بين المباحثات الروسية التركية حول سوريا و”صيغ متعددة الأطراف موجودة أو قد تظهر”.
وسبق أن صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن أنقرة “لم تتلق بعد نتيجة مرضية في المفاوضات مع موسكو بشأن إدلب”،
أردوغان: سير الأحداث في إدلب بدأ يتغير لصالحنا
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الخميس إن 3 جنود أتراك قتلوا في إدلب السورية، لكنه اعتبر أن الوضع هناك بدأ يتغير لصالح أنقرة.
وقال أردوغان في تصريحات له اليوم الخميس: “استشهد 3 جنود من الجيش التركي في إدلب، وكبّدنا النظام (السوري) خسائر فادحة ردّا على ذلك”.
وأضاف أنه “لولا دعم روسيا وإيران لما استطاع النظام السوري الصمود حتى الآن”، معتبرا أن “سير الأحداث في إدلب السورية بدأ يتغير لصالحنا”، وقال: “قلبنا مسار الأحداث في ليبيا، حيث كان في السابق لصالح (قائد الجيش الليبي خليفة) حفتر، وكذلك فعلنا في إدلب”.
وأشار الرئيس التركي إلى أن “اللقاءات مع الروس مستمرة” بشأن إدلب، مضيفا أن تركيا موجودة في إدلب وفقا لاتفاقية أضنة.
وفي وقت سابق اليوم صرح المتحدث باسم “حزب العدالة والتنمية” التركي الحاكم عمر جليك، أن جيش بلاده مستعد لتنفيذ مهامه بعد انتهاء المهلة المحددة لانسحاب الجيش السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية.
وأكدت مصادر إعلامية سورية اليوم الخميس استكمال سيطرة الجيش السوري على ريف إدلب الجنوبي، وسط أنباء عن محاولات الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا استعادة مدينة سراقب الاستراتيجية التي خسرتها مطلع الشهر الجاري.
قال قائد قيادة القوات الأمريكية في أوروبا، الجنرال تود وولترز، الثلاثاء\الخامس والعشرين من فبراير، أن لتركيا دور في “التصدي” لروسيا، مطالباً بالتعاون بين واشنطن وأنقرة في هذا المسار، وأردف أن كلاً من موسكو وأنقرة “تنظران إلى منطقة البحر الأسود كمجال نفوذ طبيعي لهما، ولا يزال النزاع بينهما مستمراً في ليبيا كما أنهما تتصادمان بصورة مباشرة في إدلب”، وتابع أن المصالح طويلة الأمد لكل من الولايات المتحدة وتركيا ستصبحان على أحسن وجه “عبر مواصلة عملهما المشترك على تحسين التعاون ضد روسيا، سواء على المستوى الثنائي أو ضمن إطار الناتو”.
حديث ربما يستنتج قارئه أن الناتو قد حسم أمره لصالح تزويد تركيا بكل ما تحتاجه، في مواجهة خصمها المعهود وهي موسكو، لكن ذلك سيعتبر في وجهة نظر متابعين من ضمن الناتو نفسه، حشراً للحلف في حرباً هجومية، وهو ما قد يخالف القواعد الدفاعية للحلف، والتي قد تُقنع دوله بالحرب إلى جانب تركيا في ظل خطر يتهددها، وهو ما لن تستطيع تركيا في الغالب تبريره لدى كثيرين، خاصة أن الجيش التركي هو من يقوم بإرسال جنوده ومدرعاته إلى إدلب، التي هي في نهاية المطاف محافظة سورية، أياً كان رأي المعارضين للنظام أو الموالين لها، حيث باتت أنقرة في موضع إدانة وموقع المعتدي على دولة ذات سيادة ومعترف بها في الأمم المتحدة، وهو ما يضع كثير من دول الناتو أمام قرار حاسم بعدم المشاركة، أو ربما توريط أنقرة في خلاف أكبر مع موسكو، يضمن لهم الشقاق في حلف الأستانة الثلاثي (الروسي التركي الإيراني)، والذي إستفرد إلى حد بعيد بالمعضلة السورية، وبات يخيط لها حلاً على مقاسهم، وهو مقاس غير مُتجانس وبالأخص بين أنقرة وموسكو.
