سُئلت قبل سنوات عن أهم ثناء تلقيته في حياتي المهنية، فأجبت كان ذلك في مطار دبي يوم اندفع نحوي شاب على كرسي متحرك محاولاً معانقتي ولم يستطع. فانحنيت أقبل جبينه.
اعتقدت آنذاك أنه لن أجد نفسي في موقف مشابه بعد ذلك. وقد سمحت لنفسي بذكر الحادثة لما تمثل من عفوية المشاعر. أما الثناء في حد ذاته، فهو مثل النقد، أو التصحيح، أمر طبيعي في حياة الكُتاب. ومن الذين أعتمد على ملاحظاتهم واقتراحاتهم وثقافتهم الموسوعية، الأستاذ وليد جنبلاط. ولا أدري أين يعثر الزعيم الاشتراكي على كل هذا الوقت، لكنني أصبحت أعتمد أحياناً أنه إذا ما فاتتني قراءة شيء تجب قراءته، فسوف أجده بين مقترحاته بعد قليل. ومعظمها، للمناسبة، لا علاقة له بالسياسة ولا بلبنان ولا بسطحيات طبقته السياسية، بل بالعالم الثقافي الذي يعتزل فيه وليد بك.
أحياناً كثيرة يعبر المظهر الخارجي في الناس عن طباعهم المولودة. من ألمع النماذج التي عرفتها في ذلك الدكتور أحمد أبو الغيط. يجب أن يكون لون ربطة العنق متناسقاً مع الجوارب مع الطقم مع الطقس. لا ضرورة للأخطاء مهما كانت صغيرة، وكان الله في عون موظفي الأمانة العامة. دائماً يتكرم علي الدكتور بدرس في الدقة. الأسبوع الماضي كتبت عن الدبلوماسي الأميركي جورج إف كنان، وذكرت أنه عاش 92 عاماً.
رن التليفون بعد الظهر وأنا في مطار بيروت. أولاً آداب مصر وتكرار الدعوة إلى الغداء في الأمانة العامة. ثانياً «يا سمير بيه، جورج إف كنان عاش مية سنة مش تسعين. ده زي هنري كيسنجر، هوه الثاني حيكمل المية سنة برضو». قاطعت ضاحكاً: «عقبال عندك يا دكتور. وفي أي حال سوف أصحح الخطأ في أول مناسبة».
أعتذر من ذلك الشاب الحبيب في مطار دبي، ثمة من أخذ مرتبته وإلى زمن لا يعرفه إلا الله. لقد تلقيت من الدكتور كمال بجاجي إمام الجامع الكبير في مدينة برجا الساحلية، الرسالة التالية:
«هذا تسجيل خطبة الجمعة في جامع برجا الكبير في أول يوليو (تموز) مقتبسة من مقالكم، من يحاكم الجماهير. وقد تعطرت قناطر الجامع بذكر اسمكم الكريم في بداية الخطبة».
يا له من وشاح.