الترجمة العربية لرائعة غابرييل غارسيا ماركيز «مائة عام من الوحدة» تحمل عنوان «مائة عام من العزلة». والخطأ واضح. فالعزلة حصار، أما الوحدة فمجرد أمر طبيعي في حياة الأفراد. والأرجح أن المترجم لم ينتبه إلى الثورية بين العبارتين، بسبب قلة الفرق في النتيجة، كلاهما شقاء وقسوة.
عندما غاب ميخائيل غورباتشوف مؤخراً لم يخطر لي سوى العزلة التي يقع فيها الكبار. اليوم في ذروة الأبهة، ومن حولك العالم، وغداً وحيداً لا يرن الهاتف في مكتبك. بدأت وحدة غورباتشوف يوم فقد رايسا، رفيقته منذ أيام الدراسة. واضطرت ابنتهما الوحيدة إيرينا إلى السفر مع عائلتها، فبقي في موسكو من دون رفاق أو أصدقاء. وحتى المؤسسة الخيرية التي أسسها، أصدر بوتين قراراً بإغلاقها، بسبب منع قبول التبرعات من الخارج.
هل هناك ما هو أقسى؟ أتذكر ميريل ستريب في دور مارغريت ثاتشر في سنواتها الأخيرة، تفيق في الليل هائمة تنادي على «دنيس» رفيق عمرها. المرأة الفولاذية وقد ذوّبتها نار الوحدة، أشهر سيدة في العالم، والآن لا يقرع بابها أحد. لا بد من غارسيا ماركيز مرة أخرى في تصوير فظاعة الوحشة. روايته «الجنرال في متاهته» عن بطل أميركا اللاتينية سيمون بوليفار، بعد تقاعده عن حروب التحرير، لم يعد له أحد سوى شيخوخته.
بعد خروجه من السلطة خاض غورباتشوف المعركة الانتخابية على رأس حزب جديد قام بتأسيسه. النتيجة؟ 0.7 في المائة من الأصوات. ذات يوم اتصل به بوتين وسأله: كيف حال الحزب؟ فأجابه بأنه في مرحلة السعي. وفي اليوم التالي قرأ في الصحف أن بوتين أصدر مرسوماً بحل الحزب.
هل كانت عزلة ريتشارد نيكسون الأكثر شقاء ومرارة؟ هذا ما ترويه مونيكا كرولي في «نيكسون في الشتاء»، عن أربع سنوات أمضتها مساعدة له بين 1990 ووفاته عام 1994، تلك كانت عزلة حقيقية فرضها الأميركيون على رئيسهم السابق. لم يغفروا له أنه «كذب» في فضيحة «ووترغيت» في بلد لا حدود فيه للمستويات الدنيا من العمل السياسي.
هناك طريقتان للعزل السياسي: الطريقة الروسية، حيث في يوم واحد لا يعود للرئيس وجود أو ذكر، والطريقة الأميركية حيث يُذكر كل يوم من أجل أن يُقتل كل يوم.