وفي ظل المعضلة التي أدخل أردوغان نفسه به، جائه الرد من واشنطن أخيراً، حيث قال أردوغان الأربعاء\السادس والعشرين من فبراير، إن واشنطن أبلغت بلاده أنه ليس لديها أي أنظمة دفاعية من طراز باتريوت لمنحها إلى تركيا في الوقت الحالي، وأضاف أردوغان في تصريح، أن الولايات المتحدة لم تقدم بعد الدعم لتركيا في منطقة إدلب السورية، مشيراً إلى أنه سيحتاج إلى التحدث إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول هذه القضية مرة أخرى.
وحول قمته المقترحة مع زعماء ألمانيا وروسيا وفرنسا الأسبوع المقبل قال أردوغان إنها “غير مؤكدة”، لكنه رجح أن يجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إسطنبول في الخامس من مارس، لمناقشة الوضع في إدلب، وذلك عقب أن أوضح أن “أكبر مشكلة (بالنسبة إلى تركيا) في إدلب هي عدم التمكن من استخدام المجال الجوي” الذي تسيطر عليه موسكو، متابعاً: “وسنتجاوزها قريباً”، وهو ما يفتح باب التساؤلات عن جدية تركيا نفسها في مواجهة موسكو، خاصة أنها إعتذرت سابقاً عن إسقاط طائرة روسية في العام 2015، وقدمت تنازلات كبرى في سبيل فتح صفحة جديدة مع الروس، كانت الأستانة وسوتشي من بينها، من خلال فرض حلول مرضية لروسيا على المعارضة السورية، انتهت بحشرهم في الشريط الحدودي الشمالي لسوريا.
وكرر إردوغان في كلمة ألقاها أمام نواب من حزبه “العدالة والتنمية” في أنقرة تعهداته بأنه “لن يتراجع قيد أنملة في إدلب”، قائلاً “سندفع بالتأكيد النظام (السوري) خارج الحدود التي وضعناها”، معيداً التذكير بالإنذار النهائي الذي أعطاه لقوات النظام السوري للانسحاب من بعض المواقع في منطقة إدلب بحلول نهاية فبراير الجاري، مُهدداً بأنه سيُرغمهم على التراجع إذا لم يفعلوا ذلك.
سلسلة من التصعيد التركي مع روسيا
التلويح التركي بإستخدام ورقة الناتو في وجه روسيا، ومحاولة توريط الحلف في مواجهة مع موسكو، سبقها منذ بداية فبراير، تصعيد النبرة التركية تجاه موسكو، ففي الثالث منه، صرّح أردوغان، إن بلاده لم ولن تعترف بـ”ضم” روسيا لشبه جزيرة القرم، مشيراً إلى أن أنقرة تتابع عن كثب أوضاع أتراك القرم، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده قبيل توجهه إلى أوكرانيا للمشاركة في اجتماع المجلس الاستراتيجي بين البلدين، مع نظيره فلاديمير زيلينسكي، وقال أن “روسيا ضمت شبه جزيرة القرم الأوكرانية بطريقة غير شرعية، وتركيا لم ولن تعترف بذلك”.
ونوّه الرئيس التركي إلى أن تركيا دافعت عن وحدة الأراضي الأوكرانية في كافة المحافل الدولية، وأن أنقرة تدعم كافة الجهود الرامية لإيجاد حل سلمي للوضع القائم في شرق أوكرانيا، كما زعم أن مسؤولي بلاده يتشاورون مع نظرائهم الأوكرانيين حول معاناة أتراك القرم، وقال: “كما كان في الماضي، فإن أوضاع أتراك القرم ستكون في مقدمة المسائل التي سنناقشها في مع المسؤولين في أوكرانيا”.
إقرأ أيضاً: مَن يرغب بدعم “إنعزالية” المسلمين في فرنسا؟
وجاء التصعيد التركي تجاه موسكو مع بدء المواجهة في إدلب، فيما يعتبر ملف القرم حساساً لروسيا، وهو ما فهم منه رغبة تركية في تذكير موسكو بأوراق الضغط التي تملكها ومنها التحالف مع كييف في مواجهة موسكو، وتهديد الجبهة الغربية لروسيا.
