…بيغن صرخ على الجميّل لتوقيع السلام فردّ: “لستُ عبدك”.. مَنْ سمح بتنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا؟
الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
“العلاقات بين المسيحيين (الموارنة) في لبنان وبين إسرائيل كانت علاقات مصالح خالية من أيّ عاطفة، والمسيحيون اضطروا للارتماء في أحضان الكيان بعد حدثيْن مفصلييْن: الأوّل، أكتوبر الأسود في الأردن عام 1970، وطرد منظمة التحرير والفصائل من الأردن إلى لبنان، والثاني اندلاع الحرب الأهليّة عام 1970، عندما شعر المسيحيون أنّهم وحدهم وبحاجةٍ لمساعدةٍ”، هذا ما جاء في كتابٍ إسرائيليٍّ جديدٍ كشف خبايا وخفايا العلاقات بين الكيان وبين الموارنة في لبنان، وفي مُقدّمته بشير الجميّل، والذي توصّل لنتيجةٍ بأنّ الموارنة خدعوا إسرائيل، ورفضوا التوقيع على السلام بُعيْد انتخاب الجميّل رئيسًا للبنان في الـ23 من شهر آب (أغسطس) 1982.
الكتاب، الذي اعتمد على كبار المسؤولين في الموساد والجيش والمستوى السياسيّ أكّد أنّ السوريين هم الذين دبّروا ونفذّوا عملية اغتيال الجميل، واعتبر الوزير السابق دان مريدور أنّ الاغتيال غيّر مجرى التاريخ، زاعمًا أنّ الكتائب نفّذوا مجزرة صبرا وشاتيلا كردّ فعلٍ على تصفية الجميّل، في حين أكّد المؤلّف أنّه تمّ تنفيذ المجزرة على الرغم من أنّ الوزير الإسرائيليّ آنذاك، دافيد ليفي، حذّر الحكومة من أنّ دخول (الكتائب) إلى مخيمات اللاجئين سيؤدّي لأنهارٍ من الدماء، على حدّ وصفه.
وكانت الشرارة الأولى للتعاون قد أطلقها الجنرال سعد حداد الذي تعاون بشكلٍ علنيٍّ مع إسرائيل، واعتبره المسيحيون عميلاً، بحسب المؤرّخ الإسرائيليّ يغآل كيبينس، الذي أصدر مؤخرًا كتابًا جديدًا تحت عنوان:(1982- لبنان الطريق إلى الحرب)، مُضيفًا أنّ بشير الجميل اتخذ قرارًا عام 1976 بالتعاون مع إسرائيل لحماية المسيحيين وتزويدهم بالأسلحة وطرد السوريين والفلسطينيين من لبنان، والتقى بأوّل رئيس وزراءٍ إسرائيليٍّ، يتسحاق رابين، على متن سفينة في البحر، حيث اكتفى رابين بالقول:”سنُساعِد المسيحيين لكي يُساعِدوا أنفسهم”.
وكشف الكتاب الجديد النقاب عن أنّ أوّل زيارة لبشير الجميل إلى إسرائيل كانت في العام 1976، وزار خلالها كنيسة المهد في بيت لحم، ولكنّ الوزراء آنذاك لم يهتّموا بتطوير العلاقات مع لبنان، لذا دخل (الموساد) في أوائل الثمانينيات على الخّط وتسلّم الملّف.
وبحسب الكتاب، الذي اعتمد على كبار المسؤولين في (الموساد) وقتذاك، فإنّ عدم تطوير العلاقات مع المسيحيين في لبنان نبع من اعتباريْن اثنيْن: ضرب السوريين في بلاد الأرز من شأنه أنْ يضُرّ بالسلام مع مصر، ومن الناحية الثانية، يؤثر سلبًا على الاستعدادات الإسرائيليّة لضرب المفاعل النوويّ العراقيّ، وهي العملية التي تمّت في حزيران (يونيو) 1981.