وإستمر التصعيد التركي في السابع من فبراير، عندما نبّه مندوب تركيا في الأمم المتحدة، فريدون سينيرلي أوغلو، من أن تركيا ستدافع عن أمن جنودها في محافظة إدلب السورية، وأشار في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول إدلب، إن نشر قوات تركية في محافظة إدلب يتم بالتنسيق مع روسيا، متابعاً أن النظام السوري استهدف نقاط عسكرية تركية، وأردف: “في النتيجة أجبرونا على نشر وحدات (عسكرية) إضافية لحماية نقاط المراقبة ولمنع تصعيد العمليات العسكرية في إدلب، الآن يحاصر الجيش السوري عدداً من نقاط المراقبة”.
وجاء التهديد التركي، عقب دعوة أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلى الضغط على دمشق لوقف الهجوم الذي يشنه النظام السوري ضد المسلحين في إدلب، فيما أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن “الاجتماعات الاستثنائية حول سوريا تنعقد كل مرة عندما يقع الإرهابيون في خطر” جراء عمليات النظام السوري، الذي شدد على حقه بل واجبه في مكافحة الإرهاب واستعادة السيطرة على كل أراضي البلاد.
واشنطن والناتو على خط التوتر التركي الروسي
وعقب فشل جولتين من المباحثات الروسية التركية لتهدئة الأوضاع في إدلب، وصل المبعوث الخاص إلى سوريا “جيمس جيفري” إلى العاصمة التركية أنقرة في الحادي عشر من فبراير، وفي السياق أعلنت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الناتو، كاي بيلي هاتشسون أن “أمريكا والناتو تدعوان لوقف العملية العسكرية في إدلب”، و أعلنت الولايات المتحدة موقفها من العملية العسكرية لقوات النظام على إدلب، وأبدت دعمها (النظري) لتركيا، كحليفة في الناتو، فيما دعا الأمين العام لحلف الناتو كلاً من سوريا وروسيا لوقف العملية العسكرية في إدلب.
وقالت هاتشسون، في تصريحات صحفية: “لسنا موافقين على كل الإجراءات التي تتخذها تركيا في سوريا، لكننا نعتقد أن هذه الهجمات من قبل سوريا المدعومة من روسيا تتجاوز كل الحدود”، وطالبت روسيا بإيقاف دعمها للنظام السوري، والسير نحو اتفاق سلام في سوريا، كما و دعا الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ، كلاً من النظام السوري، وروسيا، إلى وقف الحملة العسكرية للقوات السورية في إدلب.
إقرأ أيضاً: ماذا يعني أن تتزاحم مُدرعات أمريكية-روسية على طرق سورية؟
وقال ستولتنبيرغ، في كلمة ألقاها، عشية اجتماع لوزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف، الذي عقد في بروكسل من 12 إلى 13 شباط/فبراير: “نرى أن هناك أعمالاً قتالية عشوائية، وهذا الأمر يثير قلقنا العميق وإننا ندينه، لهذا السبب ندعو نظام الأسد، وروسيا التي تؤيد الأسد، إلى وقف الهجوم والالتزام بالقانون الدولي. يجب فعل ذلك فوراً”.
وشدد ستولتنبيرغ، أن الحلف يقدم الدعم لأنقرة، بما في ذلك في مجال الدفاع الجوي، بغض النظر عن التطورات الأخيرة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وصرّح مجيباً على سؤال عما إذا كان الحلف سيدعم تركيا في حال شنها عملية عسكرية في إدلب: “الناتو يدعم تركيا الآن، تركيا عضو في الناتو، وللناتو حضور في تركيا، كما أننا نقدم لها عدداً من إجراءات الدعم في مجال الدفاع الجوي، بغض النظر عن الوضع في إدلب، الذي يقلقنا جداً”.
وأشار إلى أنه يعتبر هجوم قوات النظام السوري على محافظة إدلب “استخداماً قاسياً للقوة واعتداءات عشوائية على مدنيين أبرياء”، وأردف الأمين العام للناتو: “نحن ندين ذلك، فهو غير مقبول لدينا”، مطالباً النظام السوري بـ “وقف هذه الاعتداءات”، دون أن يقدم وعود حقيقة لمساندة تركيا، التي كان قد دعا وزير دفاعها خلوصي أكار، كلاً من الولايات المتحدة وحلف الناتو، إلى تعزيز دعمهما لتركيا في ظل تصعيد التوتر في منطقة إدلب السورية.
امتعاض روسي
لكن ومن قال إن تدخل واشنطن والناتو سيحل الخلاف بين موسكو وأنقرة، ولن يزيده بلة؟.. فمجرد الحديث النظري من الحلف أثار حفيظة موسكو، وهو ما عبّرت عنه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بالتأكيد على أن تركيا لم تف بتعهداتها بشأن إدلب، وأن تركيا لم تتلقى دعوة من أي جهة لإرسال قواتها إلى سوريا.
وأوضحت زاخاروفا في الثاني عشر من فبراير، أن “تركيا لم تف بتعهداتها الخاصة بإدلب وهذا ما أدى إلى زيادة التوتر في هذه المنطقة السورية”، وقالت: “ليس بإمكان حلف ناتو حل الأزمة السورية، ولم تتعرض تركيا لهجوم كي تطلب العون من ناتو”، وأوضحت زاخاروفا، “حلف الناتو ميت منذ زمن “، وأنه “عاجز عن حل الأزمة السورية، ولو استطاع لكان قد فعل”.
إقرأ أيضاً: حقوق قُبرص في التنقيب بالمتوسط رهنٌ لتعديات جارها الشمالي!
إشارة إلتقطتها واشنطن في اليوم التالي للتصريح الروسي، من خلال التأكيد على أنها لا تنوي لعب دور “شرطي العالم” والقيام بأي تدخل عسكري في إدلب، وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، خلال “الندوة الأطلسية” في واشنطن، إنه “فيما يخص المقترح الذي يقول إن على الولايات المتحدة القيام بشيء… فلا أرى حاجة حقيقية لذلك”، متسائلاً: “هل من المفترض أن ننزل بالمظلة إلى هناك كشرطي للعالم لنصب إشارة قف، ولتوجيه تركيا بعدم فعل هذا الأمر، وروسيا بعدم فعل الأمر الآخر؟”.
وأضاف أوبراين: “الوضع في إدلب سيئ للغاية، والأسد لاعب سيئ جداً، وكذلك الإيرانيون، والخطوات التي تُقدم عليها تركيا وروسيا لا تساهم في تحسين الوضع هناك”، وأشار إلى أنه “لا توجد عصا سحرية” تستطيع وقف العنف، مؤكداً أن الحكومة الأميركية لا تنوي إرسال قوات للتدخل في نزاع “ليس للولايات المتحدة علاقة به”، وأضاف: “لا أعتقد أننا سننفذ تدخلاً عسكرياً في إدلب في محاولة لمعالجة هذا الوضع السيئ”.
سنساعدكم عندما تغرقون أكثر
لكن في المقابل صدرت تصريحات أمريكية قوية لمُساندة تركيا، عزاها متابعون وفق الاستنتاجات المُستقاة من التصريحات النارية التركية والخافتة من الناتو، إلى فرضية رغبة واشنطن والغرب عموماً في إغراق أنقرة في مواجهة أكبر مع موسكو، تضمن لواشنطن من خلالها صداماً حقيقياً بين الجانبين، لقطع حبال الود التي نسجت في آخر أربعة أعوام بينهما، ويجعل أنقرة محكومة بالبحث عن رضا واشنطن وبروكسل عليها، وهو ما تمردت عليه أنقرة في السنوات الأخيرة، وربما جاء تصريح المبعوث الأميركي الخاص الى سوريا، جيمس جيفري، في الرابع عشر من فبراير في ذاك السياق، إذ قال أن بلاده تفكر في دعم الجيش التركي في إدلب عبر تقديم معلومات استخباراتية ومعدات عسكرية.
وقال جيفري، خلال زيارة قام بها إلى تركيا، إن الولايات المتحدة تنظر في سُبِل تقديم الدعم لتركيا في إدلب ضمن إطار حلف الناتو، وشدد على أن الحديث لا يدور حتى الآن عن دعم أنقرة بإرسال جنود أميركيين إلى منطقة النزاع، وأشار إلى أن واشنطن وأنقرة تتفقان في عديد من النقاط حول إدلب، معتبراً أنه من حق تركيا حماية أمنها وحدودها، (وفق قوله).