وتابع الكتاب أنّ اللقاء الأوّل بين وزير الأمن الإسرائيليّ في ذلك الوقت أرئيل شارون، وبشير الجميل تمّ في العام 1981، حيثُ زار شارون لبنان برفقة وفدٍ من (الموساد)، وتناول 12 طبق حمص في مطعم (البستان) في بيروت، بعد دعوته للعشاء هناك مع الجميل، وحتى موته التقى الجميل مع شارون 12 مرّةً في لبنان وفي إسرائيل، لافتًا إلى أنّ شارون كان يُناديه “يا بنّيْ”، ورئيس الأركان، رفائيل إيتان “يا أخي”، وبحسب مسؤول ممثلية الموساد في لبنان، أفنير أزولاي، فإنّ بشير لم يكُن كذابًا، بل قال الحقيقة دائمًا، “نحن الإسرائيليين كُنّا نكذب عليه وعلى أنفسنا”، بحسب تعبيره، مُضيفًا أنّ المحادثات معه تمّت باللغتيْن الفرنسيّة والإنجليزيّة.
من ناحيته كشف قائد سلاح الجوّ في تلك الفترة الجنرال دافيد عيفري النقاب عن أنّه قام بتنظيم رحلةٍ لبشير الجميل من قاعدة (تل نوف) الإسرائيليّة إلى لبنان، وقال:”قبل سنةٍ من ذلك تعرّفت إليه في جونية، وانطباعي عنه كان سيئًا، كما أنّ الخطط التي عرضها قادة المسيحيين أمامنا لم تكُن مرتبطةً بالواقع..عندما بدأت الرحلة بالطائرة رأيت أنّ الرجل كان خائفًا جدًا ووجهه شاحبًا، ويُطلِق تنهدات، وكلّما تقدّمنا باتجاه لبنان زاد خوفه، وتبينّ ليّ أنّه تقيأ كلّ ما في بطنه بسبب الخوف، لذا عدنا إلى تل أبيب”.
وتابع عيفري:”انطباعي كان أنّ الحديث يدور عن شابٍ صغيرٍ لا يقدر أنْ يُواجِه الضغوطات الكبير، وهذا الأمر تساوق مع ما كان سائدًا في تلك الفترة لدينا بأنّ الموارنة هم جماعة من الأشخاص المُدللين”.
قائد ممثلية (الموساد) بلبنان كشف أيضًا عن قصّةٍ أخرى تؤكّد أن الجميل كان جبانًا وقال:”قمنا بجولةٍ مع بشير بالقرب من منطقة تبادل إطلاق النار، وعندما سمع الجميّل صوت الرصاص، قفز من سيارة (الجيب) واختبأ بين الأشجار ووراء صخرةٍ كبيرةٍ لشدّة خوفه ورعبه”.
وأقّر كبار القادة الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين، الذين تحدّثوا لمؤلّف الكتاب بأنّ الموارنة في لبنان كشفوا القناع عن القناع عندما رفضوا مساعدة القوّات الإسرائيليّة التي اجتاحت لبنان عام 1982، وكان همّهم الوحيد انتخاب بشير رئيسًا للبنان، حتى أنّ شارون صرخ على الجميّل وقال له: “قُتِل المئات من جنودنا، وأنتَ تتحدّث عن الانتخابات”، وشدّدّوا على أنّهم فهموا في تلك الفترة بأنّ السلام مع لبنان هو أكثر من وهم ومن سرابٍ وأنّه لن يخرج إلى حيّز التنفيذ، كما قال المراسل الإسرائيليّ، إيهود يعاري، الذي غطّى حرب لبنان، واجتمع مع وليد جنبلاط وكميل شمعون في بيتيهما.
قمّة الانكسار والشرخ في العلاقات بين الجميّل والإسرائيليين كان بعد انتخابه في 23 آب (أغسطس) 1982 رئيسًا للبنان، وذلك على خلفية رفض الموارنة مساعدة إسرائيل في الحرب، يقول المؤلّف:”بيغن استقبل بشير في أحد الفنادق بمدينة نهاريا المتاخمة للحدود مع لبنان. رئيس الوزراء الإسرائيليّ كان غاضبًا جدًا، وطلب من بشير أنْ يستقبله بزيارةٍ رسميّةٍ في بيروت، وأنْ يقوم الجميل بزيارة العاصمة القدس، والتوقيع على اتفاق سلامٍ. اللقاء كان حامي الوطيس.. الجميّل ردّ على أنّه في الظروف الراهنة لا يمكنه التوقيع على السلام وطلب منه مهلة لسنة”.