إقرأ أيضاً: ما مدى جدية الغرب في حظر “الإخوان المسلمين”؟
ويبدو أن ذلك قد تحقق نوعاً ما لواشنطن، إذ تصاعد الخلاف بين موسكو وأنقرة بشأن إدلب، فبعد وزارة الدفاع والكرملين، قال السفير الروسي لدى تركيا إن أنقرة أخفقت في الوفاء بالتزاماتها بمذكرة سوتشي بشأن سوريا، وأنها لم تسحب فصائل المعارضة السورية التي وصفها بـ”الجماعات الإرهابية” من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، وأشار السفير الروسي إلى أن موسكو وأنقرة اتفقتا كذلك على فتح طريقي M5 وM4 شمال غربي سوريا، لكن ما حدث يخالف الاتفاق، ورفض السفير الروسي إلقاء اللوم على روسيا والنظام السوري، في الوقت الذي لم تف تركيا بالتزاماتها، (بحسب قوله)، فيما قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن بلاده ستستخدم القوة مع من ينتهكون وقف النار في منطقة إدلب، بما في ذلك “العناصر الراديكالية”، وفق وصفه، لإجبارها على الالتزام.
وفي سياق تأكيد تلك الفرضية التي تقوم على توريط أنقرة، أعلم مصدر في حلف الناتو وكالة أنباء “تاس” الروسية في السابع عشر من فبراير، بأن الحلف لا ينوي تقديم الدعم العسكري لأنقرة في حال قيامها بعملية عسكرية في شمال سوريا، وأشار المصدر إن “دول الناتو لن تدعم تفعيل البند الخامس بسبب مقتل عسكريين أتراك في إدلب مطلع فبراير”، مؤكداً أن الحلف “لا ينظر في إمكانية تقديم مساعدة عسكرية لتركيا في حال القيام بعملية في هذه المنطقة”.
ليأتي ما قاله المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن في الثامن عشر من فبراير، ويؤكد تلك الفرضية (دفع تركيا لمواجهة موسكو، لإجبارها على العودة إلى الحضن الغربي)، أن موقف حلف شمال الأطلسي وحلفاء تركيا تجاه إدلب غير كاف، وغير مقبول، وأردف قالن عقب محادثات تركية روسية في موسكو حول التطورات الجارية في إدلب، أن “اكتفاء الناتو وحلفائنا بالثناء على موقفنا وتشجيعنا، هو أمر لا يكفي وغير مقبول، وإذا استمر الأمر كذلك فإن إدلب ستذهب غداً”.
وتابع قالن إن بلاده لن تتوقف عن إرسال قواتها إلى إدلب شمال غربي سوريا، مشدداً أن هجمات النظام السوري، ستلقى رداً بالمثل، وزعم أن أساس الموقف التركي في محادثات موسكو، هو العودة إلى حدود اتفاق سوتشي، قائلاً أن المحادثات مع روسيا ستستمر حول إدلب، وأضاف أن “التعزيزات العسكرية ستتواصل إلى إدلب من أجل حماية المدنيين” (على حد وصفه).
أنقرة تتقدم بطلب رسمي
ومع توسع هوة الخلاف الروسي التركي (وهو أمر يروق لواشنطن والناتو)، أكد مسؤول أمريكي، في الواحد والعشرين من فبراير، أن تركيا طلبت من الولايات المتحدة نشر نظام الدفاع الجوي “باتريوت” في البلاد، لمواجهة الغارات الجوية السورية، وفق ما أفاد موقع “غلوبال ديفينس”، وأكد المسؤول الأمريكي أنه تم تقديم طلب لنشر باتريوت، لكن الولايات المتحدة لم تقرر بعد ما إذا كانت ستنشر المنظومة أم لا، وقال المسؤول:”نحن على علم بطلب صواريخ باتريوت في تركيا بالقرب من الحدود السورية، ولكن لم يتم اتخاذ أي قرار، ما زلنا نجري مناقشات مع حكومة تركيا حول الوضع المقلق في إدلب”.
وفي الأثناء، وفي سياق محاولة الناتو لصب المزيد من الزيت على النار المتقدة بين أنقرة وموسكو، نشر حلف التحالف عبر حسابه في “تويتر”، تسجيلًا يظهر قوة الجيش التركي، وقال إن “الناتو هي عائلة ذات قيم مشتركة، نحن متحدون مع حلفائنا من أجل السلام والاستقرار، تركيا هي الناتو”، وأضاف الناتو، “بصفتنا حلفاء نشارك قيمنا المشتركة، من أجل هذه القيم ومن أجل أن نحمي أنفسنا، نتحرك معًا”.
إقرأ أيضاً: العقوبات الإقتصادية والأخطاء تُنبئ “روحاني” بـ (ثورة)
لكن ورغم حالة التطبيل الذي مارسه الناتو، استبعد مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” في الرابع والعشرين من فبراير، أن يتم تحريك بطاريات “باتريوت” الدفاعية الصاروخية لمساعدة تركيا في النزاع الدائر في منطقة إدلب شمال غرب سوريا، على الرغم من وجود طلب تركي رسمي في هذا الصدد، حيث كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قد قال في وقت سابق إن الولايات المتحدة قد ترسل لبلاده منظومة صواريخ باتريوت لاستخدامها لحفظ الأمن في ظل الصراع بمحافظة إدلب في شمال غرب سوريا، مؤكداً أن المحادثات مع واشنطن لشراء منظومة باتريوت مستمرة.
ويبدو أن بعض الأتراك قد بات يشعر بالمنزلق الذي يتوجهون له، وهي منطقة قد لا يملكون فيها إمكانية الفرملة فيما بعد، لو خرجت الأمور عن نطاق سيطرتهم نحو مواجهة مفتوحة مع موسكو، سيقف فيها الناتو في الغالب على مقاعد المشجعين، دون أن تكون لديه النية في تزويد أنقرة بلاعب بديل أو حتى مدرب جيد، وهو ما أشار إليه نائب رئيس المخابرات التركي السابق جواد أونيش في الخامس والعشرين من فبراير، عندما قال إن “مدينة إدلب السورية باتت قنبلة يدوية يمكن تنفجر في أي لحظة”، وذلك ضمن تصريحات أدلى بها لصحيفة “ملّيت” التركية.
وطالب أونيش الإدارة التركية بالتفكير بروية والتصرف بالحيطة والحذر، آخذة بعين الاعتبار أن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا تسعيان إلى ضمّ تركيا إلى محورها، محذّراً من أن الحرب لا يمكن اللجوء إليها إلا في حالة وجود تهديد موجه إلى بقاء البلاد فقط، مستكملاً حديثه بالقول: “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الآخر ينتهج سياسية مشابهة تستهدف تدمير علاقات تركيا مع كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الناتو، لذا ينبغي على تركيا أن تدرس الموضوع بكل حساسية ودقة وتتجنب اتخاذ قرارات فردية وأحادية، الحرب هي آخر خيار يمكن الخوض في غمارها فقط عندما تكون هناك تطورات مهددة لوجود تركيا بالفعل”.
ومع مواصلة أنقرة إصرارها على كسب شيء ما من الكعكة السورية، والذي أشار إليه المسؤولون الأتراك بالرغبة في أستحواذ منطقة آمنة في إدلب على غرار العمليات العسكرية التي شنتها في “عفرين” و”شرق الفرات” حيث “قوات سوريا الديمقراطية”، ونشر الجيش التركي بعمق 35 كم داخل الحدود السورية، وإصرار موسكو على إستعادة كامل المناطق الخاضعة للمليشيات التابعة لأنقرة، يبدو أن معركة كسر العظم تلك بين الجانبين، ستأخذ السوريين إلى أحد الخيارين، أما بقاء طويل الأمد لـ تركيا في كامل الشريط الحدودي بعمق 35كم، أو إخراجها من جميع المناطق الحدودية بالتوالي، وهو استنتاج تدركه أنقرة، وتنتظر نتائجه واشنطن والناتو، إما بإعادة إخضاع أنقرة، أو ربما في طردها النهائي من الحلف.